قراءة في مجموعة
(دموع و شموع)
بقلم
د.هداية مرزق (*):
حقيقة
الإبداع عشق و ولادة قيصرية، يجتهد المبدع أن تخرج فيه الفكرة جميلة جديدة مدهشة،
فالمبدع الذي لا يدهش القارئ ليس بمبدع، و لكي يتميز و يدخل في مجال الاحترافية
يجب أن يطل على القارئ بشكل جديد/ مولود متكامل الجوانب، بلغة تسحر العقول و تلامس
القلوب، تماما مثلما حدث لي و أنا اقرأ المجموعة القصصية (دموع و شموع) للكاتب
مجدي شلبي، بما تنطوي عليه من لغة شعرية جميلة، و تكثيف لغوي لا إخلال فيه
بالمعنى، و أفكار مبتكرة مع كل ومضة من ومضاته التي جمعها تحت عنوان واحد يحمل من
الدلالات الكثير..
إن مجموعة
(دموع و شموع) حلقة من سلسلة كتابات/ انتجها "مجدي شلبي" في مجال الومضة
القصصية، ما يجعل منه عارفا و مختصا، و متحكما بآليات و تقنيات هذا الفن. و إذا
كانت العلاقة بين الفنون هي علاقة تقاطع و
تأثر و تأثير، فقد استفادت الومضة القصصية عند "مجدي شلبي" من السينما
في بعض مشاهدها، و من القصيدة في شعرية لغتها، و من السرد في الزمكانية و الشخصيات
و حركية أحداثها، دون أن يسقط عناصر يقوم عليها هذا الفن؛ من مفارقة، و سخرية... و
الأنسنة في قصته (عبث) و التي يقول فيها: بين اليأس والرجاء يتكرر المشهد: الشمس تفتح النافذة، الليل
يغلقها. و غيرها من العناصر مثل التناص، و الانزياح اللغوي، و الدقة في وضع
العنونة، و إثارة الدهشة لدى القارئ الذي يحاول الإجابة عن أسئلة في دلالات هذا
الفن و صياغته ، و عميق أفكاره، و لغته الفنية، و مفارقته... إلخ.
إن القارئ
لمجموعة مجدي شلبي يلاحظ انضباطا فنيا على مستوى عشرات الومضات القصصية هي محتوى
هذه المجموعة، اندرجت تحت عنوان جامع (دموع و شموع)، و نظرا لأهمية العنوان كمواز
نصي، و عتبة من العتبات الأكثر إثارة للقارئ، فهي أول لقاء له بالنص، تلقي
باشعاعها على نصوص المجموعة، و توجه قراءة المتلقي، و تدفعه إلى عوالمه الظاهرة و
الخفية " لتحقيق غاية فنية محددة متعلقة ببناء الومضة" بحثا عن دلالات
العنوان. و بهذا يكون العنوان عتبة مركزية "تقوم برهانات فادحة في الإيقاع
بالمتلقي"على حد تعبير محمد صابر عبيد، فاجتماع لفظتي (دموع) و ما تحيل عليه
من حالة نفسية سواء في الحزن أو الفرح، و (شموع) و ما تحيل عليه من تضحية و احتراق
من أجل اضاءة/ تنوير/ كشف الظلمة...إلخ في عنوان واحد يطرح أكثر من سؤال، و يعطي
انطباعا عن واقع أرادت الومضة القصصية بعناوينها المختلفة التعبير عنه...
عنوان
كهذا يتصدر المجموعة كالثريا على حد تعبير جاك دريدا، يلقي بضيائه و أشعته على
نصوص المجموعة فينير كثيرا من جوانبها الخفية؛ كفيل باثارة القارئ، و جذبه إلى
عوالم تتهادى داخل هذه الومضات القصصية... و لا نشك في حسن اختيار الكاتب لهذا
العنوان لما له من فعالية قرائية تستحوذ على إجراءات التأويل...
و أخيرا و
ليس بآخر فان هذه المجموعة استطاعت ان تعطينا انطباعا عن قدرة الكاتب على التحكم
بآليات هذا الفن/ السهل الممتنع، فقد وضع تقنيات الومضة القصصية، و استطاع أن
يبتعد عن الابتذال في لغته فجاءت جميلة دالة، معبرة عن الفكرة بعيدا عن الانفعالية
و الجمل الإنشائية المبنية على الأحاسيس و المشاعر الذاتية، كما كانت جمله في
مجملها تقوم على الفعلية بما تحمله من حركية و ديناميكية، تنقل و تغير وفق ما
تقتضيه الومضة القصصية التي تنبني على التسارع في أحداثها منحدرة بقوة من جملة
الاستهلال و التي تمثل ذروة الحدث، إلى القفلة /النهاية؛ ما أن تبدأ حتى تنتهي و
كأنها تنفجر نحو النهاية بسرعة القذيفة، و بهذا و نظرا لما قامت عليه هذه المجموعة
من فنيات و مواضيع هادفة تعبر عن واقع بصورة ساخرة تؤهلها لأن تكون لبنة من لبنات
صرح الومضة القصصية في الأدب العربي، هي فعلا ومضات قصصية مكثفة تنم عن وعي
صاحبها، و تحكمه بلغته التي يحركها بما يخدم الفكرة دون إسهاب و لا إطناب، و بهذا
يسهم القاص مجدي شلبي في بناء صرح هذا الفن السردي المستقل بذاته، ليكون علما من
أعلام الومضة القصصية في الوطن العربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د/ هداية
مرزق: استاذة الادب المعاصر- الجزائر