الاثنين، 31 مارس 2014

مفهوم الوجود عند فحول الشعراء العرب ـ بقلم/ مجدي شلبي

 ثنائية الوجود والعدم من منظور شعري

مفهوم الوجود عند فحول الشعراء العرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم/ مجدي شلبي (*)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ هو محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي (محيي الدين بن عربي) متصوفاً وشاعراً وفيلسوفاً؛ وهو يتوجه (افتراضيا) نحو المنصة؛ منشدا:

سبحانَ من أوجد الأشياء من عدمٍ *** ومن ثبوتِ وجودٍ غيرِ مختصر

جل الإله فما تُحصى مشاهده *** قد حاز فيه وجودُ العقل والبصر

لأنه يتعالى في نزاهته *** عن العقولِ وعما كان في الفطر

ـ ثم يقول:

لو أن أهل وجودِ الجودِ نالهمُ *** ما نال موسى من الرحمن ما بئسوا

لكنهم بئسوا من ذاك واعتمدوا *** على ظنونهمُ بالجود إذ يئسوا

وذاكَ من أعجبِ الأحوالِ إنَّ لهُ *** حالَ الغنى وهوَ بينَ الناسِ مبتئسُ

ـ فيقول الشاعر المتنبي:

إني نزلت بكذابين ضيفهم ***عن القرى وعن الترحال محدود

جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ *** منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ

ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ *** إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ

ـ فيضيف الشاعر عبد الله الخفاجي:

فَإنْ وَجَدْتُمْ كَمَا أَوْجَدْتُمْ بَدلاً *** فليرضَ كلُّ امرئ منَّا بمَا وجَدَا

(قد) كانَ أيسرُ ما عندِي لغدركمُ *** أنْ لا أعودَ إلى ناديكمُ أبدَا

ـ ويكمل الشاعر الأقيشر السعدي:

وَسَأَلْتَنِي يَوْمَ الرَّحِيلِ قَصَائِداً *** فَمَلأْتُهُنَّ قَصَائِداً وَكِتَابَا

إنّي صَدَقْتُكَ إذْ وَجَدْتُكَ كَاذِباً *** وَكَذَبْتَنِي فَوَجَدْتَنِي كَذَّابَا

وَفَتَحْتُ بَاباً للخِيانَة ِعَامِداً *** لَمّا فَتَحْتَ مِنَ الخِيَانَة ِبَابَا

ـ ويقول الشاعر جرير:

لا يَستَطيعُ أَخو الصَبابَةِ أَن يُرى *** حَجَراً أَصَمَّ وَلا يَكونَ حَديدا

إنّي وَجَدَّكِ، لَوْ أرَدْتِ زِيادَة ً *** في الحُبّ عِنْديَ ما وَجَدْتِ مزِيدَا

ـ فيقول الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:

قد وجدت السهد أهدى للأسى *** ووجدت النوم أشجى للحشى

ـ فيضيف الشاعر أحمد شوقي:

لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى *** طَيفٌ يَزورُ بِفَضلِهِ مَهما سَرى

قد صغَّر البعدُ الوجودَ لنا، فيا *** لله ما أحلى الوجودَ مصغَّرا

في لَيلَةٍ قَدِمَ الوُجودَ هِلالُها *** فَدَنَت كَواكِبُها تُعَلِّمُهُ السُرى

ـ فيقول الشاعر زكي مبارك:

رجعت إلى مهد الصبابة والهوى *** أسائلُ قلبي عنك في غيبة العتب

ثلاثين يوماً ما التقينا فما الذي *** يروعك من أمرى لتنفر من قربى

أعود إلى الأيام أحصى ذنوبها *** وكل وجود في الوجود إلى ذنب

الا إن أيامي وجودٌ خلقتهُ *** كما يخلق الروض الخصيب من الجدب

ـ فيكمل الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:

قد وجدت الخلو صحراء قفرا *** ووجدت الغرام جنات خلد

ـ فيضيف الشاعر المتنبي:

حَتّى دَخَلنا جَنَّةً *** لَو أَنَّ ساكِنَها مُخَلَّد

خَضراءَ حَمراءَ التُرا *** بِ كَأَنَّها في خَدِّ أَغيَد

أحْبَبْتُ تَشْبيهاً لَهَا *** فَوَجَدْتُهُ ما ليسَ يُوجَدْ

ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

وجود حقيقيٌّ هو الغيب مطلقُ *** به الكل موجود يلوح فيشرقُ

وهم عدمٌ والانتساب يريكهم *** وجوداً فحقق ما ترى يا محقق

ودع عنك هذا الالتباس فإنه *** على كل عقل حاكم ليس يرفق

ـ فيقول الشاعر المكزون السنجاري:

فَنى وَجودي في وُجودِ الهَوى *** وَزالَ في أَحكامِهِ حَكمي

وَأَصبَحَت ذاتي بِذاتِ الهَوى *** كَالعَرَضِ اللائِحِ في الجِسمِ

ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

وجود الشيء شاء يشيءُ شيئاً *** فكان الشيء عن ذاك الوجودِ

فسموا الشيء موجوداً وقالوا *** وجود ذاك ثان في الشهود

وقد قسموا الوجود إلى قديم *** يجلُّ وحادث هو للنفود

ـ فيضيف الشاعر معروف الرصافي:

من أين من أين يا ابتدائي *** ثم إلى أين يا انتهائي

أمن فناء إلى وجود *** ومن وجود إلى فناء

خرجت من ظلمة لأخرى *** فما أمامي وما ورائي

ما زلت من حيرة بأمري *** معانق اليأس والرجاء

ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

يا صاحبي في الرخا والضيق *** دم حافظاً لي على المواثيقِ

هذي يدي قد مددتها لك خذ *** عهدي سريعاً بغير تعويق

وجود مثلي وجود تقدير *** وليس هذا وجود تحقيق

أما وجود الإله خالقنا *** فهو الحقيقي لأهل توفيق

وجود حق محقَّقٍ أبداً *** يعرف لكن بمحض تصديق

هذا اعتقاد الهداة سادتنا *** لا عقد غاوٍ غَوَى وزنديق

ـ فيقول الشاعر المتنبي:

أحْبَبْتُ بِرّكَ إذْ أرَدْتَ رَحيلا *** فوَجَدْتُ أكثرَ ما وَجَدْتُ قَليلا

ـ فيرد الشاعر أبوالعلاء المعري:

لقدْ وجدتُ وَلاءَ قومٍ سُبّةً، *** فاصرِفْ ولاءَكَ للقديمِ المُوجِد

ـ ويضيف الشاعر عبد الغني النابلسي:

وجود كوني من تجلي الجوادْ *** هذا عطاء ماله من نفادْ

أيقظ الخاطر من غفلة *** وامسح من الأغيار كحل الرقاد

ـ فيضيف الشاعر محيي الدين بن عربي:

لما رأيتُ وجودَ الحقِ من قبلي *** علمتُ أنّ وجودَ النور من عملي

إني وصلتُ إليه بالعناية لم *** أصل إليه بما عندي من الحيل

ـ ويقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

لا تحسبوا الأشياء منه تولدت *** فليس من الحق الأباطل تصدر

وليس وجود من وجود يكون قل *** هو الله واقرأ ما هو المتقرر

فربك لم يولد ولم يلد استمع *** مقالته في الذكر أيان تذكر

وكن مثل ما قد كنت في علمه *** بلا وجود وجود الله لا يتكرر

اقم عاجزاً عنه وآمن به *** ولا تشبِّهه بالمعنى الذي فيه تفكر

ونزهه عن محسوس حسك دائماً *** ومعقول عقل الكل فالله أكبر

ـ ويقول الشاعر محمد الشوكاني:

كَأَنَّ وُجودَ هذا بَعْدَ هذا *** بِرَبْعِ فِنائِنا دَخْلاً وخَرْجا

كِتابُ مُطالِعٍ إن يَطُوِ دَرْجاً *** مِنَ الأَوْرقِ يَنْشُرْ مِنْهُ دَرْجا

ـ فيضيف الشاعر عبد الغني النابلسي:

إنما وحدة الوجود فنونُ *** وهو قول الإله كن فيكونُ

ليس للكون غيرها من وجود *** كل وقت له بها تكوين

وهي أمر الإله بالخلق يبدو *** مثل ما قاله الكتاب المصون

(إن) الوجود لله لا لل *** خلق والخلق بالوجود يكون

ـ فيقول الشاعر أبو القاسم الشابي:

رتِّل على سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ *** واصْدَحْ بفيْضِ فؤادك المَسْجورِ

وانْشِدْ أناشيدَ الجَمال فإنَّها *** روحُ الوُجودِ وسَلْوَةُ المَقْهورِ

ـ فيفاجئنا الشاعر المكزون السنجاري؛ بقوله:

وُجودٌ بِغَيرِ ثَراءٍ عَدَم *** وَخَمرٌ بِغَيرِ نَديمٍ نَدَم

وَما كاسَ بِالكاسِ غَيرُ اِمرِئٍ *** عَلى الغَمِّ عاوَنَها بِالنَغَم

ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

وجود ولا أعني الوجود الذي بدت *** من الكون أشباه له ونظائر

ولكن وجود مطلق عن تقيُّدٍ *** بإطلاقه والكل منه شعائر

وكل وجود مطلق أو مقيد *** بعقل وحس فهو عنه ستائر

ـ ويضيف الشاعر ابن دراج القسطلي:

حسبي رضاك من الدهر الذي عتبا *** وجُودُ كَفَّيْكَ للحَظِّ الَّذِي انْقَلَبا

يا مالِكاً أَصبحَتْ كَفِّي وَمَا مَلَكَتْ *** ومُهْجَتِي وحَياتِي بَعْضَ مَا وَهَبا

ـ ويقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

لا تقل أوجدنا الله ولا *** أننا وجودُ حقٍّ ذو حدود

نحن يا ابن اليوم شيء *** هالك من قديم للفنا فيه عهود

جل وجهُ الله أن نشركه *** بوجود أو بقاء أو صمود

نحن كالبرق سريعاً نختفي *** ثم نبدو لمحةً ثم نعود

ـ ثم يضيف:

شف ثوب الكائنات *** عن وجود الحق

فوجود الحق ذات *** من وراء الخلق

فانزعوا الثوب الرفات *** قبل أن ينشق

واشربوا ماء الحياة *** أنه قد رق

ـ فيقول الشاعر أبو زيد الفازازي:

لزمتُ مختتماً من شكر مِنَّتِهِ *** لزوم غيري شكراً غير مختتم

حرمتُ شكر سواه وانفردتُ به *** من عاين الصبح لم يجنح إلى الظُلَم

حدُّ الوجود به صحَّت حقيقتُهُ *** وكم وجودٍ إذا حققت كالعدم

ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

أنا كلي منك إنعامٌ وجودْ *** صور تبدو وتخفى ووجودْ

هذه جملة أمر واحد *** لا سواه عند غيب وشهود

فرِّغِ القلبَ له من غيره *** واجتليه بركوع وسجود

ـ ويضيف:

قابلت نعماك بالسجود *** للّهِ مِنْ عَطْفَةٍ وجُودِ

ولم أجِدْ لِلْحَياةِ عُدْماً *** وفي وجودِ الرّضى وجودِي

قَد وَصّل الأمْن والأمانيَّ *** بعد المُجَافَاة والصُّدودِ

ـ فيقول الشاعر حفني ناصف:

إلى متى الإنسان لا يرعوي *** عن التمادي في جهالاتهِ

يرى وجودَ الخلق من أجلهِ *** والكونَ مخلوقاً لمرضاته

وهو كليل العزم أوهَى القوى *** مستضعف الهمة في ذاتهِ

وبعض ما يرميه بالضعف قد *** يعجز حتماً عن مباراته

ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي

بنى الكل ثم لهم قد هدم *** وجود له صورٌ من عدَمْ

تجلَّى فلا شيء غير الذي *** أحاط به علمه من قدم

ـ ويقول الشاعر ابن الجزري:

ولم تختلف آراؤنا مع وجوده *** على عدم البؤس الأشد المصائب

فإن امتزاج الماء بالنار ناقل *** طبائعها للاعتدال المناسب

ـ فيضيف الشاعر عبد الغني النابلسي:

اشرب من العينْ لا تشرب من الكاس *** حتى تحقق وجود الطاعم الكاسي

يا من فُتِنْ في الهوى بالسالف الآسِ *** اطلب لدائكْ دوا شافي من الآسي

ـ فيقول الشاعر الأمير الصنعاني:

بحر علم وبحر وجود فرِدْ ما *** شئت تظفر يداك بالأرزاق

يا خليلي بل سيدي ونصيري *** وشريكي في طيب الأعراق

لست أشكو إليك غير فراق *** طال بيني وبينكم يا رفاقي

ـ فيضيف الشاعر صفي الدين الحلي:

إِنّي تَرَكتُ الناسَ حينَ وَجَدتُهُ *** تَركَ التَيَمُّمِ في وُجودِ الماءِ

أَقبَلتُ نَحوَكَ في سَوادِ مَطالِبي *** حَتّى أَتَتني بِاليَدِ البَيضاءِ

ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:

شموس الجمال تزيل الظلم *** وتهدي إلى الحق أهل الهمم

وعشقي هو الخمر والقرقفُ *** لأهل القلوب بحور الكرمْ

ـ فيضيف الشاعر عمر اليافي:

طبت لي يا بدر مجلى *** مذ غدا قلبي سماك

كلّ حسنٍ لاح يُجلَى *** مستعارٌ من سناك

وبه القلب المتيّم *** غاب وجداً عن وجود  

وشدا من مات قتلاً *** في الهوى روحي فداك

ـ فيقول الشاعر نزار قباني:

كم ذهبت لوعد لا وجود له *** وكم حلمت بأثواب سأشريها

وكم تمنيت لو للرقص تطلبني *** وحيرتني ذراعي أين ألقيها

ارجع إلي فإن الأرض واقفة *** كأنما فرت من ثوانيها

ـ فيختتم الشاعر زكي مبارك ندوتنا (الافتراضية)؛ منشدا:

شاعر البحر إلى البحر يعود *** بالهوى المشبوب والروح المريد

إن هذا اللحن من هذا النشيد *** هو للبحر وجودٌ وخلود

وطن الروم وبحر العرب *** قد ملكناه بسيف الأدب

إن يقل يوماً هنا كان أبي *** قلت مجد الشعر فوق النسب

قصائدٌ هي أمواجٌ مؤججةُ *** وأبحر من صبابات وأشجان

جنية البحر لو أصغت لنا برزت *** وأسلمت خدها للشاعر الجاني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/09/01/531320.html