ثنائية الوجود والعدم من منظور شعري
مفهوم الوجود عند فحول الشعراء العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية)
اليوم؛ هو محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي (محيي الدين بن
عربي) متصوفاً وشاعراً وفيلسوفاً؛ وهو يتوجه (افتراضيا) نحو المنصة؛ منشدا:
سبحانَ من أوجد الأشياء من عدمٍ *** ومن ثبوتِ وجودٍ غيرِ مختصر
جل الإله فما تُحصى مشاهده *** قد حاز فيه وجودُ العقل والبصر
لأنه يتعالى في نزاهته *** عن العقولِ وعما كان في الفطر
ـ ثم يقول:
لو أن أهل وجودِ الجودِ نالهمُ *** ما نال موسى من الرحمن ما بئسوا
لكنهم بئسوا من ذاك واعتمدوا *** على ظنونهمُ بالجود إذ يئسوا
وذاكَ من أعجبِ الأحوالِ إنَّ لهُ *** حالَ الغنى وهوَ بينَ الناسِ مبتئسُ
ـ فيقول الشاعر المتنبي:
إني نزلت بكذابين ضيفهم ***عن القرى وعن الترحال محدود
جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ *** منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا
الجُودُ
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ *** إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ
نَتْنِهَا عُودُ
ـ فيضيف الشاعر عبد الله الخفاجي:
فَإنْ وَجَدْتُمْ كَمَا أَوْجَدْتُمْ بَدلاً *** فليرضَ كلُّ امرئ منَّا
بمَا وجَدَا
(قد) كانَ أيسرُ ما عندِي لغدركمُ *** أنْ لا أعودَ إلى ناديكمُ أبدَا
ـ ويكمل الشاعر الأقيشر السعدي:
وَسَأَلْتَنِي يَوْمَ الرَّحِيلِ قَصَائِداً *** فَمَلأْتُهُنَّ قَصَائِداً
وَكِتَابَا
إنّي صَدَقْتُكَ إذْ وَجَدْتُكَ كَاذِباً *** وَكَذَبْتَنِي فَوَجَدْتَنِي
كَذَّابَا
وَفَتَحْتُ بَاباً للخِيانَة ِعَامِداً *** لَمّا فَتَحْتَ مِنَ الخِيَانَة
ِبَابَا
ـ ويقول الشاعر جرير:
لا يَستَطيعُ أَخو الصَبابَةِ أَن يُرى *** حَجَراً أَصَمَّ وَلا يَكونَ
حَديدا
إنّي وَجَدَّكِ، لَوْ أرَدْتِ زِيادَة ً *** في الحُبّ عِنْديَ ما وَجَدْتِ
مزِيدَا
ـ فيقول الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
قد وجدت السهد أهدى للأسى *** ووجدت النوم أشجى للحشى
ـ فيضيف الشاعر أحمد شوقي:
لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى *** طَيفٌ يَزورُ بِفَضلِهِ مَهما
سَرى
قد صغَّر البعدُ الوجودَ لنا، فيا *** لله ما أحلى الوجودَ مصغَّرا
في لَيلَةٍ قَدِمَ الوُجودَ هِلالُها *** فَدَنَت كَواكِبُها تُعَلِّمُهُ
السُرى
ـ فيقول الشاعر زكي مبارك:
رجعت إلى مهد الصبابة والهوى *** أسائلُ قلبي عنك في غيبة العتب
ثلاثين يوماً ما التقينا فما الذي *** يروعك من أمرى لتنفر من قربى
أعود إلى الأيام أحصى ذنوبها *** وكل وجود في الوجود إلى ذنب
الا إن أيامي وجودٌ خلقتهُ *** كما يخلق الروض الخصيب من الجدب
ـ فيكمل الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
قد وجدت الخلو صحراء قفرا *** ووجدت الغرام جنات خلد
ـ فيضيف الشاعر المتنبي:
حَتّى دَخَلنا جَنَّةً *** لَو أَنَّ ساكِنَها مُخَلَّد
خَضراءَ حَمراءَ التُرا *** بِ كَأَنَّها في خَدِّ أَغيَد
أحْبَبْتُ تَشْبيهاً لَهَا *** فَوَجَدْتُهُ ما ليسَ يُوجَدْ
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
وجود حقيقيٌّ هو الغيب مطلقُ *** به الكل موجود يلوح فيشرقُ
وهم عدمٌ والانتساب يريكهم *** وجوداً فحقق ما ترى يا محقق
ودع عنك هذا الالتباس فإنه *** على كل عقل حاكم ليس يرفق
ـ فيقول الشاعر المكزون السنجاري:
فَنى وَجودي في وُجودِ الهَوى *** وَزالَ في أَحكامِهِ حَكمي
وَأَصبَحَت ذاتي بِذاتِ الهَوى *** كَالعَرَضِ اللائِحِ في الجِسمِ
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
وجود الشيء شاء يشيءُ شيئاً *** فكان الشيء عن ذاك الوجودِ
فسموا الشيء موجوداً وقالوا *** وجود ذاك ثان في الشهود
وقد قسموا الوجود إلى قديم *** يجلُّ وحادث هو للنفود
ـ فيضيف الشاعر معروف الرصافي:
من أين من أين يا ابتدائي *** ثم إلى أين يا انتهائي
أمن فناء إلى وجود *** ومن وجود إلى فناء
خرجت من ظلمة لأخرى *** فما أمامي وما ورائي
ما زلت من حيرة بأمري *** معانق اليأس والرجاء
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
يا صاحبي في الرخا والضيق *** دم حافظاً لي على المواثيقِ
هذي يدي قد مددتها لك خذ *** عهدي سريعاً بغير تعويق
وجود مثلي وجود تقدير *** وليس هذا وجود تحقيق
أما وجود الإله خالقنا *** فهو الحقيقي لأهل توفيق
وجود حق محقَّقٍ أبداً *** يعرف لكن بمحض تصديق
هذا اعتقاد
الهداة سادتنا *** لا عقد غاوٍ غَوَى وزنديق
ـ فيقول الشاعر المتنبي:
أحْبَبْتُ بِرّكَ إذْ أرَدْتَ رَحيلا *** فوَجَدْتُ أكثرَ ما وَجَدْتُ
قَليلا
ـ فيرد الشاعر أبوالعلاء المعري:
لقدْ وجدتُ وَلاءَ قومٍ سُبّةً، *** فاصرِفْ ولاءَكَ للقديمِ المُوجِد
ـ ويضيف الشاعر عبد الغني النابلسي:
وجود كوني من تجلي الجوادْ *** هذا عطاء ماله من نفادْ
أيقظ الخاطر من غفلة *** وامسح من الأغيار كحل الرقاد
ـ فيضيف الشاعر محيي الدين بن عربي:
لما رأيتُ وجودَ الحقِ من قبلي *** علمتُ أنّ وجودَ النور من عملي
إني وصلتُ إليه بالعناية لم *** أصل إليه بما عندي من الحيل
ـ ويقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
لا تحسبوا الأشياء منه تولدت *** فليس من الحق الأباطل تصدر
وليس وجود من وجود يكون قل *** هو الله واقرأ ما هو المتقرر
فربك لم يولد ولم يلد استمع *** مقالته في الذكر أيان تذكر
وكن مثل ما قد كنت في علمه *** بلا وجود وجود الله لا يتكرر
اقم عاجزاً عنه وآمن به *** ولا تشبِّهه بالمعنى الذي فيه تفكر
ونزهه عن محسوس حسك دائماً *** ومعقول عقل الكل فالله أكبر
ـ ويقول الشاعر محمد الشوكاني:
كَأَنَّ وُجودَ هذا بَعْدَ هذا *** بِرَبْعِ فِنائِنا دَخْلاً وخَرْجا
كِتابُ مُطالِعٍ إن يَطُوِ دَرْجاً *** مِنَ الأَوْرقِ يَنْشُرْ مِنْهُ
دَرْجا
ـ فيضيف الشاعر عبد الغني النابلسي:
إنما وحدة الوجود فنونُ *** وهو قول الإله كن فيكونُ
ليس للكون غيرها من وجود *** كل وقت له بها تكوين
وهي أمر الإله بالخلق يبدو *** مثل ما قاله الكتاب المصون
(إن) الوجود لله لا لل *** خلق والخلق بالوجود يكون
ـ فيقول الشاعر أبو القاسم الشابي:
رتِّل على سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ *** واصْدَحْ بفيْضِ فؤادك المَسْجورِ
وانْشِدْ أناشيدَ الجَمال فإنَّها *** روحُ الوُجودِ وسَلْوَةُ المَقْهورِ
ـ فيفاجئنا الشاعر المكزون السنجاري؛ بقوله:
وُجودٌ بِغَيرِ ثَراءٍ عَدَم *** وَخَمرٌ بِغَيرِ نَديمٍ نَدَم
وَما كاسَ بِالكاسِ غَيرُ اِمرِئٍ *** عَلى الغَمِّ عاوَنَها بِالنَغَم
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
وجود ولا أعني الوجود الذي بدت *** من الكون أشباه له ونظائر
ولكن وجود مطلق عن تقيُّدٍ *** بإطلاقه والكل منه شعائر
وكل وجود مطلق أو مقيد *** بعقل وحس فهو عنه ستائر
ـ ويضيف الشاعر ابن دراج القسطلي:
حسبي رضاك من الدهر الذي عتبا *** وجُودُ كَفَّيْكَ للحَظِّ الَّذِي انْقَلَبا
يا مالِكاً أَصبحَتْ كَفِّي وَمَا مَلَكَتْ *** ومُهْجَتِي وحَياتِي بَعْضَ
مَا وَهَبا
ـ ويقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
لا تقل أوجدنا الله ولا *** أننا وجودُ حقٍّ ذو حدود
نحن يا ابن اليوم شيء *** هالك من قديم للفنا فيه عهود
جل وجهُ الله أن نشركه *** بوجود أو بقاء أو صمود
نحن كالبرق سريعاً نختفي *** ثم نبدو لمحةً ثم نعود
ـ ثم يضيف:
شف ثوب الكائنات *** عن وجود الحق
فوجود الحق ذات *** من وراء الخلق
فانزعوا الثوب الرفات *** قبل أن ينشق
واشربوا ماء الحياة *** أنه قد رق
ـ فيقول الشاعر أبو زيد الفازازي:
لزمتُ مختتماً من شكر مِنَّتِهِ *** لزوم غيري شكراً غير مختتم
حرمتُ شكر سواه وانفردتُ به *** من عاين الصبح لم يجنح إلى الظُلَم
حدُّ الوجود به صحَّت حقيقتُهُ *** وكم وجودٍ إذا حققت كالعدم
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
أنا كلي منك إنعامٌ وجودْ *** صور تبدو وتخفى ووجودْ
هذه جملة أمر واحد *** لا سواه عند غيب وشهود
فرِّغِ القلبَ له من غيره *** واجتليه بركوع وسجود
ـ ويضيف:
قابلت نعماك بالسجود *** للّهِ مِنْ عَطْفَةٍ وجُودِ
ولم أجِدْ لِلْحَياةِ عُدْماً *** وفي وجودِ الرّضى وجودِي
قَد وَصّل الأمْن والأمانيَّ *** بعد المُجَافَاة والصُّدودِ
ـ فيقول الشاعر حفني ناصف:
إلى متى الإنسان لا يرعوي *** عن التمادي في جهالاتهِ
يرى وجودَ الخلق من أجلهِ *** والكونَ مخلوقاً لمرضاته
وهو كليل العزم أوهَى القوى *** مستضعف الهمة في ذاتهِ
وبعض ما يرميه بالضعف قد *** يعجز حتماً عن مباراته
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي
بنى الكل ثم لهم قد هدم *** وجود له
صورٌ من عدَمْ
تجلَّى فلا شيء غير الذي *** أحاط به علمه من قدم
ـ ويقول الشاعر ابن الجزري:
ولم تختلف آراؤنا مع وجوده *** على عدم البؤس الأشد المصائب
فإن امتزاج الماء بالنار ناقل *** طبائعها للاعتدال المناسب
ـ فيضيف الشاعر عبد الغني النابلسي:
اشرب من العينْ لا تشرب من الكاس *** حتى تحقق وجود الطاعم الكاسي
يا من فُتِنْ في الهوى بالسالف الآسِ *** اطلب لدائكْ دوا شافي من الآسي
ـ فيقول الشاعر الأمير الصنعاني:
بحر علم وبحر وجود فرِدْ ما *** شئت تظفر يداك بالأرزاق
يا خليلي بل سيدي ونصيري *** وشريكي في طيب الأعراق
لست أشكو إليك غير فراق *** طال بيني وبينكم يا رفاقي
ـ فيضيف الشاعر صفي الدين الحلي:
إِنّي تَرَكتُ الناسَ حينَ وَجَدتُهُ *** تَركَ التَيَمُّمِ في وُجودِ
الماءِ
أَقبَلتُ نَحوَكَ في سَوادِ مَطالِبي *** حَتّى أَتَتني بِاليَدِ البَيضاءِ
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
شموس الجمال تزيل الظلم *** وتهدي إلى الحق أهل الهمم
وعشقي هو الخمر والقرقفُ *** لأهل القلوب بحور الكرمْ
ـ فيضيف الشاعر عمر اليافي:
طبت لي يا بدر مجلى *** مذ غدا قلبي سماك
كلّ حسنٍ لاح يُجلَى *** مستعارٌ من سناك
وبه القلب المتيّم *** غاب وجداً عن وجود
وشدا من مات قتلاً *** في الهوى روحي فداك
ـ فيقول الشاعر نزار قباني:
كم ذهبت لوعد لا وجود له *** وكم حلمت بأثواب سأشريها
وكم تمنيت لو للرقص تطلبني *** وحيرتني ذراعي أين ألقيها
ارجع إلي فإن الأرض واقفة *** كأنما فرت من ثوانيها
ـ فيختتم الشاعر زكي مبارك ندوتنا
(الافتراضية)؛ منشدا:
شاعر البحر إلى البحر يعود *** بالهوى المشبوب والروح المريد
إن هذا اللحن من هذا النشيد *** هو للبحر وجودٌ وخلود
وطن الروم وبحر العرب *** قد ملكناه بسيف الأدب
إن يقل يوماً هنا كان أبي *** قلت مجد الشعر فوق النسب
قصائدٌ هي أمواجٌ مؤججةُ *** وأبحر من صبابات وأشجان
جنية البحر لو أصغت لنا برزت *** وأسلمت خدها للشاعر الجاني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/09/01/531320.html