الأدب العربي
من المحلية إلى العالمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مفهوم الأدب العالمي والخصائص المؤهلة له:
* تعريف عالمية الأدب:
* تعريف عالمية الأدب:
يُعد الأدب عالميا إذا اجتاز الحدود الفاصلة بين الدول، وخرج عن نطاق اللغة
التي كُتب بها إلى لغات أخرى، عن طريق الترجمة، ومن ثم يصبح محققا لانتشار واسع،
وشهرة كبيرة على مستوى العالم، من خلال ما يمتلكه من خصائص فنية مؤهلة لذلك.
* الخصائص الفنية المؤهلة للعالمية:
تتلخص تلك الخصائص في أربعة أمور مرتبطة ببعضها ارتباطا عضويا وثيقا:
ـ ضرورة الانفتاح على اللغات والثقافات
العالمية، ليتمكن الأديب من تخطي الحواجز الثقافية، والتفاعل الفكري مع القوميات
المختلفة...
ـ ومن ثم ضرورة الاهتمام في المعالجة
الإبداعية بالبيئة المحلية، من منظور إنساني عام.
ـ فيستمد الأدب عالميته بما يحمله من قيم
مجتمعية مشتركة؛ تُشعر القارئ أن ذلك الأدب قريب منه ومعبر عنه، فتنمحي عوائق تلك
الحدود الجغرافية...
ـ وإذا كان الأدب يستمد عالميته من خلال تخطي
حدود اللغة، بما تحققه الترجمة، وتخطي حدود الموقع الجغرافي، بما يحققه الارتقاء
بالخطاب الإنساني؛ فإن الأدب العالمي هو الأدب الذي لا يشيخ، بل يظل مؤثرا رغم
تعاقب الأجيال؛ متجاوزا حاجز الزمن، بما يحتويه من درر وجواهر ثمينة من الموروثات
البشرية، التي تثير فضول القارئ، وتدفعه للبحث والتشوق للمعرفة...
ـ كما يجب ألا يكون الهدف من العالمية، هو أن
تذوب الخصوصية المحلية في وحدة الأدب، بل أن تتفاعل معها تفاعلا إنسانيا، محققة
المعادلة الصعبة بين الانتماء للوطن، ومفهوم (الكوزموبوليتانية): أي المواطَنة
العالمية، التي أشار إليها الإمبراطور الروماني (ماركوس أوريليوس) في كتابه
(التأملات) بقوله: "إذا كنا نشترك في مَلَكة التفكير؛ فهذا يعني أننا نتشارك
في القدرة على استخدام العقل، وما دام الأمر هكذا؛ فإننا نشترك في القدرة على
التفريق بين الصواب والخطأ، وإذا كان الأمر على هذا الحال؛ هناك قانون عام يحكمنا،
أي أننا مواطنون ننتمي إلى وطن واحد" هو العالم.
*****
2ـ دور حركة الترجمة في تنشيط التعاون
المعرفي في مجال الأدب
* معنى الترجمة:
لكلمة (ترجمة) معانٍ في لغتنا العربية؛ منها على سبيل المثال:
ـ ترجمة المعنى: تفسيره/ وترجم عنه: أوضح
أمره/ وترجم القرار إلى عمل: نفذه، نقله إلى مستوى التطبيق.
ـ ترجمة فلان: سيرته وحياته (الترجمة
الذاتية: السيرة التي يكتبها الإنسان عن نفسه).
ـ ترجمة: نقل الكلام إلى لغة أخرى (وهذا هو
المعنى الذي نقصده هنا)، دون أن نغفل ما للغة العيون من خضوع لترجمة من نوع آخر؛
يقول فيها البحتري:
وَفِي عَيْنَيْك تَرْجَمَة أَرَاهَا *** تدلّ على الضَّغائن والحقود!.
* علم الترجمة وفنية ممارستها:
يواجه (المترجم) من لغة (المصدر) إلى لغة (الهدف) إشكالية؛ عبر عنها القول
الشائع (المترجم خائن للنص): إذا ترجمه حرفيا؛ فقد خان المعنى، وإن ترجم المعنى؛
فقد خان النص!، رغم أن ترجمة (الكلمة بالكلمة) هي الترجمة الحرفية، وترجمة
(الدلالة بالدلالة) هي الترجمة الحرة؛ إلا أن هناك من يستطيع أن يجمع بين هذا وذاك
على نحو يحقق أمانة الترجمة، وصولا للمعنى المراد دون تجاهل لحرفية النص، وهو ما
يتطلب من المترجم أن يكون لديه معرفة بحضارة وثقافة كلا اللغتين، ولمعاني
مصطلحاتهما، وقواعدهما، والصور والتشبيهات البلاغية في اللغة (المصدر)، ومعرفة
مقابلها في اللغة (الهدف)، ليستطيع التفنن في إظهار مواطن الجمال في كلا اللغتين،
والإبداع في إيجاد الكلمات المعبرة عن قصد الكاتب دون إخلال بالنص...
* أهمية حركة الترجمة في إثراء الحياة
الأدبية والعلمية:
عرف العرب منذ القدم أهمية (الترجمة في مراحلها البدائية) من خلال ارتحالهم
للتجارة إلى بلاد الروم والأحباش والفرس؛ فانتقلت بعض الألفاظ الفارسية إلى اللغة
العربية... وما أن بدأت الفتوحات الإسلامية إلا وظهرت الأهمية الكبرى للترجمة؛
فقام العرب بترجمة علوم اليونان في الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة
والنقد، وبعض الأعمال الأدبية الفارسية... وفي القرن التاسع يُروى أن الخليفة
المأمون بن هارون الرشيد كان يمنح المترجمين ما يساوي الكتب التي يترجموها إلى العربية ذهبا.
وفي الوقت ذاته بدأت حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية،
وهو ما أشار إليه المستشرقون؛ مشيدين بدور علوم العرب ـ التي تم ترجمتها خلال تلك
الفترة ـ في أساس الحضارة الأوروبية الحالية...
*****
3ـ إشارة إلى نماذج من أعمال أدبية عربية
وصلت إلى العالمية:
رغم ما شهدته الساحة الأدبية العربية من إبداع ـ مؤهل للعالمية ـ منتصف
القرن الماضي ـ إلا أن حركة الترجمة كانت مزدهرة ـ حينها ـ بشكل عكسي (من الأدب
الغربي إلى الأدب العربي)، في حين لم يتجاوز ما تمت ترجمته من الأعمال العربية إلى
(الانجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية...) حوالي 400 عمل.
ثم حدثت نقلة نوعية، بعد ترجمة أعمال الروائي نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 -
30 أغسطس 2006) إلى الانجليزية والفرنسية والإسبانية، وحصوله على جائزة نوبل في
الآداب عام 1988؛ حينئذ انتبه الغرب إلى الأدب العربي؛ فترجموا أعمالا لبعض الأدباء
العرب؛ منهم:
الطيب صالح
(عبقري الرواية العربية) أنموذجا
ـ تعريف بالروائي الطيب صالح:
* أديب عربي من السودان وأحد أشهر الأدباء
العرب، أطلق عليه النقاد لقب (عبقري الرواية العربية).
* اسمه بالكامل: الطيب محمد صالح أحمد، ولد (12 يوليو 1929) في إقليم مروي
شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة
الركابية التي ينتسب إليها، وتوفي (18 فبراير 2009) في إحدى مستشفيات العاصمة البريطانية
لندن.
* تُرجمت أعماله: (موسم الهجرة إلى الشمال) (عرس الزين) و (مريود) و (ضو
البيت) و (دومة ود حامد) و (منسى) إلى أكثر من ثلاثين لغة، وتُعد روايته (موسم
الهجرة إلى الشمال) واحدة من أفضل مئة رواية على مستوى العالم. وتم تتويجها عربيا
بأنها (الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين)، وقد استمدت تلك الرواية شهرتها
من كونها أول روايات تناولت بشكل فني راق، مسألة الصدام بين الحضارات وموقف الإنسان
في العالم الثالث منها ورؤيته فيها، وتفاعله معها، وقد تجلى ذلك الصدام من خلال أعمال
وحشية دائمة، ورقيقة شجية أحياناً لبطل الرواية (مصطفى سعيد)، فضلا عن الرؤى الفكرية
والفلسفية والنفسية التي عبرت عنها طبيعة الأحداث والمواقف في تلك الرواية.
معبرا في جميع أعماله الأدبية عن هموم وآلام وإحباطات الإنسان في العالم
الثالث، وعن أفراحه وآماله وتطلعاته أيضا، ومن خلال هذا كله وصل إلى العالمية.
* جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي:
بدأ تأسيس هذه الجائزة في
حياة الاديب العالمي الراحل الطيب صالح وبدأت دورتها الاولى في العام 2002 اي قبل
سبع سنوات من وفاته، ويقدمها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بمدينة أم درمان، وهي
مخصصة للأعمال الروائية السودانية فقط.
* جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي:
تقديرا للدور الكبير الذي قام
به الروائي الطيب صالح، والمكانة التي حققها على مستوى الإبداع العربي والعالمي؛
تم الإعلان ـ بعد وفاته في فبراير 2011م ـ عن جائزة باسمه يتم منحها للإبداع
الكتابي في مجالات الرواية والقصة القصيرة والدراسات النقدية، وتقدمها شركة زين
للاتصالات المتنقلة، وباب التقدم للأعمال السودانية والعربية على حد سواء شريطة أن
تكون باللغة العربية الفصحى.
ـ ومن الأدباء العرب الذين وصلوا بإبداعاتهم إلى العالمية أيضا (على سبيل
المثال لا الحصر):
ـ الكاتب الجزائري/ واسيني الأعرج:
ترجمت أعماله إلى اللغة: الألمانية والإيطالية والعبرية، منها: أصابع لوليتا، مي
ليالي إيزيس كوبيا وأنثى السراب...
ـ الكاتبة الجزائرية/ أحلام مستغانمي:
ترجمت بعض أعمالها إلى الفرنسية منها: روايات (الأسود يليق بك)، (فوضى الحواس)...
ـ
الروائي المغربي/ محمد شكري: عمل مدرسا وكاتبا ومترجما. اشتهر بكتاباته
الواقعيّة، ترجمت روايته “الخبز الحافي” إلى أكثر من38 لغة.
ـ
الأديبة اللبنانية/ إميلي نصرالله: كتبت أربعة وعشرون كتابًا، فازت بالعديد
من الجوائز العربيّة والعالميّة وترجمت أعمالها إلى أكثر من خمس لغات.
ـ الأديبة السورية/ غادة السمان:
ترجمت أعمالها لعشرة لغات مختلفة وفاز كتابها (بيروت 75) بجائزة جامعة أركنساس
للترجمة العربيّة.
ـ
الشاعر السوري/ أحمد سعيد إسبر (أدونيس): حاز
على الكثير من الجوائز العالمية مثل جائزة جان مارليو للآداب وجائزة غوته.
ـ
الكاتبة الفلسطينية/ رضوى عاشور: كتبت 23 كتابًا وترجمت أعمالها إلى الإنجليزية
والإسبانيّة والإيطالية والإندونيسية، فازت بسبع جوائز منها جائزة قسطنطين كفافيس
الدوليّة للأدب عام 2007.
ـ
الكاتبة العراقية/ بتول خضيري: تعتمد روايتها (كم بدت السماء قريبة) في
العديد من الجامعات العالميّة كموضوع دراسة، وقد ترجمت الرواية إلى أربع لغات:
الإنجليزيّة والفرنسية والإيطالية والهولندية.
ـ
الروائية السعودية/ رجاء عبدالله الصانع: ترجمت روايتها (بنات الريّاض) إلى
أكثر من أربعين لغة وبيع منها ثلاثة ملايين نسخة، رشّحت روايتها لجائزة دبلن
العالميّة عام 2009.
* أخيرا وليس آخرا:
هذا غيض من فيض إبداعات عربية وصلت للعالمية، ولعل الملاحظ
هنا أن ما ترجمه الغرب من الأدب العربي يفوق ما يترجمه العرب أنفسهم من ذلك الأدب؛
لذلك يهدف مقالي هذا إلى تدارك الأمر، والحث على العمل لدفع حركة النقد والترجمة
بقوة أكبر، وصولا بالأدب العربي إلى مكانته العالمية التي يستحقها عن جدارة، خصوصا
في ظل ما يملكه الأدباء العرب من ثروات إبداعية ومادية هائلة، وتراث حضاري عريق...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو اتحاد كتاب مصر
ـ نُشر مقالي هذا في موقع دنيا الرأي يوم 27 فبراير 2020 على الرابط التالي:
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/02/27/514618.html
ـ و نُشر يوم السبت 29 فبراير في صحيفة (المغرب الأوسط) الجزائرية صفحة 20 من الرابط المختصر التالي: ـ نُشر مقالي هذا في موقع دنيا الرأي يوم 27 فبراير 2020 على الرابط التالي:
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/02/27/514618.html
https://cutt.us/q3AOt