و ماذا بعد:
بعد أن غادرت ستديو التصوير الخاص بي، و
انتهى نشاطي الذي استمر ما يقرب من 20 سنة، على نحو لم أستطع من خلاله إلا تدبير
تكاليف الزواج، و تحمل أعباء أسرتي الصغيرة (زوجة لا تعمل و طفلين فقط وقتها، قبل
أن يأتي الثالث)؛ أودعت المبلغ في البنك؛ آملا أن يفي العائد ـ فضلا عن معاش
التأمينات الاجتماعية البسيط ـ بمصاريف الأسرة، و انشغلت بمعاودة الاهتمام بهوايتي
الأدبية؛ فرحت أكتب، و أنشر ما أكتبه في بعض الصحف و المجلات المصرية و العربية،
ثم قمت بتجميع بعض كتاباتي تلك في عدة كتب، حصلت من خلال بعضها على عضوية نادي أدب
المنصورة، وأتيليه المنصورة للفنون و الثقافة، و اتحاد كتاب الانترنت العرب... ثم
في مرحلة لاحقة عضوية اتحاد كتاب مصر كقاص من خلال أربع مجموعات قصصية.
و لما كانت الفائدة البنكية ـ وقتها ـ لا تفي
بمتطلبات الحياة المعيشية؛ كنت أضطر من حين لآخر إلى سحب جزء وراء جزء من أصل المبلغ،
لأستطيع مواجهة أعباء الحياة ـ إلى أن انتهت الوديعة تماما، و لم يتبق لي من معين
مادي إلا المعاش الشهري الذي كان يبلغ وقتها 72 جنيها فقط لا غير (لأسرة تتكون من
أربعة أفراد)!...
رجل كان في الخمسين من عمره (وقتها) يبحث عن
عمل، في الوقت الذي يعاني فيه كثير من الشباب من البطالة... و هنا تعاود فكرة
السفر للخارج ـ السعودية مرة أخرى ـ عن طريق شقيقي و زوج ابنة شقيقتي، غير أن
التوفيق لم يكن حليفهم و لا حليفي في هذا الأمر، و قبلها محاولات للسفر إلى الكويت
عن طريق بعض الأصدقاء؛ باءت جميعها بالفشل ـ ربما يأتي الوقت لاحقا لرواية بعض تلك
التفاصيل العجيبة ـ
تلك النتيجة المحبطة دفعتني لأن أسلك طريقا آخر
له علاقة مزدوجة بين ما حققته من معرفة بسيطة في عالم الكمبيوتر و الانترنت، و ما
حققته في مجال الأدب؛ فرحت أنشئ بلوجات للأندية الأدبية بفرع ثقافة الدقهلية؛ أنشر
فيها أخبار كل نادي أدبي و أنشطته الأدبية، ثم أنشأت بلوجات شخصية لبعض الأدباء نشرت
لهم فيها سيرهم الذاتية و أعمالهم الأدبية، و تلك كانت وسيلتهم المبهرة للتعريف
بهم و نشر أعمالهم الإبداعية إلكترونيا، (هذا قبل أن يظهر الفيسبوك: الوسيلة
الأكثر انتشارا، و الأسرع تفاعلا)، و رغم ما كنت أبذله من وقت و جهد في هذا العمل
الذي أطلقت عليه وقتها (مشروع موقع لكل أديب) إلا أن العائد لم يكن مجزيا، غير أن
لسان الحال وقتها كان يردد المثل: (نواية تسند الزير) و (أحسن من ما فيش)!...
لم يستمر هذا الأمر طويلا فقد استطاع الأدباء
ولوج عالم الانترنت بأنفسهم، و لم يعودوا في حاجة لمعاونة أحد، بعد ارتيادهم
العالم الأرحب (مواقع التواصل الاجتماعي)...
هكذا أغلق الباب الذي ما كاد يفتح، غير أن
باب الله الكريم لا يُغلق أبدا؛ فوجدت من يتواصل معي هاتفيا، لأكون منسقا عاما
لمسابقته الأدبية في القصة القصيرة (مسابقة صلاح هلال الأدبية في القصة القصيرة)،
و مسؤولا عن النشر الالكتروني بها؛ فاستجبت مرحبا، و مؤديا المهمة بإخلاص و تفان
يشهد به الجميع حتى تبوأت تلك المسابقة المكانة الأرقي عربيا بل و لا أبالغ إذا
قلت (دوليا) من خلال مشاركة أدباء من الجاليات العربية في الدول الأجنبية...
ثم انتقلت من هذه المهمة (مسابقة سنوية) إلى
تحمل مسؤولية النشر الالكتروني و المنسق العام لمسابقة فصلية (كل ثلاثة أشهر) (مسابقة
واحة الأدب في الكويت في القصة القصيرة) التي تنظمها و تشرف عليها الأديبة
الكويتية شمسه العنزي، برعاية رابطة الأدباء الكويتيين، و لن أصف ما أقوم به من
جهد و ما أبذله من وقت، و ما أحرص عليه من إخلاص و تفان، عن عشق لهذا المجال
الأدبي، و خبرة فيه، و احترام للقائمين عليه، و لما يمنحوه لي من تقدير مستمر، عن
إخوة صادقة، أكثر من كونه مجرد مقابل لجهد و وقت...
و قد صدر عن المسابقة حتى الآن كتابين من
سلسلة (الفائزون) يتضمن كل كتاب النصوص الكاملة للقصص القصيرة الفائزة في أربع
دورات، فضلا عن قراءات نقدية في النصوص الفائزة بالمراكز الأولى منها...
و لأن ديدني و غاية سعادتي في أن أسعد غيري
من الأدباء و الأديبات، بكل ما لديَّ من إمكانية أدبية؛ أقوم عن طيب خاطر بدور
بسيط في تعديل و تصويب و إعادة صياغة بعض الأعمال الأدبية لزملاء و زميلات، خصوصا لهؤلاء
الذين يملكون الموهبة الحقيقية، و دون أن يكون ما أفعله مدعاة للفخر و الاعتزاز من
جانبي، بقدر ما هو اعتراف بفضل الله واهب النعم، و تأكيد على حاجة الإنسان لمعاونة
أخيه الإنسان في كل مجالات الحياة...
و لا يمكن بحال أن أغفل دور والدتي (رحمها
الله) التي كان شغلها الشاغل في تربية أبنائها مرتكزا على قيمة الأخلاق... فضلا
عما قدمته لي من دعم مادي باعتباري الوحيد دون باقي إخوتي و أخواتي الذي لم يكمل
دراسته الجامعية، و من ثم كان مستقبلي مجهولا ـ بحسب رؤيتها ـ (تلك الرؤية التي تبدو
لي الآن صائبة)!...
و رغم أن الحياة ـ بعد رحيلها ـ أمست كبحر
هائج الأمواج يكاد يبتلعني؛ إلا أن استجابة الله لدعائها ـ يرحمها الله ـ ما زال
هو منقذي و سندي، خصوصا في ظل تقدم العمر، و تقهقر الصحة، و زيادة الأعباء...
و سوف أرجئ الحديث عن تلك المرحلة ـ بعد أن تجاوز عمرى 64 سنة ـ إلى جزء آخر؛ مفضلا أن يكون الجزء القادم (الجزء السابع) مخصصا للحديث عن الحب في حياتي