الجمعة، 23 يونيو 2017

تجليات الجمال في"رباعيات مجدي شلبي " بقلم: الشاعرة و الناقدة/ فاتن شوقي:

تجليات الجمال في"رباعيات مجدي شلبي "
بقلم: الشاعرة و الناقدة/ فاتن شوقي:
الرباعيات  الشعرية هي فن اختصار الحياة بقدرة فائقة، وبدءُ ظهورها كان بالفارسية على شكل (الدوبيت)، المكونة من أربعة أشطر تنتهي بقافية واحدة ووزن واحد؛ وهو ما عرف باسم الرباعي الكامل، أما الرباعي الخصيّ (الأعرج) فهو يقوم على وزنٍ واحدٍ مع اختلاف قافية الشطر الثالث غالباً، و"الرباعيات "الدوبيت" هي قالب شعري دخل العربية من الفارسية، واصطلح عليه بالرباعية، وقد استعمل العرب المصطلح الفارسي " دوبيت " للتمييز بينه وبين المربع، ولتحديد المقصود منه، وإن كانوا قد حاولوا بكثير من التكلف ـ أن يجدوا لوزنه أصلا في أوزان العرب" (1).
وجاء في الرسالة الثانية من عروض الدوبيت ما نصه: " أعلم أن الوزن الذي يقال له الدوبيت معناه عند العجم زوج بيت، المقول فيه عند العرب بيتان، إذ هو مزدوج النظم، وقد جرى على قياس العجم في إضافة اسم عدد التثنية إلى العدد كما فعل بعض شعراء العرب"(2).
و في العربية بدأ هذا الفن الساحر الشاعر المهجري الكبير" إيليا أبو ماضي"، حيث اشتغل على تطويره من سمة الموشحة الأندلسية التي كانت تتصف بالغنائية، إلى صبغه بالمسحة الفلسفية التي باتت عليه، وتجلى هذا في رائعته "الطلاسم" التي كانت تتكون من عدد كبير من الرباعيات التي تنتهي دائما بكلمة "لست أدري"، وقد لحن بعضها  الموسيقار "محمد عبد الوهاب"  تحت عنوان "لست أدري"، ثم غير مجرى تاريخها بروعة الصياغة الشاعر المصري "صلاح جاهين" الذي وصل بإبداعه منتهاه في كتابتها، والتي كان يختمها دائما بكلمة "عجبي"، مارا على أوجاعنا وأفراحنا  بفلسفة عميقة، ورؤية ثاقبة، حتى ليقول عنها أديبنا الكبير "يحي حقي" الرباعيات هي أحب قوالب الشعر عندي لأنها تُعين على نفي  الفضول وعلى التحرر من أسر  القافية، فتجيء كل رباعية بمثابة الومضة المتألقة"، ثم يحلل فنيتها بارعا ومثبتا أن البيت الثالث ليس أضعفها كما يتوهم البعض، إنما هو عمادها، بقوله" ففي البيتين الأول والثاني عرض لأوليات الموقف، وفي البيت الثالث ارتفاع مفاجئ إلى القمة، والبيت الرابع هو دقة المطرقة على السندان بعد أن كانت مرتفعة في الهواء"(3).
 ـ وتعرفه الدكتورة "إنصاف علي بخاري" قائلة: "الرباعيات نمط عرفه الشعر العربي مستوياً مؤثراً، وفي تصويري أنه دفقة شعورية مشحونة بالجمال فلا تكاد تنتهي حتى يتنفس المتلقي ملء رئتيه إعجاباً وحتى يبتسم بوسع شدقيه طربا وإكباراً" (4) .
لكنا نؤمن بارتباط  الرباعيات  الشعرية في الأذهان العربية  خاصة "برباعيات الشاعر الفارسي عمر الخيام"، ثم الشاعر المصري "صلاح جاهين"، وقد ملأ كل منهما عصره وشغل الناس بها، فأفاضا منها عشقا ونقدا، واصطبغتا على أيديهما بصبغات اجتماعية دينية  أخلاقية عديدة، وتمكن كل منهما في منطقة لا ينافسه فيها غيره، حتى صنعا لنا تاريخا عبقريا، وخاصة "صلاح جاهين "، ونجد أن الشاعر "مجدي شلبي" سار على نفس الدرب من خلال رباعياته التي بلغت حوالي "مائة وعشرة رباعية شعرية"  حيث فتح الباب لنا لنناقش بعض القضايا، أو لنقل: أن بعض الأسئلة ستباغتنا، وستصبح نافذتنا للدخول إلى عالم "رباعيات  الشاعر"، منها مثلا:
أولا: ما سبب عزوف شعرائنا عن كتابة الرباعيات الشعرية ؟ وثانيا: ما الذي يدفع الشاعر لكتابة الرباعيات؟.  
أسباب عزوف الشعراء عن كتابة الرباعيات الشعرية
 تتجلى لدينا حقيقة هامة وهي: أن عزوف بعض الشعراء عن كتابة الرباعيات الشعرية، بات اضطراريا لا اختياريا، نتيجة ارتباط هذا الفن بأمور عدة: منها أن الشاعر كان قديما يُكلف بكتابة الرباعية الشعرية، أو كتبها طواعيةً، بغية النشر في جريدة ما، وقد فعلها "صلاح جاهين"، وكان يكتب رباعياته الشعرية المشهورة في مجلة "صباح الخير" ردحا من الزمن، حتى صادق جمهوره بهذه الرباعيات، وأصبحوا في شوقٍ لها باستمرار، فشجعه هذا على جمعها وضمها في كتاب، ولم يقتصر هذا على الشعراء المصريين  فقط، بل احترف هذا الفعل  الكثير من شعراء العرب، منهم، الشاعر السعودي "محمد أحمد المشاط " وهو من الشعراء الذين مارسوا كتابة هذا الفن بجدارة، يقول: "الرباعيات والخماسيات من فنون الشعر العربي الفصيح والشعبي، كما أن هناك ثلاثيات وثنائيات، ولكن النوعين الأولين هما الأشهران، وقد احتُفِى بهذا الفن من الشعر في الصحافة العربية والصحافة السعودية على وجه الخصوص بشكل كبير، لأن بداية الصحافة عندنا كانت بداية أدبية لا بداية خبرية، وكانت الصحافة حينها هي مجال النشر السريع الوحيد المتاح في المجتمع لكي يستخدمه الشاعر والأديب من جهة، وليتابع القارئ والمفتون بالأدب من الجهة الأخرى"(5).
ويؤكد هذا القول الشاعر "أحمد يحيى بهكلي "قائلاً:" الرباعيات والخماسيات والسداسيات أنماط من المقطعات الشعرية ينظمها الشعراء بقصد أو بدون قصد لأنهم يشعرون بتمام ما يريدون قوله فيها، وقد وردت تسميته في كتب النقد بالمقطعات وقد انتشرت في عهود الصناعة الشعرية ثم في بداية انتشار الصحافة حيث رغب أصحاب الصحف في حضور الشعر وأعلام الشعراء بشكل يومي لأغراض تسويقية للصحيفة، أو تكريمية للشاعر، والشاعر الجيد يصعب عليه إنتاج قصيدة كل يوم، فيلجأ إلى المقطعات الشعرية لتحقيق هدف الصحيفة من جهة ،ولإثبات حضوره اليومي من جهة أخرى(6).
لهذا نقول بأن هدف كتابة الرباعيات قديما: هو الشغل بالصحافة، أوالارتباط بمساحة معينة لا تؤثرعلى أبواب الجريدة، نتيجة لميزة التكثيف، بينما نقول نحن:  بالإضافة إلى ما سبق، نعتقد بأن السبب في عزوف الشعراء عن فن الرباعيات: هو سرعة العصر الصاروخية، وامتلاكه للأدوات التكنولوجية الرهيبة، وسخونة الأحداث المتلاحقة، والتغيرات الاجتماعية الشديدة، بل والثورات التي تأخذه لعالمٍ من الواقعية الجافة المجردة الباردة والبعيدة عن حالة الكشف والتأمل الفلسفي للحظة الراهنة التي تتطلب الغوص في بواطن الأمور، والتمتع بحيرة التساؤل ولذة القلق الوجودي، لاستخلاص تجربة ما تصلح لأن تكون حكمة، أوعظة أو عنوانا رئيسيا، لحياة قادمة، وهو ما نجده في نسيج الرباعية الشعرية الصادقة.
ماالذي يجعل الشاعر يلجأ لكتابة فن الرباعيات الشعرية؟ 
لا نبالغ إذا اعترفنا  بمقدرة  ومهارة الشاعر الذي يفضل صياغة الرباعية الشعرية، لأنه فن يحتاج إلى خصوصية من نوعٍ مختلفٍ، من حيث وجود شاعر يمتاز بالتدفق الشعري وفيض الرؤية وعين تلتقط كل ما وراء الطبيعة كعدسة مكبرة، وعقل مدرب على التأمل، وشخصية  ذات مخزون ثقافي، وموروث شعبي يعي تماما كيف يوظف اللفظ، وكيف يرتفع بالمعنى، وكيف يصور اللقطة الشعرية، ليبرزها لنا في أربعة أبيات فقط تلخص الفكرة وتنير الوجود بابتكار ودهشة وومضة جاذبة للعقل والنفس، كما أن الرباعية الشعرية تعبر عن خبرة إبداعية طويلة وتمرس شعري أطول، حتى يستطيع الشاعر تقديم خلاصة فكرته في رباعية قصيرة، ولابد لها أن تصيب الهدف من صياغتها، أو تكون بتعبير الأديب "يحي حقي "بمثابة الحجر الكريم، قيمته في اختصاره إلى قلبه وصقله، لا في كبر حجمه" (7).
تجليات الجمال في "رباعيات مجدي شلبي"
1-انتماء رباعيات الشاعر للإنسان انتماءً خالصا :                 
اتفاقا مع قول دكتور "جابر عصفور "ما دام الشعر نشاطا إنسانيا يرتبط بسعي البشر للكمال، فإنه لا يمكن إلا أن يكون أحد الأنشطة الإنسانية الراقية ، لأن رقي الغاية يبسط ظله على كل وسيلة تؤدى إليه" (8). استطاع مجدي شلبي أن يُوجد التحاما عضويا بين خلاصة التجربة وحتى بين أجزاء الإنسان العضوية، فجرت الحكمة والدهشة على لسان " الحلق، العين، البطن، الأذن، القلب، العقل، الوش، اللسان، حتى امتزجت الألفاظ بالمعاني بالفعل الإنساني مثل " النزيف ،الولادة ، الجنين، النبض، الصوت، حضن، البكا، داق، عيان، عام، الطلق، غرق "كوسائل توصيل كاشفة للمعنى الإنساني الخالص، وتبدو براعة الشاعر في قوة تصويره للمعني باستعارة أجزاء الإنسان العضوية للمعاني المادية مثل: وش الوطن/ حضن الديدان/غطسان في قعر البير/ زرعت صوتي/ حلم في بطن/ دا جنين ومات في الحلق/ سرطان في جسم المجتمع... ويتجلى هذا في كثير من الرباعيات منها، وش الوطن مكسوف / دا كسوف دا ولا خوف/... و كذلك: البق دا بندقية/ الصيد لديه غية. ويبرع حينما يلجأ لتشخيص اللسان "وهو عضو جزئي "  فقد أضاف له الشاعر صفات الإنسان " من الطول والرأس والأذنين "ليبني صورة كاملة تمشيا مع انتمائه للمعنى الإنساني، وتوحيدا للفكرة المقصودة:
ع الشاشة صورة لسان طوله يجي مترين/ وراس كبيـره قـوي لكن ما فيش ودنين/ كرسـي فـ كلوب الفرح اللي كان هيكون/ فالنور كمان اتقطع؛ هي العروسـه فين؟!
حتى أنه تساءل عن أظافر الإنسان ووظفها توظيفا فنيا، بأنها أصل الأمل والعمل، بقوله:
هي الضوافر مخلوقة ليه فينا / علشان نخربـش بيها بعضينا؟!/ والا عشان ننحت به صخر الحياة/ لجلن ما تشرق شمس الأمل لينا.
ويكرم الشاعر"الإنسان" صراحة بقوله: يا للي صرخت بعزم ما فيك لأ/ رافض تنام في حضن الديدان والبق/عظيم أيها الإنسان / وأعظم ما فيك إنك تقول الحق.
2-رحيق السؤال البلاغي المتخفي أحيانا في صورة تعجب
"رباعيات مجدي شلبي "فضاء يظلل ذائقة المتلقي ويرافقه في رحلة اكتشافه لباطن المعنى المستخلص، كقول شاعرنا الكبير "أدونيس": "إن القراءة لا تهدف إلى معرفة المعنى أو المضمون بشكل مباشر، وإنما تهدف إلى مرافقة النص في رحيله الاستكشافي"(9) فالشاعر يرمي إليك بمعانٍ عدة عبر الرباعيات، لتتوهم بوضوح الصورة، ثم يفاجؤك بسؤال لا يبغي منه إجابة، وإنما هو وسيلة مشاركة عقلية لتمد حبال الفكر معه، لتستخلص بنفسك ماهية تجربته، وكأنها تجربتك الخاصة، فتتوحد في دهشتك معه، ويتجلى هذا في قوله عن الضمير:
ضامر قـوي يا ضمير
غطســـان في قعر البير
مين اللي يقــدر ينقذك؟
وأنت في النزع الأخير.  
وكذلك :
سألوا في يوم محكوم عليه/ نفسك في إيه؟، وكذاك:
"أسأل بعرض الكون و طوله/ راحوا فين الناس الطيبيبن؟.  يا هل ترى نقص عقلي و الا كبر سني؟ و أيضا:
ليه الخيال ملازم لصاحبه / ذي الحصان و فارسه اللي ساحبه/ (عاقل) و راضي بقليله: يعيش/ (جامح) مصيره: قاضي لنحبه.
3-الرمز الفسيفسائي للرباعية:          
من منابع فلسفة الرباعيات "الرمزية"، وانطلاقا من أن  اللغة نشاط ذهني يعتمد على التفكير، ويتطلب إعمال العقل، فلابد من احتضان الرباعية الشعرية للرمز الفلسفي لاكتسابها رونق التجربة الحياتية الممتدة المعبرة عن ثقافة الشاعر، كقول الباحث، محمد عبد الحي  " الشكل الرمزي هو الذي تعبر به الثقافة عما هو بالنسبة إليها، حقائق وجودية وكونية "(10)، لذا طعّم الشاعر رباعياته بالرمزية المفعمة بدلالات متسعة الرؤى، الخارجة عن معناها الحقيقي المعروف لتسكن في حضن الرمز  الذي يتجلى من خلال سياق الرباعية مثل ألفاظ: "ديدان ،بق ،سرطان/ نياشين/ زكايب/ جنين ، ولادة، طلق... كما في: "رافض تنام في حضن الديدان و البَق / مش راح تفيد نياشين، على ناره مستني (وكلها ظلال رمزية لحياة الإنسان و تقلباته النفسية والاجتماعية. انظر إلى هذه الرباعية:
كتب كتابه عليها من سنين / يوم الفرح جلس كعادته حزين
وعروسته جانبه لابسة السواد/ تلاتين سنة وبطنها شايلة الجنين.
4ـ تفصيح  اللغة العامية داخل الرباعية:     
حاول الشاعر أن يُوجد لغة ثالثة في رباعياته، تنتصر للغة الفصحى، عبر تفصيح اللفظ والارتفاع به إلى أعلى المراتب، صانعا سحرا لغويا ينبض من الفصحى، فبرغم انتمائه للمفردة الشعبية الدراجة وتلك في الأغلب سمة الرباعية العامية، متغلغلا في نسيج المصرية، معبرا عن الإنسان البسيط بكلمات مثل: "رقع، كابس، قعر، نط، بتوع،عازني ،بق ،منكود يا نكدي، القراع، مجعوص، لازق، اتكورت، شنبات، انظر "كرش وبلاعات ويدلق" في: (أشراف) قوى يا لصوص و يا انتهازيه / فاتحين بلاعات كرشكوا بحنيه/ يدلق بها المخاليق نار والعه/ و السبحه عـداد الرشاوى الجايه.
إلا أنه سعى إلى لغة وسطى ترضي كافة الأذواق وتُمتع ذائقة القارئ المتلقي، ليعلو بقارئه في سماء الرقي اللفظي الممتع بكلمات فصحى بعيدة عن التقعر من ناحية، ومتفادية خطورة الابتذال من ناحية آخري، مثل: "ضامر، لديه، حوار، داء، رهن إشارة، نزع أخير، عاهرة، فاجرة، مراوغ، نعيم، مبالاة، جلس، ضرر، تحجم ......" تصديقا لقول دكتور عبد الملك مرتاض " السحر اللغوي إذا غاب عن العمل الأدبي  غاب عنه كل شيء، غاب عنه الفن وغاب عنه الأدب معا"(11).
 5- براعة إتقان الثنائية  من رحم الرباعية:
انطلاقا من مهارة الشاعر  السائر في درب الرباعية، ومن كونه يمتاز بسبر غور هذا الفن الجميل بموهبة كبيرة، ونضج فني عال وخبرة حياتية تمكنه من صوغ فلسفة ما عبر تلك الرباعيات، تستطيع أن نُقر بمهارة أكبر وبمستوى أمهر إذا تمكن الشاعر من صوغ وتقديم خلاصة ما يريد عبر بيتين قد أشبعانا وأغنانا  عن باقي الرباعية فنيا وفكريا وجماليا، وهذا ما تحقق في بعض رباعيات مجدي شلبي، حيث استطاع أن يجيد صوغ الثنائية الأولى من الرباعية، وهذا لا يدل على عدم الالتفات إلى البيتين الآخرين من الرباعية بقدر دلالته على جودة إتقانه للفكرة وللمغزى في الثنائية الأولى منها، فمثلا قوله " آدي الحياة / لعبة بيلعبها اللهاة" هنا المعنى الشمولي قد أعلن عن نفسه دون الحاجة إلى شرح أو تفسير أخر، وكأنها حكمة سارية مسرى الحياة، فلا داع مثلا للتكملة وهي : وقت الضرر يستغفروا ربهم /وفي النعيم عايشين بلا مبالاة/ وكذلك "طلع النهار بلا شمس / كتر في الودان الهمس" هنا لك أن تفتح فضاء تأويلات الشمس كيفما تشاء، من حيث انكسار الحلم، اليأس ،الموت، العجز، التوهة، الغربة ، الحيرة، وجاءت "كُتر الهمس" دلالة على رفض الحالة المعاشة والرغبة في الثورة، واضطراب الحال و..." لكن البيتين الآخرين أضعفا من المعنى ، وفسرا بعض الدلالة، وقتلا روعة الدهشة، و هما :/غامضة الأمور كلها / على غير ما كانت أمس. حيث يمكن الاكتفاء بخلاصة القضية، وأيضا في الثنائيات :
الحياة بقى لونها بُني / جوزوا أمي لعامي.
وكذلك: سيـف الحيا المحتال/ قتل الشجاعة ف الحال.
6- التوسل بالصورة الفنية لتقديم الدهشة والمفارقة الغريبة
التجربة الشعورية تفرز جمالا من نوعٍ خاصٍ لدى الشاعر، فتجعله يدرك بتجربته وبصيرته جواهر الأشياء، ويربط بين متناقضاتها ربطاً فنياً ليخلق خيطا شعوريا بين الصورة وبين المتلقي عبر التقاط نقطة التوحد بينهما ،والشاعر هنا في رباعياته حقق دهشة مقبولة بالجمع بين صورأشياء متباعدة في صورة فنية جميلة مثل "البق دا بندقية / الصيد لديه غية/ مرة يصيد برصاص/ ومرة بمهلبية، فعلو التشبيه  في تصوير البق بالبندقية، دلالة على قوة تأثير اللفظ المنطوق الذي يصطاد مَنْ أمامه، مرة بحلو الكلام ومرة بسيئه، لكن الدهشة تكمن في  لفظ "المهلبية" التي أتت في جوٍ مشحونٍ بالقسوة، ولو قال "رصاص الكلام لكان مناسبا ، لكن غرابة الصورة تُجبر القارئ على تقُبلها بغرامٍ، ويتجلى هذا أيضا في، الصورة مش معتمة يا خلق/ دا جنين ومات من زمان في الحلق/ والحلم في بطن البشر على ناره مستني/ تيجي الولادة يا هوه  بعد النزيف و الطلق...  فكيف يموت الجنين "الذي محله البطن" في الحلق، ويكون الحلم الذي "مسكنه العقل أو النفس" مكانه البطن؟!، لكن روعة تشبيه الصمت واليأس والانكسار الذي بدا كالجنين وموته في الحلق، وحلاوة انتظار وتخمر الأمل على ناره في البطن، وفي رباعية مدهشة أيضا يقول " القبر كام يساع / من البشر أنواع / يا بخت من يشتري / يا خسارة اللي باع: فكيف يكون الشراء للقبر؟!  لكن المعنى المراد أعظم من تباعد اللفظين، فالشراء هنا هو اختصار لشراء كل جيد وطيب وحسن كطريق مستقيم ينفعك ساعة الموت في القبر، مفارقات غريبة جمعت ببراعة بينهما " فنية الصورة الشعرية" ،التي ناجت الغرائب والتناقض، لتصبح مشعة، ولو نظرنا إلى هذه الصورة الرائعة:
ياللي صام منك حنانـك / إمته يجـى معاد فطارك
تطـفي نار القسـوة اللي / ولعت في حضن جارك
لأدركنا، كيف يربط  الشاعربين معانٍ بعيدة التواصل، فالمعروف عن "الحنان" هو الفيض والعطاء و الزيادة، "والصوم" هو النقيض تماما واجتماعهما في "ياللي صام منك حنانك" هو الجمع الفني المذهل. ومثلها أيضا صور مثل "زرعت صوتي التخين شجرة توت" والكثيرغيرها، ليحقق بذلك قول: دكتور عدنان حسين قاسم: "الشاعر الماهر هو الذي يربط بين الأشياء بحيث يظهر متناقضاتها متوافقة  تماما، وكأنها حقيقة ثابتة، يمتزج في بنائها الفني الحقيقة مع الخيال امتزاجا ينسج بينهما، حتى ليصعب فصلهما، وهذا ما يسميه "DAY lywis" أي إدراك الشبيه في اللا شبيه"(12).  
7- تطريز الرباعية بالقصة الدرامية رغم صغرها
حاول "مجدي شلبي "أن يجعل من رباعياته عالما خاصا  يخاطب شخوصا من لحم ودم، ويبث حكمة الحياة وفلسفتها، متخذا من "الدنيا، القبر، السلطة ،الوطن ، الموت، والأمل واليأس و..."مسرحا كبيرا. والإنسان بصفة خاصة هو الممثل الذي يقوم بكل الأدوار، مما جعل الرباعية الشعرية تمتزج بدراما حياتية تتوافر فيها خصائص القصصية" من بداية وزمان ومكان وحدث وحبكة وعقدة وحل و نهاية" مثل: قصة الحاكم والشعب المحكوم والأمل اليائس في: كتب كتابه عليها من سنين/ يوم الفرح جلس كعادته حزين/ وعروسته جنبه لابسة السواد/ تلاتين سنة وبطنها شايلة الجنين. وكذلك: عام وجالنه الشط / يا دوب وصل قام نط / غرق في بحر التوهة/ لا شال كتيرولاحط. ثم تأتي رباعية  لتحكي قصة كيف يكون الانقياد دون رأي في: خلعوا راسه من قفاه/ برمجوله الإتجاه/ لما جه يوص لبيته / كان طبيعي إنه تاه... وهذا يخلق جمهورا كبيرا ينجذب بقصصية الرباعية إلى منتهاها، ويرغب في تذوقها سريعا لتوافر عنصر الجذب "الحكاية".
8— تطويع اللغة للفكرة في الرباعية:                                           
اتفق علماء اللغة على أن أي نص مهما كان قصره، هو" لغة في المقام الأول "، وأن هذه الكلمات هي أنظمة مفتوحة لأفكار متوالية، وتتجلى مهارة  الشاعر هنا في تطويع اللغة مرة بالترادف الشكلي للغة، وهو ما يسمى "الجناس التام" و يظهر هذا  في:
" اليوم ساعات وساعات/ واحنا ساعات و ساعات/ أصعب ما في الحياة/ نصبح على اللي فات. ورغم بساطة  الرباعية، وتجلى معناها، إلا أنها شمولية المعنى، تشمل الوجود بأكمله، فقد لعب "شلبي" على وتر كلمتي" ساعة و ساعة " فساعة الأولى تعني  مكونات اليوم من ساعات ودقائق وثواني، بينما ساعة الثانية تعني التقلب المزاجي للإنسان بل المجتمع بأكمله، أي حالته المزاجية التي تتأرجح بين أوقات مريحة وأوقات متعبة، ويتضح هذا أيضا في رباعية: كلام كما السكاكين وكلام غرام/إنسان مراوغ مافهش إلا لسان / يموت ويثبت وجوده/ ويموت بخنقة زكام." فالموت في "يموت ويثبت وجوده" يشدك ناحية العزيمة والإرادة والإصرار لدرجة الموت لإثبات الوجود، بينما الموت في "يموت بخنقة زكام، هو موت حقيقي يعبر عن مدى ضعف هذا الإنسان الذي رغم جبروته يموت في أضعف حالة، هنا تظهر مقدرة الشاعر التي تحتاج إلى قارئ يدرك مدى توظيف اللفظ في سياقه، ويُعمل عقله، ليخرج بالمعنى الملائم للرباعية اتفاقا مع قول دكتور مصطفى ناصف: "أن العمل كيان لغوي، وأنك تحيله إلى طائفة من الأفكار التي تعتمد في بعض جوانبها على طبيعة المفسر أو شخصيته العقلية"(13). وقد يأتي الترادف خاصا بالمعنى فقط مما يدل على قدرة الشاعر على التعبير عن المعنى الواحد بأكثر من قدرة وصورة تعبيرية  فتية، نتيجة اتساع خبرته الحياتية مثل: البق دا بندقية/ الصيد لديه غية/ مرة يصيد برصاص/ ومرة بمهلبية. وهو هنا يوضح حقيقة ما يخرج من المرء من حديث و كلام، مرات يصفه بالقسوة و الموات، ومرات يكون كالشهد، والمعنى نفسه  تكرر ولكن بصور أخرى  يتولد منها معان أكثر، تجده في: كلام كما السكاكين وكلام غرام/ إنسان مراوغ مافهش إلا لسان/ يموت ويثبت وجوده/ ويموت بخنقة زكام. وقد يوجد الشاعر تناقضا فكريا لتأصيل المعنى المراد، حين يسوق إليك فكرة معينة مثل: حطوا جمارك ع الكلام / واترحموا بقى ع اللي كان/ اسجنوه جوه الصدور/ واقطعوا حتى اللسان. ثم تأتينا الفكرة بثوب آخر قد يناقض، ولكنه يفسر الوجهة الأخرى، فبعد وضع الجمارك على الكلام في الرباعية السابقة  يقول:
من يوم ما حطوا للكلام تسعيرة / و الصمت عاد يقتل أهالي الجيرة/ لغة الإشارة رنات / إوعاك تجيب بقى سـيرة.
9- كراسي الحكمة التي تجافي الوعظ:                                        
استطاع الشاعر أن يدرك غاية رباعياته، وهي الالتحام مع الحياة "بشرا وتجارب وأحداثا ومواقف" فأعلنها أشخاصا حية تبث ما تريد، وأجلسها على كراسٍ مختلفة، لتقص تجاربها، وجعلها تجافي وتخاصم قدر الإمكان صفة الوعظ والإرشاد والتعليم، لأنه أدرك أن الحكمة والدهشة هما خلاصة وعصير الحياة، ورغم  صياغة بعض الرباعيات  بمباشرة شديدة، ووضوحٍ أشد مثل: السلطة عاهرة وفاجرة/ بصيت من خرم إبرة / لقيتها في حضن ظالم/ والعدل بقى عملة نادرة . وكذلك:
تلقاها مستورة/ مافيش وضوح صورة
إن جيت تبصلها/ الدنيا فزورة.
وكذلك: 
صباحنا اللي أشـرق هنا من جديـد / بنور الإله العلي المجيد
يصـبح عليكم بكل انشراح / صباحكم ندى، صباحكم رضا، صباحكم سعيد.
 أو حتى خارجة عن سرب بناء الرباعية المتحدة القافية في ثلاث منها، الأول والثاني والثالث مثل: حرمان البشر مش ف البطون/ الحب بينا وبينه اتساع الكون/ موت الجياع مرة واحدة/ واحنا بنموت كل يوم. و هنا كلمة "يوم " لا تتحد في قافيتها مع البطون والكون في حرف النون، إلا إننا نجد أن أغلب الرباعيات قد صيغت بفنٍ و إحكامٍ، كبناءٍ متراصٍ، كي تبلغ غايتها فتحدث أثرا بالغا في النفس بقوة قذفها لحجرٍ قد أحدث دوامة مائية في بركة راكدة، فعلت فوق الوعظ حتى طالت سماء الدهشة والحكمة الراقية مثل:
 يا ورد إيه فيدتك تتحط ع الميتين/ وإيه بقى حجتك تحجم عن العايشين/ بعد الأوان يا ولاد/ مش راح تفيد نياشين. وأيضا: الصورة مش معتمة يا خلق/ دا جنين ومات من زمان في الحلق/ والحلم في بطن البشر على ناره مستني/ تيجي الولادة يا هوه بعد النزيف والطلق.
10- جلد الذات الأدبية عبر الرباعية:
وهو أسمى ما يسعى إليه المرء، فليست الرباعية الشعرية زخرفا فنيا، أوحلية مزركشة أوحتى تُقدم الحكمة على لسان الشاعر، قاصدة بها وعظ الغير، فالقارئ حتما سيرى نفسه دائما الغير، لكن الشاعر استطاع التوحد مع المتلقي "الإنسان" صابا عليه كل لومه، منتقدا حاله، مصورا إياه مقصرا ومخطئا بصورٍ قاسية، بغرض زرع المعنى الحقيقي حين يقول مثلا معاقبا نفسه على ضميره الميت في صورة رائعة:
على كتفـى قاعـد ولـد مجعـوص/ ممصوص ضميره شـبه اللصوص/ هشيتـه "هِـش" لازق كما الدبان/ لسوعت نفسى بالعصايه البوص.
أو حين يصب سهام لومه على الإنسان الرافض لأصله الساعي للعلا كذبا ونفاقا:
عيش كما أهلك تعيـش/ فى كوخ صفيح و فرشته من خيش
جدك قتله القراع/ و انته نافيشلي الريش!.
و يؤكد المعنى في:
طيبون من إمته كانوا طيبين؟!/ الوشوش متلونين
الكلام سكة ندامه/ ابتسام و النيه طين
أو يصب غضبه على الحياة بشمولها عبر قوله:
الحروف عادت قبيحة/ والنفوس قاسية وشحيحة
الخلاصة إني حاســس/ الحيـاة مـا هـش مريحة
11- السخرية الساكنة في الرباعية
لا يعقل أن شاعراً قد طاف بشعره  كل دروب الحياة، وصعد جبال القسوة، وهبط سهول الدفء و الحب، وتموج بين السكينة والثورة، وصرخ ليطالب بالحق والخير والجمال، وامتزج بروح الإنسان، لا يعقل أن تمتاز قريحته بالجمود الأدبي، لابد له من روح فكاهية ممزوجة بمسحة  من السخرية تسكن أشعاره، كما يقول "دكتور  شوقي ضيف " بأن الفكاهة من جلائل النعم للكاتب، وهي من المواهب السامية التي انفرد بها الإنسان دون غيره"(14). والشاعر مجدي شلبي بعد أن اجتاز كل هذه الدروب، لنا أن نستخرج من رباعياته الشعرية هذه السمة التي تأتي على استحياء وتغلف برداء الفلسفة والحكمة والوجع،  والتي أيضا تعبر عن خصوصية المصري،  نراها حين يقول :
داري عوارك ياللي كنتي جميلة / بانت عيوبك؛ أسكتي بـلا نيلة/ لسه مقاوحه وعاوزه إيه م الناس/هيله هوبا هيلا، و النبى هيلا هيلا.
والسخرية قد تنبع من الألم والتحسر على الحال مثل:
أديب و مـش لاقي في جيبه جنيه / بيتعب عقله ليلاتي بالفكر ليه/ لو كان لعب كوره شراب من زمان/ كان فاق في شهرته كابتن "بيليه".
اتفاقا مع القول "بأن الفكاهة في بواعثها محاولة لتحويل الألم و الكبت إلى نوع من التعبير الذي يخفف من وطأة البؤس"(15).
طيوف الغنائية في الرباعية الشعرية  
ا ـ الملمح الغنائي هو ملمح مهم تواجده  عند أي شاعر، حتى يلطف من أشعاره ويثبت موهبته ويراعي اختلاف  ذوق المتلقى، وقد تنوعت الغنائية عند الشاعر فاشتركت مع الموشحة الأندلسية التي من الممكن أن تُغني رغم بعد معناها عن الحب الخالص، وهناك بعض رباعيات الديوان تجرك موسيقاها للغناء وتُشعرك بطربيتها حينما تحس باللحن يسري في جسدها، لحلاوة وسلاسة معانيها مثل:
وراك وراك ساعـه بساعة/ إحنا بتوع الفزاعة
إن قال يمين هيصنـا وراه/ وان قال شمال سمع و طاعة.
ب ـ وقد تجد الغنائية الشعرية  تظهر في ثوبها الحداثي في رباعيات أكثر غرابة تلك التي تنادي بالتطور التكنولوجي وتعاصر الزمن وترمي لنا بمفردات العصر، وهذا جميل للشاعر الذي يواكب الحياة، ولا يظل قابعا في كهوف الماضي، اتفاقا مع قول" دكتور عبد العزيز مقالح " الشاعر الجديد هو الذي  يسعى ويحاول أن يكون دائم الحضور في الماضي والحاضر والمستقبل، والذي يخضع مضمون ثقافته ونظام تعبيره لرؤيا عصره وواقع هذا العصر "(16) مثل:
هيلا هيلا يالا هيلا هيلا هوب/ ياللي غيرت الصور بالفوتوشوب/ مش هاتقدر بالرتوش الالكتروني/ تصنع القلب اللي نبضه كله حب
وكذلك:
اتكورت البنات/ و الواد بقاله شنبات
واحنا كفايه علينا/ نبقى ما بينهم "شات"
ج- الحب بين التلميح والتصريح في الرباعية، تنوع  المعنى الحقيقي للحب لدي الشاعر في رباعياته، بين العاطفي على ندرته ، وبين الوطني، ومن النادر أن نحصل على صورة حب خالصة غير مغلفة برمزية معينة، و قد يأتي التصريح بحب الوطن "مصر صراحة " حبا وكرامة لها:
بلادى ياساكنه فـؤادى / بنادى عليكى و هفضل أنادى
لحد اما يوصل أنينى لودانك/ و يصبح ودادِك معادل ودادى
أو متحسرا على ما أصابها:
صورة الوطن في ظلام حالِك/ أمل منسي و الفقير هالك
يا مصر بنحبك قـوي/ ليه احنا مش على بالِك
والحب العاطفي يأتي خجولا وكأنه يعبر عن حالة خجل الحبيب مثل:  الحب شَـرطُه الوفا/ محلاه فـ ساعـة صفا/ معروف فـ كيميا الحياة / (البرد عاوز دفا).
فلسفة الورد و القبر 
الموت  هو أصدق الحقائق، والتعبير عنه موروثٌ  شعبيٌ  لدي المصريين خاصة، كما يؤكد ذلك دكتور يسري العزب "هذا الحس بالموت والفقر، والتعبير عنه يكاد يكون حسا مصريا متوارثا في أدبنا الشعبي، حيث ينتشر في المواويل والقصص والأغنية الشعبية وغيرها من ألوان الأدب الشعبي"(17)، و من أراد للحكمة أن تسكن رباعياته أو أشعاره، لابد من عظة الموت أن تتحدث، وللموت مكانة متميزة في رباعيات مجدي شلبي، وقد جاء  اللفظ صراحة "قبر" في: القبر كام يساع / من البشر أنواع/ يا بخت مين يشتري/ يا خسارة اللي باع ـ أو "لحد" مجدول بصورة فنية عالية مثل تصويره لنهاية الإنسان "امرأة":
حبة عضم جوه مقطف جلود/ متزوقة بشعور حرير ونهود/ بعـد عمر قصير ـ مهما طال / ف اللحود منتظرهم دود.
أو بمعنى"العدم" مثل: بِنا و بين العدم/ فركـة قــدم/أسياد هناك/ و احنا خدم.
و من رحم الموت تُولد الحياة، وبرغم دلالة "الورد" التي تسير عبر الرباعيات متخذة رمزية معينة ودلالة غريبة، إلا أننا نلاحظ مدى إصرار الشاعر على لفظة" الورد كمعادل موضوعي للحياة والأمل المنكسر" أو التعبير بصفته الشخصية كمصالحة منه مع الحياة بحُلوها مثل:
خلاص يا ناس الحب عاد بريالين/ جاتنه بضاعة لنج وارد الصين/ الورد الاحـمر بلاسـتيك / ليه توسخ إيديك في الطين!
ويتجلى الرمز للورد عاليا في:
بعد السنيـن العجاف والضـيق/ الورد طرح الشـوك ع المخاليق/ مطلوب من الشعب الحزين يبتسـم/ فـي وش صانع الخوازيق.
سمات فنية متلاحقة:
تفيض رباعيات الشاعر بطوفانٍ هادرٍ من السمات الفنية الأخرى، التي تعبر عن أوجه الحياة وأقنعتها وقسوتها وتقلباتها، حتى تكتمل منظومة الخبرة الحياتية التي تمس كل أوتار الحياة، من فرح وحزن وانكسار،  مغلفة مرة بالرمز،
 وكاشفة فاضحة مرات عديدة، والقارئ لرباعيات هذا الديوان، يجد أن "الملمح السياسي" بدا واضحا مسيطرا معبرا، ولكنه مجدولا بأوجاع الحياة المختلفة، مصطبغا بالأمل الكسير واليأس المستمر، متوسلا بالمثل الشعبي كما في:
 " الكرسي قالك قوم/ لساشي ناقـص نوم/ حتى المثل نصحك/ "اللـي يخـف يعوم".
ومصطبغا بالثورة على كل قيد في:
وقف الصغير ف الميدان تحت المطر/ فرحان تمام ومـش همه الخطر/ بعد ثوان نفضه صوت الرصاص/ عيني على قلبه اللي انفطـر.
و كذلك محاولة زرع الأمل والتمسك به مرات أخرى، مثل:
يا طير و سابح في الفضا سواح/ آن الأوان للحر بقى يرتاح/ و يودع القمـح اللي كـان ساحبه/ بعيد عـن ضل شجرة التفاح.
وتنوعت أغراض الرباعيات الشعرية بين نعي الذات الأدبية،  كقوله:
 ملعون أبو الأدب/ اللي ورانا العجـب/ نادر تلاقي ناس قمم/ وكتير كتير مع من غلب.
وبين قيمة المال الحلال للإنسان، بالتحدث إلى الورق والفلوس والبنكنوت والغربة والتوهة والاغتراب والغدر والوفاء والموت و..."  ليتماس مع العملاق صلاح جاهين في الكثير من أغراضه وأفكاره، ولكن بخصوصية وعصر مختلفين، ونجد أن كل هذا القضايا، تُظللها سحابة إنسانية مفعمة بالدهشة والفلسفة الحياتية، "بطلها الإنسان"، بلغة راقية متوهجة تتسرب إليك عبر صورٍ فنيةٍ  بلاغيةٍ، اجتهد الشاعر في تشكيلها وصياغتها ٍبنضجٍ تامٍ، وألبسها أحلى الحُلل، لتُحقق لنا "متعة الإمتاع النفسي والإقناع العقلي "تحقيقا لقول"جوتة" أن الفن تشكيلٌ قبل أن يكون جمالا".
الهوامش
1ـ المقتطف من أزهار الطرف: 225 ـ 235.
2ـ الرسالة الثانية من رسالتان فريدتان في عروض الدوبيت: تحقيق هلال ناجي، مستلة من مجلة المورد المجلد الثالث، العدد الرابع، دار الحريةـ بغداد: 1974 ص: 165.
3ـ يحي حقي، كتاب "هذا الشعر" كتاب الثقافة الجديدة "11" يناير 2005، العدد 175،ص 52-53.
4-5-6- مقتطفات من حوار في جريدة الرياض أجراه "محمد باوزير" الخميس 29 محرم1434هـ - 13 ديسمبر 2012م – العدد 16243، بعنوان "الشعراء يتساءلون: ما مصير «الرباعيات» في شعرنا الحديث؟.
7ـ يحي حقي، كتاب "هذا الشعر" سبق
8- د. جابر عصفور "مفهوم الشعر"، دراسة في التراث النقدي، ص208، سلسلة الأدب ، مكتبة الأسرة ، 2005.
9- الشاعر الكبير"أدونيس"مقال منشور بصحيفة 26 سبتمبر، وعنوانه "شعرية القراءة " العدد 1315.
10- الباحث محمد عبد الحي، في كتابه "الأسطورة الإغريقية في الشعر العربى " صـ 48.
11- د.عبد المللك مرتاض،" في نظرية الرواية "، بحث في تقنية السرد،سلسلة عالم المعرفة، ص 178.
12- عدنان حسين قاسم ، التصوير الشعري"التجربة الشعورية و أدوات رسم الصورة الشعرية"المنشأة الشعبية للنشر و التوزيع والاعلان/ الجماهير ية العربية الشعبية الليبية ، الطبعة الأولى 1980،ص 41.
13- د.مصطفى ناصف" اللغة و التفسير و التواصل"، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون / الكويت،  يناير/ كانون الثاني،1995م، ص 73.
14- د. شوقي ضيف، "الفكاهة  في مصر "، دار الهلال  .
15-" أنيس فريحة"، " الفكاهة عند العرب "، بيروت ط1، مكتبة رأس بيروت،1962، ص 14، 17، 19_ بتصرف.
16- د.عبد العزيز مقالح، "الشعر بين الرؤيا و التشكيل" ، ص 488، دمشق 1981.
17- د.يسري العزب، أزجال بيرم التونسي، دراسة فنية، الهيئة العامة لقصور الثقافة،1981، ص 289.