بحثي
المقدم لمؤتمر اليوم الواحد بمكتبة مبارك بالمنصورة يوم 12 أغسطس 2008 عنوان البحث:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب
الالكتروني بين المزايا و العيوب
"مستقبل
العلاقة بين الكتاب الورقي والكتاب الالكتروني"
إعداد/
مجدي شلبي
ـــــــــــــــ
مقدمة
ـــــــــــــــ
قبل تناول قضية الكتاب الالكتروني ـ موضوع البحث
ـ أود الإشارة إلى أن التقنية الحديثة رغم توفيرها لهذا الأسلوب المتطور تطوراً
مذهلاً، تظل عاجزة وحدها عن التقدم خطوة جديدة إلى الأمام في هذا المجال دون وجود
إنتاج أدبي جيد، يرتقي بالذوق الثقافي العام، و قارئ يتطلع لتنمية معارفه، و مجتمع
يحفز هذا و ذاك و يوفر مناخاً ثقافياً مواتياً... و لاشك أن برنامج ( القراءة
للجميع ) يُعد من أبرز و أنجح البرامج التثقيفية التي تحقق تلك الأهداف، و تفسح
المجال أمام الأجيال الصاعدة الواعدة للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والإبداع
العلمي و الأدبي في ظل ما يحققه النشر الالكتروني من مزايا عديدة ـ سيرد ذكرها
تفصيلاً ـ كما أضحى الطريق ممهداً للكُتاب و المبدعين ـ بإزاحة عوائق التكلفة و الرقابة
ـ للانطلاق نحو آفاق أرحب:
*
فهل سيستطيع الكتاب الالكتروني إغراء المبدع و المتلقي لارتياد هذا السبيل الجديد؟
*
و ما عيوب تلك الوسيلة الجديدة إذا عقدنا مقارنة بينها و بين الكتاب التقليدي؟
*
و هل سيستطيع القارئ ـ بسهولة ـ التخلي عن تلك العلاقة الحميمة بينه و بين الكتاب
الورقي؟
تلك
الأسئلة و غيرها هي محور هذا البحث الذي أبدأه بنزهة تأملية في متن المعاجم
اللغوية التي أوردت لفظ ( كتاب ) بمعانٍ عده منها:
*
كتاب: رسالة ( أرسلت له كتاباً أعلمته فيه بنجاح ابنه )
*
كتاب: القرآن الكريم ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) و قد يأتي بمعنى التوراة
والإنجيل ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله
ولا نشرك به شيئا )
*
كتاب: الأجل أو القدر ( لكل أجل كتاب ) وحيث أن الكتاب الورقي ( طبقاً لما ورد
بمعاجم اللغة ): صحفاً مؤلفة و مجموعة... وجب أن نعرج سريعاً على التطور التاريخي
للكتابة و التدوين، من استخدام النقوش و الرسوم الرمزية كوسيلة للتعبير ( اللغة
المسمارية والهيروغليفية ) مروراً بأول كتاب طُُبع على وجه الأرض بطريقة الكتل
الخشبية عام 868 ميلادية... وصولاً إلى (الكتاب الالكتروني)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من
نقوش الفراعنة إلى كتابة المدونات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
تطور اللغة:
تُعد
اللغة الهيروغليفية هي أساس لغات العالم فقد أخذها عنهم الفينيقيون 1100 قبل
الميلاد، ثم حولوها إلى أبجدية عُرفت باسم ( الأبجدية الفينيقية ) و التي هي عبارة
عن حروف، و كل حرف يمثل صوتاً معيناً، و بهذا وضعوا أساساً لأبجدية الكتابة في
الشرق... و بعدما أعقبهم الإغريق (403 قبل
الميلاد ) قاموا بتطوير تلك الأبجدية، التي نقلوها عن الفينيقيين حتى أضحى لهم
أبجديتهم الخاصة و التي تُعد أساساً لأبجدية الغرب... و لم يتوقف الأمر عند هذا
الحد؛ فقد جاء الرومان فعدلوا في الأبجدية الإغريقية على نحو: الإبقاء على 12 حرفاً
منها كما هي، و عدلوا سبعة أحرف، و أعادوا ثلاثة أحرف كان قد بطل استعمالها، و هي
تلك الأبجدية التي اعتمدت عليها اللغة اللاتينية، و مازالت تُستعمل حتى اليوم، بعد
أن تم إجراء قليل من التعديلات عليها... أما الأبجدية العربية فقد اشتُقت من الكتابة
السامية التي اشتُقت بدورها من الأبجدية الفينيقية، و قد وصلت إلى العرب عن طريق
الأنباط، الذين كانوا يقطنون شمال الجزيرة العربية، و مع تدوين القرآن و انتشار
الإسلام انتشرت اللغة العربية، و أثرت الفارسية و الأفغانية و التركية...
(2)
تطور الكتابة:
لقد
تطورت الكتابة تطوراً كبيراً فانتقلت من النسخة المخطوطة إلى النسخة الالكترونية
مروراً بما يمكن تسميته ( الثورة المطبعية) فقد كان اختراع المطبعة في منتصف القرن الخامس
عشر على يد الألماني ( يوحنا جوتنبرج ) نقلة مذهلة نحو فتح آفاق جديدة في عالم
الطباعة و النشر... و لعل من الطريف أن نذكر أن هذا المخترع العبقري قد مات فقيراً،
في الوقت الذى يُثرى غيره بفضل اختراعه ثراء فاحشاً!... و من المعلوم أن أول استخدام
للمطابع كان لنشـر المطبوعات الدينية، ثم تلاها ظهور الصحف التي كانت تباع بأسعار
زهيدة... و لم يمض قليل وقت على بزوغ شمس هذا الاختراع المبهر حتى تدخلت الكنيسة
الكاثوليكية الرومانية، و فرضت سيطرتها الكاملة على المطابع باعتبارها أداة اتصال
و تأثير... و لما كانت الطباعة في حاجة إلى خبرات لم تكن متوافرة في البداية في
العالم العربي؛ تأخر الانتقال من عصر المخطوطات إلى المطبوعات قروناً ( من القرن
الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر ): ففي دير القديس مار يوحنا بلبنان تأسست
المطبعة العربيّة الأولى في الشرق والتي استخدمت الحرف العربي عام 1733م، و في مصر
جلب الفرنسيون في حملتهم أول مطبعة عربية تدخل البلاد عام 1798، و كان يرافق تلك
الحملة علماء في التاريخ و الجغرافيا و الطب و اللغة... و لكن البداية القوية و الحقيقية
للطباعة في مصر كانت عام 1822 عندما أنشأ محمد على مطبعة بولاق، و قد نشرت هذه
المطبعة في الفترة بين عامي 1822 و 1842م أكثر من 240 كتابا توزعت على المواضيع
العسكرية و الحربية و العلوم البحتة و التطبيقية، ثم العلوم الإنسانية و الاجتماعية...
عمل ( فارس الشدياق ): من أهم رواد ثقافة الطباعة و كان قد عمل عام 1827 في مطبعة
الجمعية التبشيرية الإنجيلية في مالطة ) في صحيفة الوقائع المصرية التي أنشأها
محمد علي، و لعله أول العرب الذين مارسوا مهنة الصحافة... كما نشر مجموعة من الكتب
التعليمية في الجغرافيا و التاريخ كان قد طبعها في مالطة، و ترجم كتبا عن
الإنجليزية، و أصدر الطبعة الأولى من كتاب جبريل فرحات "بحث المطالب" في
النحو العربي عام 1836 في مالطة، و كان هذا الكتاب أول مخطوط يطبع و ينشر على يديه...
إن
ما أردته من استعراض هذا التاريخ؛ هو التأكيد على حقيقة أن التطور مستمر فمن
الطبيعي أن تبرز وسائل جديدة لنقل المعلومات و الرؤى و الأفكار... و من الطبيعي أن
يتعامل معها الإنسان دون خوف أو وجل... فما نراه اليوم عجيباُ و مدهشاً ستنظر إليه
الأجيال القادمة على أنه عادى جداً، و إذا لم نواكب التقنية الحديثة حكمنا على
أنفسنا بالانقراض... يقول ( تونى أوتينكر ) من جامعة هارفرد: "على الإنسان أن
يختار بتعقل خطى مستقبله خشية أن يرقص رقصة الديناصور...
و
قبل أن نعقد مقارنة بين الكتاب الورقي و الكتاب الالكتروني، يلزم أولاً أن نجيب
على السؤال: ما معنى الكتاب الالكتروني؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما
معنى (الكتاب الالكتروني)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن
أول استخدام لمصطلح ( الكتاب الالكتروني ) ( E-book) كان في نهايات القرن الماضي ( عام 1990م ) مع بداية استخدام
طريقة تخزين و نشر الوثائق إلكترونياً ( رقمياً ) و عليه يعرف ( الكتاب الالكتروني
) بأنه صيغة رقمية لنص مكتوب، و لقد عرفت ( الدكتورة هبه محمد ) في مجلة ( الاتجاهات
الحديثة في المكتبات و المعلومات ) الكتاب الالكتروني بأنه: "مصطلح يستخدم
لوصف نص مشابه للكتاب، و لكن في شكل رقمي، و ذلك ليُعرض على شاشة الكمبيوتر... فأي
موسوعة مخزنة على قرص مليزر تعتبر كتاباً إلكترونياً". و قد أورد ( الأستاذ
أحمد فضل شبلول ) في مقاله المنشور بموقع ( جريدة المنارة ) نقلاً عن كتاب ( الكتاب
الإلكتروني: القراءة، الإعداد، التأليف، التصميم، النشر، التوزيع ) للكاتب (المهندس
عبد الحميد البسيوني ) تعريفاُ للكتاب الالكتروني بأنه: "الكتاب الذي يمكن
قراءته على الحاسب أو أي جهاز محمول باليد." و يتم توزيعه كملف واحد، و يأتي
كعنصر كامل مكتمل بمعنى أنه ليس فصلا أو جزءا من كتاب أو سلسلة أو أنه ما زال قيد
الانتهاء، و يتراوح طوله بين 25 ألف و400 ألف كلمة. و من مزايا الكتاب الالكتروني
أنه يمكن طلبه وتسليمه فوريا عبر الوسائط الإلكترونية، و أنه مضغوط و مريح و يمكن
حمله و التنقل به، و يزيد من القدرة على التحكم في شكل العرض مع خصائص رقمية
لتدوين الملاحظات، و البحث و التحول إلى نص مقروء، مع سرعة البحث عن المعلومات، و تحويل
النص إلى صوت، كما يمكن قراءته في إضاءة جزئية أو في الأماكن المظلمة، بالإضافة
إلى قلة تكلفة توزيعه إلى حد كبير."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ
الكتاب الالكتروني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعود
فكرة الكتاب الإلكتروني إلى أوائل التسعينات و أحد مبتكريها هو ( بوب ستاين ) الذي
عقد مقارنة بين القراءة من خلال الشاشة الكمبيوترية و القراءة من الكتاب الورقي؛
فتوصل إلى نتيجة مفادها أن القراءة من جهاز إلكتروني تتميز على القراءة من كتاب
تقليدي بمزايا عديدة ( سيرد ذكر المزايا لاحقاً )... غير أن البعض قد اعترض على ما
توصل إليه من نتيجة على اعتبار أن الكمبيوتر أثقل حجماً من الكتاب العادي، فضلاً
عن العديد من العيوب التي حاول المبتكرون تلافيها حتى توصلوا إلى أجهزة إلكترونية
أخف حملاً، و تم إدخال العديد من البرامج التي تتيح للقارئ إمكانية وضع علامات على
الصفحات و إمكانية التسجيل على حواشي الكتاب، و إمكانية قراءته في الظلام أو الضوء
الضعيف، حيث زودت بعض الأجهزة بوحدات إضاءة، فضلاً عن تحول الكتاب إلى النظام
السمعي في حالة الإجهاد البصرى... هذا و قد أورد ( جمال عبد العزيز الشرهان ) في
كتابه ( الكتاب الإلكتروني ) أسـباب انتشار صناعة النشر الإلكتروني ( الكتاب
الإلكتروني) بـدلاً عن الكتاب الورقي ( التقليدي ) في نقاط:
●
التضخم الهائل في حجم المطبوعات الورقية.
●
ارتفاع التكلفة المادية للطباعة سواء من حيث العمالة أو الورق أو الحبر أو غير ذلك
في دور النشر التقليدية.
●
ظهور قواعد المعلومات و الأقراص المضغوطة وانتشار استخدامها.
●
انتشار استخدام الحاسب الآلي في المكتبات ومراكز المعلومات والقطاع الخاص والقطاع
الشخصي.
●
انتشار استخدام الخط المباشر ( on-line ) في
المكتبات، و استرجاع المعلومات من الحاسب الآلي المركزي عن طريق الموزع (server).
●
استخدام الحاسب الآلي في التضعيف الصوتي من قبل الناشرين. ● ربط تكنولوجيا الحاسب
الآلي و تقنيات الاتصالات المتعددة للوصول إلى المعلومات.
●
إنشاء وتطوير نظم المكتبات الإلكترونية. و يعد الكتاب الإلكتروني من التطورات
الحديثة في نظم أجهزة معالجة النصوص، التي تمكن القارئ من الانتقال من فصل إلى آخر
أو من موضوع إلى آخر أو من فقرة إلى أخرى من خلال تحديد ما هو مطلوب بواسطة
استخدام مؤشر الحاسب ( mouse )
ليتم بعدها الانتقال المباشر إلى الموضع المحدد.
أما
( هبة محمد ) فتتوقع أن ينجح الكتاب الالكتروني في مجال كتب النصوص أكثر من المجال
الترفيهي، و على هذا فإن الكتاب الإلكتروني هو: "قراءة نص إلكتروني على جهاز
معين مثل _ جيم ستار _ (gem star- أو قراءة نص إلكتروني على جهاز حاسب شخصي أو محمول أو كمبيوتر
اليد، و هذا يعني في بعض الأحيان تحميل النص بأكمله على الجهاز ثم قراءته من خلال
برمجيات مخصصة لهذا الغرض أو قراءته مباشرة على الخط المباشر من خلال المتصفحات".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مزايا
الكتاب الإلكتروني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
الحفاظ على البيئة من خلال الحد من التلوث الناتج عن نفايات تصنيع الورق. * توفير
الحيز المكاني
*
إتاحة المعلومات السمعية لفاقدي البصر
*
تقليل الوقت والجهد المستخدم في عملية التزويد.
*
ضمان عدم نفاذ نسخ الكتاب من سوق النشر، فهي أنها متاحة دائما على الإنترنت و يستطيع
الفرد الحصول عليها في أي وقت. * إتاحة الفرصة أمام المؤلف لنشر كتابه بنفسه إما
بإرساله إلى الموقع الخاص بالناشر أو على موقعه الخاص.
*
الكتاب الإلكتروني أقل تكلفة على القارئ من الكتاب الورقي.
*
القدرة على تخطى الحواجز و الموانع و الحدود و التعقيدات التي يصادفها الكتاب
الورقي.
*
التخلص من قيود الكمية للطبعات وعدم نفادها.
*
الكتاب الإلكتروني يتيح التفاعل المباشر بين الكاتب و القارئ
*
توفير تكلفة الطباعة والتوزيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عيوب
الكتب الإلكترونية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
إمكانية انتهاك حقوق الملكية الفكرية.
*
ضوء الشاشة المزعج والمجهد للعين.
*
عدم توفر أجهزة القراءة على نطاق واسع.
*
التغيرات التكنولوجية المتلاحقة و التي تجعل من الجهاز الحديث بائداً بعد شهور
قليلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب
الالكتروني والذكاء الفني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول
( السيد إيريك واليوس ـ وهو رئيس تنفيذي
لإحدى الشركات المهتمة بالكتاب الإلكتروني ): "في الأسبوع الماضي جلسنا مع
مديرة إحدى المدارس لبحث إمكان توفير نظام كتاب إلكتروني لطلبتها، و بعد نقاش مطول
و قائمة كبيرة من الأسئلة عن الموضوع كان ملخص رد فعل المديرة هو قولها: "أنت
بحاجة إلى أن تفهم أن معظم طلبتنا ليسوا بالذكاء المطلوب لفهم هذه الأجهزة الفنية،
و لذلك لن يكون لديهم الاستعداد لمثل هذا الشيء". ويضيف إيريك: "حسناً...
بإمكاننا مناقشة هذا المنظور قليلاً باحثين درجة الذكاء الفني المطلوب للكتاب
الإلكتروني محل البحث و ما يتضمنه من إتقان لزرين ( مفتاحين ) و عدد قليل من
الأيقونات، و المهم أنه، و خلال عرض لمجموعة من الأطفال من الصف الرابع الابتدائي
و لمدة عشر دقائق، عرف هؤلاء الأطفال خلالها أكثر مما عرفت عنه مدرستهم".
إن
التقنية تحقق القدرة على التعبير؛ إذا كان ( جي ـ بولتر ) في معالجته لحضارة الغرب
في عصر الكمبيوتر 1989م قد قال: "تضخم هائل في عدد السكان، و ندرة في
المصادر، و تدهور في البيئة، و ربما ينفرد جيل هذا العصر في أن مشاكله و بشائر
نجاحه تتأتى من مصدر واحد: الإنجازات الخارقة للعلوم و التقنية. و إذا ما بقيت
العوامل الأخرى ثابتة فإن الرجال و النساء ليسوا أكثر من أسلافهم جشعاً أو عنفاً،
أو شفقة، أو حكمة، أو حماقة، لكنهم يجدون أنفسهم قد سيطروا على تقنية تزيد من
قدراتهم على التعبير عن هذه الخصائص التي هي إنسانية إلى حد بعيد. إن التقنية
تمكنهم من إعادة تشكيل الطبيعة لتلائم احتياجاتهم و تعديلها إلى أقصى حد ممكن من
تصوراتهم ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و (للكتاب
المطبوع مستقبل)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد
ذكر ( إمبرتو إيكوا) في محاضرته القيمة التي ألقاها في مكتبة الإسكندرية بمناسبة
افتتاحها: "كانت المكتباتُ عبر القرون وسيلةً مهمة للحفاظ علي الحكمة
الجماعية. و كانت و مازالت نوعا من العقل الكوني الذي يمكننا من خلاله استعادة ما
نسيناه أو معرفة ما نجهل من الأمور أو المعلومات. و لذا فالمكتبة هي أفضل ما صممه
العقل البشري لمحاكاة العقل الإلهي حيث تري فيها الكون بأكمله و تفهمه في ذات
الوقت." ثم أردف: "المقالات التي تنشرها الصحف و الأبحاث التي يقدمها
بعض الباحثين الأكاديميين تتحدث كثيرا عن احتمالية موت الكتاب و ذلك في مواجهة عصر
الكمبيوتر و الإنترنت. فلو كان لزاما علي الكتب أن تختفي، مثلما حدث لألواح الطين
و المسلات التي تنتمي لحضارات عصور سحيقة لكان هذا سببا وجيها لإلغاء المكتبات،
على أنني أنتمي إلي تلك الحفنة من الناس التي ما زالت تعتقد أن للكتاب المطبوع
مستقبلا. وأن جميع المخاوف المتعلقة باختفائه ما هي إلا مثال آخر لبعض المخاوف
المرعبة المتعلقة بانتهاء شيء ما، بما في ذلك انتهاء العالم." و تكلّم إيكو
عن تخوّف الفرعون القديم من اختراع الكتابة التي من الممكن أن تعطل الوظائف
الحيوية للعقل البشري و مقدرته على التذكّر. هو ذاته الخوف الأبدي من كل مستحدث
تكنولوجي جديد من تعطيل قدرات حيوية يمتلكها الإنسان بالفعل دون هذه التقنية
الوليدة. وهو ذاته خوف ( القس كلود فرولو في نوتردام هيجو )، الذي بدأت به ورقتي،
على جدران كاتدرائيته الحبيبة جراء اختراع المطبعة. وهو ذاته خوف الفنانين على
فنّهم حين اختُرعت الكاميرا الفوتوغرافية. وهو هو خوفنا على لغتنا العربية
المكتوبة من جراء سيادة ثقافة الصورة في منتصف القرن الماضي ثم من غول مستحدث اسمه
الرقمية و الانترنت... على أن الحاسب الآلي عند ظهوره الأول في الوجود كان مجرد
آلة تستطيع فقط أن تقوم بخطوة واحدة تتلوها خطوة أخرى. و الحال أنه ما زال يعمل
على نفس النحو علي مستوي لغاته الأساسية. أي أنه يعمل علي أسس ثنائية رقمية عبارة
عن: صفر واحد ثم صفر واحد (0/1- 0/1) و هكذا. لكن مُخرجاته لم تعد أفقية كما كانت،
بل غدت تشاعبية ترابطية متوالدة متفجرة. و هو ما نعنيه بالروابط الإلكترونية
التشعبيّة Hypertext. و هو ما استُحدِثَ على الكتاب التقليدي الذي تربينا عليه
جميعُنا. ففي الكتاب التقليدي كان علي المرء أن يقرأ من اليسار إلى اليمين، أو من
اليمين إلى اليسار، أو من أعلي إلى أسفل، حسب طبيعة اللغة المقروءة. هي قراءة في
شكل أفقي. و بوسع المرء بالطبع أن يقفز عبر الصفحات جيئةً و رواحًا ليعاود قراءة
شيء ما أو للتحقق من أمر ما في الصفحة. أما النص الذي يحتوي علي روابط إلكترونية
فهو شبكة متعددة الأبعاد و الحقول يمكن لكل نقطة فيها تلتقي و تتقاطع مع أي نقطة
أخرى. و شبكة الإنترنت العالمية (www) تقدم نصوصًا ذات روابط إلكترونية (Hypertexts)، فتمثّل ما يشبه مكتبة عظمى تغطي أرجاء العالم. فشبكة العنكبوت
هذه هي "نظام" عام يحوي في إطاره جميع النصوص ذات الروابط الإلكترونية (Hypertext) الموجودة في العالم. و لا جدال أن تقنية الهايبر تكست، أو النص
الارتباطي، قد سهلّت كثيرا مهمة البحث في المراجع و الموسوعات عن معلومة محددة في
ثوان قليلة، عوضًا عن البحث القديم في موسوعات ورقية من مجلدات ضخمة يبلغ عددها
العشرات مثل إنسيكلوبيديا بريتينيكا أو ليكسكون وغيرهما. لذلك فإن النصوص ذات
الروابط الإلكترونية (hypertexts) ستؤدي حتما إلى اختفاء الموسوعات والمراجع الورقية، فبالأمس كان
من الممكن الحصول علي موسوعة كاملة في قرص مضغوط، أما اليوم فقد أصبح من الممكن
الحصول علي هذه الموسوعة علي شبكة الانترنت بمجرد الاتصال بها، مع ميزة إنها تسمح
لك بالقيام بالربط بين أجزاء في داخل النص و باستعادة المعلومات في صورة غير
أفقية. هذا مع ضآلة المساحة التي تحتلها الموسوعات الإلكترونية مقارنة مع الموسوعة
المطبوعة، إلى جانب سهولة تحديث الموسوعة الرقمية مقارنة بالمكتوبة. هذا عن
المراجع و الموسوعات، فماذا عن الكتاب المقروء سواء الأدبي أو العلمي أو الفلسفي؟
يذهب ( إمبرتو إيكو ) إلى أن الكتاب لا يمكن أن ينقرض، لا على المستوى المادي،
كمجلد ورقي نحمله في أيدينا، و لا على المستوى الافتراضي، كمادة طباعية نخرجها من
الحاسوب لنطالعها أو نحتفظ بها. مؤكدًا رأيه بقوله: "لو حدث أن تحطمت بك
السفينة في جزيرة منعزلة، لا تستطيع فيها أن تجد مصدرا للتيار الكهربائي لتشغيل
الكمبيوتر، فإن الكتاب يعدُّ حيئنذ أداة لا تقدر بثمن فحتى لو كان بحاسوبك بطاريات
تشحن بالطاقة الشمسية فإنك لا تستطيع أن تقرأ بسهولة وأنت تتمدد فوق شبكة معلقة
بين شجرتين، فالكتب ما زالت أفضل رفيق إذ تنتمي إلى مجموعة الأشياء التي لم تتعرض
للمزيد من التطوير بعد اختراعها وذلك لأنها في أحسن حال علي ما هي عليه منذ
اختراعها مثلها مثل المطرقة، السكين والمعلقة و المقص (...) و ربما تحقق الكتب
الالكترونية نجاحا كمصادر للبحث عن معلومات ما، شأنها في ذلك شأن المعاجم أو
الوثائق المميزة، و ربما تعين الطلاب الذين لزاما عليهم أن يحملوا عشرات الكتب
عندما يذهبون إلى المدرسة، و لكن الكتب الالكترونية لن تصلح كبديل للكتب التي نحب
أن نصطحبها معنا إلى الفراش عند النوم. كما أن هناك العديد من الاختراعات
التكنولوجية التي لم تؤد إلى انقراض ما سبقها من اختراعات، فالسيارة مثلا أسرع من
الدراجة ولكنها لم تتسبب في انقراض الدراجة. وهذا يعني أنه في تاريخ الثقافة لم
يحدث أن قام شيء ما بقتل شيء آخر، ولكن كان هناك شيء يغير بصورة جذرية شيئا
آخر."
ـــــــــــــــ
خاتمة
ـــــــــــــــ
لا
ينبغي أن نخشى الكتاب الالكتروني، لكن ينبغي أن يتركز جهدنا على الحفاظ على
علاقتنا بالقراءة أياً ما كان نوع الكتاب... فالكتب وسائط متوافقة للمعرفة سواء
كانت ورقية أو إلكترونية، و لأن أطفالنا أسرع استجابة للتقنيات الحديثة و أكثر
حباً للقراءة و الاطلاع و هو ما يطمئننا على مستقبلهم الباهر؛ تبذل الدولة كل
الجهد في سبيل دعم البرامج التثقيفية و على رأسها ( مهرجان القراءة للجميع ) الذي
ترعاه ( السيدة الفاضلة سوزان مبارك ) انطلاقاً من إيمان عميق بضرورة النهوض بمصرنا
الحبيبة صاحبة الماضي العريق و الحاضر السعيد و الغد المشرق بإذن الله.
ــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر
البحث
ــــــــــــــــــــــــــــ
* المعجم المحيط
*
ترجمة لمحاضرة ( إمبرتو إيكوا ) التي ألقاها في افتتاح مكتبة الإسكندرية
*
الاتجاهات الحديثة لمكتبات المعلومات ( هبة محمد )
*
مقال للأستاذ أحمد فضل شبلول
*
الكتاب الإلكتروني ( جمال الشرهان ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدر
عن المؤتمر المشار إليه كتاب من مكتبة مبارك العامة بالمنصورة يضم الأبحاث المقدمة
و منها بحثي هذا