الاثنين، 6 سبتمبر 2010

قراءة نقدية لبعض ومضات الأديب مجدي شلبي

(دموع وشموع)
قراءة نقدية لبعض ومضات الأديب مجدي شلبي
النّاقد الأدَبي المِصري/ عاطف عِزالدّين عَبْدالفتّاح
هذه قراءة نقدية لبعض الومضات التي نشرها الكاتب الأديب في كتاب "دموع وشموع"، وقبل أن نستعرض عددا من ومضات هذا الكتاب يهمنا أن نشير إلى ما ذكره و أكد عليه الأديب مجدي شلبي:
{لقد تفردت بابتكاري (للومضة القصصية) هذا الجنس الأدبي الذي أعلنت استقلاله وتفرده وتميزه عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى خصوصا القصة القصيرة جدا، وتنظيمي لمسابقة يومية ـ في هذا الجنس الأدبي الذي ابتكرته ـ لتحفيز الكتاب على تجريب الكتابة فيه ـ لأول مرة في تاريخ حياتهم الإبداعية ـ وتحفيز النقاد لوضع الإطار النقدي لمنجزي الأدبي غير المسبوق... وانشغالي بتقدير وتشجيع الكتاب من خلال تلك المسابقة اليومية بما يستهلكه هذا من جهد ووقت في الإعداد والتنظيم والانتقاء والتواصل مع بعض الكتاب على الخاص للتوجيه و التصويب و إعادة الصياغة.
أنا مبتكر هذا الجنس الأدبي وراعيه وداعمه فكيف يسألني البعض عن إبداعي النصي (الموجود بالفعل كما أوضحت) ويتجاهل إبداعي الأجناسي (ابتكاري لهذا الجنس الأدبي الجديد وغير المسبوق.)
إن القفز فوق الحقائق لا يلغيها، ولن ينال من عزيمتي على الاستمرار في مسيرة المحافظة على منجزي غير المسبوق أي جهل أو تجاهل؛ فهدفنا الأسمى ـ البعيد عن الصغار والصغائر ـ هو إرساء دعائم هذا الجنس الأدبي والارتقاء به والمحافظة عليه من العشوائية والارتجال...}
وليسمح لي القارئ الكريم أن أتناول عددا من الومضات، التي وردت في كتاب "دموع وشموع" التي أبدعها الكاتب مجدي شلبي:
"شهر زاد"
(صاح الدِّيك؛ ابتسمت الدجاجة)
هذه الومضة القصصية تحيلنا إلى قصص "ألف ليلة وليلة" بدء من عنوانها، وفيها تنتهي "شهر زاد" من سرد قصتها إلى "شهريار" في كل ليلة من الليالي؛ عندما تدرك "شهر زاد" الصباح، فتسكت عن الكلام المباح، أي عندما "يصيح" الدِّيك معلنا قدوم الصباح ، وقد عبّر الوامض عن هذا المعنى من خلال الشطر الأوَّل من الومضة ، وفى الشطر الثاني من الومضة يعتمد الوامض على المفارقة تاركا قصص ألف ليلة وليلة إذ يتم التركيز على الدِّيك الذي "تبتسم دجاجته"؛ لأن الدِّيك أسعدها من خلال العلاقة الحميميَّة بين الزَّوجين، فالابتسامة هنا من الدَّجاجة تعني السعادة _ الجنسيَّة _ بالدِّيك الذي أمتعها!.
" جمرات "
(رمى بالحجر؛ ارتد إليه)
هذه الومضة القصصية تحيلنا إلى مناسك الحج عندما يرمى الحجاج سبع حصوات على إبليس اللعين، وفى الشطر الأول من الومضة يرمى أحد الحجاج الحصوات على إبليس، وفى الشطر تأتى المفارقة من خلال ارتداد الحصى إليه مما يعنى أن الشخص الذي رمى الحجر هو شخصية إبليسية شريرة يطلق عليها علماء النفس اسم "الشخصية السيكوباتية"، وهذا النوع من الشخصيات الشريرة "الشَّيطانيَّة" لا يتوانى عن ارتكاب أبشع الجرائم، ومن هنا فإن "الحجر" يرتد إليه"إ
"معارضة"
(أكد الطبيب وفاته، قتلوه)
في هذه الومضة القصصية يسخر فيها الوامض من المعارضة التي تقف في وجه الحقيقة، وفى الشطر الأول من هذه الومضة يؤكد الطبيب للمعارضين أن شخصا قد توفى، وفى الشطر الثاني تأتى المفارقة إذ يتم قتل الطبيب نفسه من المعارضين، والمُعارضة في هذه الومضة المَقصود بها هم الذين يخشون على أنفسهم من إعلان الحقيقة، مما يشير إلى أن المعارضة لا تعترف بقرار الطبيب فتم قتله في مشهد ساخر اعتراضا على الحقيقة التي نطقها؛ إذ لا تتواني _ المُعارضة _ عن القتل في سبيل الباطل!
" ماراثون "
(سقط بعيدا عن خط النهاية؛ بلغها)
هذه الومضة تحيلنا إلى الأولمبياد من خلال كلمة "ماراثون" التي تشير إلى مسابقات العدو الطويلة، وفى الشطر الأول من هذه الومضة نرى متسابقا خرج عن خط النهاية، وتأتى المفارقة في الشطر الثاني من خلال "بلغها "فالبلوغ هنا ليس الوصول" إلى خط النهاية" بل يريد الوامض "عدم الوصول" إلى خط النهاية لأن المتسابق قد سقط بعيدا، فلا يمكن أن يصل إلى النهاية الصحيحة لذلك ذكر لنا الوامض "سقط" كأنه سقوط للبطل التراجيدي في الميثولوجيا الإغريقية.
"تعاطف"
(نزف الجرح؛ اكتفوا بالدعاء)
عندما نقرأ هذه الومضة القصصية يتبين لنا أن العنوان مراوغ؛ لأنه لا يوجد أي تعاطف للذين يقومون بالدُّعاء، فالومضة تسخر من الذين يكتفون بالمشاهدة _ ومصمصة الشفاه وعلامات الإعجاب في القيس بوك _، فعندما تقع حادثة؛ يتطوع الكثيرون ببعض الكلمات للجريح الذي ينزف دما قائلين له: "شد حيلك. لقد أصابنا الحزن" دون محاولة نقل الجريح للمصحة للعلاج، لذلك يسخر الوامض من المُتطفّلين والسَّلبيين الذين يكتفون عادة " بالدُّعاء " مما يجعلنا أمام ومضة رمزية فالذين يكتفون بالدُّعاء هم الشُّعوب العربية التي تكتفي بعبارات "نَشجب ونُدين" دون محاولة الرد على المُعتدين!
"تعفف"
(شهرتهم الأقنعة؛ شهروا بالقناعة)
هذه الومضة القصصية تسخر من الذين يرتدون الأقنعة التي تخفى شخصياتهم الحقيقية وكأنهم ممثلون في إحدى مسرحيات الكاتب الإيطالي الشهير "بيرانديللو" الفائز بجائزة نوبل عام 1934 الذي اشتهر بمسرحياته التي يرتدى فيها الممثلون الأقنعة ليخفوا شخصياتهم، وفى الشطر الأول من الومضة اشتهر من يرتدون الأقنعة، وفى الشطر الثاني تأتى المفارقة فنعرف أنهم شهروا بالقناعة؛ مما يجعلنا أمام شخصيات ترتدي أقنعة القناعة وهم في حقيقة الأمر يخفون شخصياتهم الحقيقية؛ وهم بلا شك بعيدون عن القناعة التي "يشهرونها"!
"استدراك"
(بعد هدوء العاطفة؛ انهمكا في تقدير الخسائر)
هذه الومضة القصصية تذكرني بالميثولوجيا الإغريقية؛ ولعلي أكون النَّاقد الأدبي الوحيد الذي يشير إلى مقارنة هذه الومضة القصصية بملحمة "الأوديسة" لهوميروس فبعد أن تعرض زملاء أوديسيوس للغرق وفقدوا زملاءهم وصلوا إلى الشاطئ منهمكين فناموا ثم أكلوا وبعدها حزنوا على زملائهم وكذلك في هذه الومضة رأينا بعد "العاطفة" أو العاصفة أو الحرب أو الغمة؛ انهمك الطرفان المتنازعان في تقدير الخسائر...
وأرجو أن يلتفت مُدَّعو النَّقد إلى هذه الومضات التي أبدعها الأديب مجدي شلبي، فنحن يهمنا إيصال الإبداع إلى القارئ آملين أن يحوز كتاب "دموع وشموع" على تقدير القارئ والناقد، وتهنئتنا إلى المبدع مجدي شلبي.