قراءة في (رباعيات مجدي شلبي)
دراسة بقلم الناقد السوري/ غاندي
يوسف
لا شك أنّ الرباعيّات (الدوبيت) لم
ترد سابِقاً في الشِّعر العربي القديم بل كانت هنالك مقطوعات شعريّة صيغتْ وفقَ
قواعد و أساليب الشّعر العمودي العربي.
فالرُّباعيات أربَعةُ أشطر كلّ شطر
منها يُسمّى واحِداً باستثناء بعض شعراء المهجر الذين نظموا الرّباعيات من أربعة
أبيات.
لماذا الرُّباعيّات؟ الرباعيّات
ناتجة عن تدفّق شعوري سريع محملاً بالصّور الحيّة و الإيمائية ينظمها شاعر لديه
المقدرة على الترتيب و التكثيف بحيث تأتي الفكرة و الهدف ببيتين من الشِّعر بقافية
أشطر موحّدة و روي موحّد في كلٍّ من الشطر
الأوّل و الثاني والرّابع... بينما يكون حرف الروي حُرّاً في الشّطر الثالث و هو
ماعُرِف بالرُّباعي (الأعرج) وهو الأشهر بين الرُّباعيّات لسهولة انسيابه كقطعة
موسيقيّة جميلة.
في رباعيّات الأستاذ الأديب مجدي
شلبي تجربة إنسانيّة طويلة و خبرة شِعريّة كبيرة عكستْ انفعالاته النّفسيّة و
العاطفيّة المتدفِّفة إلى لغةٍ شعريّةٍ مكثّفةٍ باستخدام الصّور و الإيجاز و
التَّرميز (بلا إطناب مملّ و لا إيجاز مُخلّ) مزركشة بحسن التّقسيم و الاستعارة و
التّورية والالتفات و مراعاة النّظير.
و قد جاءت مقطوعاته الرّباعيّة
مستقلة قائمة بحدّ ذاتها و لم تكن بينها قصيدة رباعيّة مؤلفة من عدّة رباعيّات...
و هو ما يعكس شخصيّة الشّاعر الإبداعيّة الذي هو بالأساس من أوائل المهتّمين
بمواضيع التكثيف الدلالي بأقلّ العبارات. فالمقطوعة لديه هي عبارة عن دفقة شعوريّة
مشحونة بالجمال تنتهي بالمتلقي إلى الإعجاب و تشعره بالارتياح و الطرب.
يقول في رباعيّة جميلة حملت بين
موسيقاها الحكمة و الموعظة:
الـقـبـر كام بيسـاع... مـن البشـر
أنـواع
يابخت من يشتري... ياخسارة اللي
باع
نلاحظ في هذه الرّباعيّة حسن
التقسيم بين الجمل بجرس بديع نتيجة الانتقال بين الأسباب المديّة
(كام...بيساع...أنواع...باع) و الأسباب السّاكنة و المتحرِّكة و تطابق الإيقاع بين
شطري البيت بتقارب و توازي حروف الهمس و الجّهر التي رسمت كلمات وجدانيّة لها وقع
كبير في النّفس. بينما يبتدىء شطرا البيت الثّاني بصرخة مدويّة على أجنحة حرفي
النِّداء(يا) و يقف في نهاية الشّطرة الثالثة على حرف مدّ(يشتري) فينساب النّغم
بسلاسة إلى نفس المتلقي عازفاً لحناً من الأبجديّة ذا بعد نفسي بحقيقة أنّ لاشيء
في هذه الدّنيا يدوم و يخرج الإنسان منها فارغ الوفاض كما جاء إليها إلا من أعمال
و زرع سيحصده هناك.
و لا تخلو هذه الرّباعيّات من تهكم
فلسفي لاذع عكس بعض الحالات المرضيّة التي يعاني منها المجتمع... يقول في رباعيّة:
واقف ع الباب من زمان و مستنّي
دخــل الخــلايـــق كلــهم إلا انّــي
رافــض أحــني لسـاني بالمكذوب
لـو كـنت أعـرف لصـبحت متهنّي
مع أنّ التدوير في الشِّعر العربي
لا يجوز إلا أنّه هنا في هذه الرباعيّة (المموسقة) عمل كرابط قوي فشدَّ البيتين
إلى بعضِهما البعض من خلال المعنى العميق و المبنى المتين...
و في رباعيّة أخرى يقول الشّاعر:
السـلطة عاهره و فاجره
بصـّيت مـن خـلال إبره
لـقـيتها في حضـن ظـالم
و العدل بقى عمله نادره
اختيار موفق للكلمات و ربط بين
كلمتي (السلطة والظالم) الذي أدّى إلى غياب العدالة... هو لم يقل المسؤوليّة أو
الرئاسة أو القيادة بل السلطة فأشار لنا مباشرة إلى التسلط...
رباعيّات الأديب مجدي شلبي تنتقل
بك و أنت تقرؤها من فكرة إلى أخرى و من رباعيّة إلى رباعيّة مغايرة كليّا دون أن
تتعثر بالسّير و ذلك عبر الوزن الواحد و الصّور الجميلة المتلاحقة...
و مع أنَّ هذه الرُّباعيّات جاءت
باللهجة المصريّة، التي هي بالأساس (مموسقة رباعيّا) كما هو حال اللهجة اللبنانيّة
في (العتابا و الهوّاره و الميجانا) إلا أنني قرأتها و استمتعت بها و أنا لا أحكي
باللهجة المصريّة... فقد كانت هنا أقرب إلى نبض الشّارع العربي و لأحلام النّاس و
لآمالهم و آلامهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الناقد السوري/ غاندي يوسف (صباح السبت 26 ديسمبر 2015)