الصراع
الأزلي بين الخير والشر من منظور شعري
بقلم/ مجدي شلبي (*)

يزيدُ سامِعَها تكرارُها شغَفا *** بها وكم جلب التكرير من سأم
ويؤكد المعنى الشاعر ابن حيوس:
ولا تكرَّرُ في سمعٍ فيحدثَ منْ *** تَكْرَارِهَا ضَجَرٌ مِنْهَا وَلاَ مَلَلُ
إلا أن الذي شجعني لخوض غمار التجربة؛ هو قول الشاعر ابن نباتة المصري:
معظمة المعنى يكرر لفظها *** فيحلو نباتيّ الكلامِ المكرر
يحلو اذا كررته وحسبكم *** بالسكر
المصري حين يكرر
ومن ثم سيقتصر كلامنا على: رؤية
بعض كبار الشعراء في (الخير والشر) طبقا لما أوردوه في أشعارهم من وصف؛ متمثلا قول
الشاعر جبران خليل جبران:
وكوصفه الوصف الذي *** عن رؤية الرائي ينوب
وهاهم الشعراء يتحفزون للإدلاء بدلوهم في
هذا الموضوع الهام، ويسرع الخطى الآن الشاعر جبران خليل جبران، رافعا شعار (في
الخير عجل، وفي الشر أجل)؛ فيقول:
فالخير كل الخير يفه مقبلا *** والشر كل الشر أن يتخلفا
ويقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
إن خيرَ الأنام من *** عجل الخيرَ إنْ قصدْ
ويقول الشاعر البرعي:
الخيرُ أنفعهُ للناسِ أعجلهُ *** لا خيرَ في كلِّ خيرٍ فيهِ تأجيلُ
ويقول الشاعر أبو تمام:
ولا شكَّ أنَّ الخيرَ منكَ سجية ٌ *** ولكنَّ خيرَ الخيرِ عندي المُعجَّلُ
هنا يعترض الشاعر أحمد محرم
على ما ورد في الشطر الأول من بيت أبو تمام؛ معلنا أن الخير من (السجية: الصفة الفطريّة
في الإنسان)؛ بل هو من الصفات المكتسبة بالاعتياد، أي أن النفس إذا عودتها الخير
اعتادت، وإذا عودتها الشر اعتادت؛ فيقول:
وعودنا خلال الخير إني *** رأيت الخير والشر اعتيادا
فيأتي الشاعر عبدالغفار الأخرس مؤيدا لأبو تمام؛ معلنا:
ما الجود والمعروف إلاّ سجيّة *** يزين بها الباري سجايا الأكارم
فيحاول الشاعر جبران خليل جبران تهدئتهم؛ بقوله:
خطر (الأحبة) أن يباعد (بينهم) *** والخير كل الخير في التقريب
فيحييه الشاعر أحمد شوقي على سعيه؛ قائلا:
يا أخي ـ والذخرُ في الدنيا أَخٌ ـ *** حاضرُ الخيرِ على الخير أَعانا
ما تصنع اليومَ من خيرٍ تجده غداً *** الخيرُ والشرُّ مثقالٌ بمثقال
فأومأ الشاعر أحمد محرم برأسه إيجابا؛ وقال:
دار الصنائع خير دارٍ تبتنى *** فالله يجزي الخير من يبنيها
وعلى طريقة (الخيرة فيما اختار الله) يضيف:
فما وجدوه إلا الخير محضا *** ولا اختاروه إلا موقنينا
فيبتسم الشاعر البحتري ابتسامة رضا، معلنا أهمية وجود أعوان للخير؛ فيقول:
لمِ يَنْكِلُوا عَنْ فِعَالِ الخَيْرِ أَجْمَعَهُ *** إِنْ لَمْ يُصِيبُوا
عَلَى الخَيْرَاتِ أَعْوَانا
فيشكو الشاعر أسامة بن منقذ حاله إليهم:
قد أَفْرَدْتنِي الحادثاتُ، فَليس لي *** أنيسٌ، ولا في طَارِقِ الخطبِ
أعوانُ
فيهمهم الشاعر
مهيار الديلمي قائلا:
و أغلبُ ما
أتاك الشرُّ ممن *** تذبّ الشرَّ عنه أو تذودُ
ويضيف الشاعر ابن المعتز:
وإخوة شرٍّ قد حرَثتُ إخاءَهم، *** فكانوا لفرسِ الودّ شرَّ بقاعِ
ويقول الشاعر محمد إقبال بمرارة:
سطوة القوة تحلى ما أمر *** إن تقل للخير شر فهو شر
ويصرخ الشاعر ابن الزقاق البلنسي؛ مؤكدا:
رب أنس كنت من أعوانه *** وهو من أعظم أعوان الغموم
فيصف الشاعر أبو نواس هذا المعين على الشر:
لهُ مِنْ جنْدِ إبْليسَ، *** على الفِتْنَة، أعوانُ
فيسرع الشاعر الشريف الرضي، موضحا أن خير معين هو الله:
اذا لم يعنك الله يوماً بنصرة *** فاكبر أعوان عليك الأقارب
فيؤيده الشاعر ابن دارج القسطلي:
وقد علموا يا مستعين بأنهم *** لربهم لما أعانوك أعوان
ومن فاعل الخير وأعوانه إلى
الدالين عليه؛ فيستبشر الشاعر إبراهيم ناجي خيرا، بقول رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم: (من دلَّ على خير، فله أجر فاعله)؛
فيقول:
(لقد) رأيت الخير في (قوله) *** يحمل لي الخير وبشراهُ
فيوضح الشاعر أبوالعلاء المعري أن العكس بالعكس أيضا:
وإنْ دُلِلْتَ على شَرٍّ لِتأتِيَهُ، *** فأنتَ منهُ، على ما ساءَ، مَدْلول
فيهلل الشاعر
أبو العتاهية ويكبر:
ا طالِبَ
الخيرِ ابشرْ واستعدَّ لهُ *** فالخيرُ أجمعُ عند اللهِ مأمولُ
وهنا أومأ الشاعر جبران خليل
جبران برأسه إيجابا، مشيرا إلى القول الشائع (اعمل الخير ولا تلقه في البحر، بل
احتسبه عن الله):
والق ما قدمت يداك من الخير *** فعند الرحمن خير الجزاء
ويقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
فافعَلِ الخيرَ إن جَزاكَ الفتى عنـ *** ـه، وإلاّ فاللَّهُ، بالخَيرِ، جاز
ويقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
وأعكفُ على كلِّ خيرٍ أنتَ فاعلُه *** فإنما الخيرُ في التشريعِ بالدينِ
فتظهر على الشاعر أبو العلاء المعري حالة من عدم الرضا؛ فيسألونه عما ألم
به؟؛ فيجيب:
يئستُ من اكتِسابِ الخَيرِ لمّا *** رأيتُ الخَيرَ وُفّرَ للشِّرار
فيرد عليه الشاعر أبو العتاهية معلنا أن (العبرة بالخواتيم):
ليسَ كُلُّ الخيرِ يأْتِي عَجَلاً *** إنّما الخَيرُ حُظوظٌ ودَرَجْ
ويقول الشاعر أحمد شوقي مهدئا روعه:
يا قلبُ، لا تجزع لحادثة (الشر) *** واصبر ، فما للحادثاتِ دوام
هنا يفتخر الشاعر عمر ابن أبي ربيعة بما تحقق له من دوام ود حتى بعد أن بلى
ود من سبقوا:
بلي كلُّ ود كانَ في الناس قبلنا، *** وودي لا يبلى ولا يتغير
فيحييه الشاعر أبو العتاهية؛ قائلا:
خيرُ أيَّامِ الفتَى يومٌ نَفَعْ *** وَاصطِناعُ الخَيرِ أبْقَى ما صَنَعْ
ويضيف الشاعر ابن الرومي:
الخيرُ مَصْنوعٌ بصانِعِهِ *** فمَتَى صنعْتَ الخيرَ أعقبكا
هنا أشار الشاعر جبران خليل جبران بحكمة بليغة إلى كل من ينتظر خيرا مقابلا
لخيره:
باشروا الخير يدفع الشر عنكم *** إنما الخير عصمة وسلام
ويقول الشاعر ابن الرومي:
علمتك فيك الخيرُ والشرُّ كلُّه *** وكلك خيرٌ عندَ منَ يتفهم
ويقول الشاعر بدوي الجبل:
معدن الخير و الجمال المصفّى *** وجهك الخيّر الكريم الجميل
ويقول الشاعر النابغة الشيباني:
يزيدَ الخَيْرِ وهو يزيدُ خيراً *** وينمي كُلَّما ابتُغِيَ النماءُ
فيشير الشاعر حيدر بن سليمان الحلي إلى أحدهم؛ قائلا:
هو في الخير من قديم الليالي *** خيرُ من قد مشت به قدمان
فيوافقه الشاعر عبدالغفار الأخرس مضيفا، أن الهداية إلى الخير من الله:
فاستهدهِ في كلّ خير *** إنَّه في الخير أهدى
ويحدد الشاعر محيي الدين بن عربي طريق طاعة الله، باعتباره الطريق الموصل
إلى الخير:
أعرض عن الخير ما استطعتا *** فالخيرُ يأتيكَ إن أطعتا
ويضيف الشاعر عدي بن زيد:
إِذا ما رَأَيتَ الشَرَّ يَبعَثُ أَهلَهُ *** وَقامَ جُناةُ الشَرِّ
بِالشَرِّ فَاِقعُدِ
وحينئذ يقول
الشاعر ابن شهاب:
أنت المهذب لم
يزاحمك أمرؤٌ *** فيما حويت من الفخار ولا ادّعى
ويضيف الشاعر الفرزدق:
وَأنْتَ امرُؤٌ إنْ تُسْألِ الخَيرَ تُعطِه *** جَزِيلاً، وَإنْ تَشفَعْ
تكنْ خيرَ شافعِ
فيقول الشاعر ابن الرومي:
تلك خير لعارف الخير مما *** يجمع الناس من فضول الثراء
فيضيف الشاعر طرفة بن العبد:
الخيرُ خيرٌ وإنْ طالَ الزّمانُ به *** والشّرُّ أخبثُ ما أوعيتَ من زادِ
ويقول الشاعر ابن المعتز:
بَني عَمّنا أيقَظتُمُ الشرَّ بَينَنَا، *** فكانتْ إليكم عدوة َ الشرّ
أعجلا
ويقول الشاعر ابن الرومي:
والشَّرُّ مفعولٌ بفاعِلِهِ *** فمتى فعلْتَ الشر أعطبكا
ويقرر الشاعر بشار بن برد؛ أن هؤلاء الأشرار:
أَجِدَّهُم لا يتقُون دَنِيَّة *** ولا يؤثرون الخير والخيْر يؤثر
ويصف الشاعر علي
بن الجهم أحد هؤلاء
الأشرار؛ بقوله:
إِذا قايَستَهُ
بِشَريرِ قَومٍ *** تَناهى الشَرُّ وَاِنقَطَعَ القِياسُ
ويصف الشاعر ابن الرومي الشرير؛ بقوله:
فلصدرِهِ من ذاك شرُّ بِطانة *** ولقلبه من ذاك شر سُعار
ـ فكيف ستتعاملون أيها الشعراء مع أمثال
هؤلاء الأشرار؟:
ـ أجاب الشاعر ابن الرومي:
أؤدي إن فعلت الخير خيراً *** إليك وإن فعلت الشر شرا
فيوافقه الشاعر الشريف المرتضى الرأي:
فللخيرِ إنْ آثرتمُ الخيرَ موضعٌ *** وللشّرِّ إنْ أحببتمُ الشّرَّ موقفُ
ويضيف الشاعر أبو إسحاق الألبيري:
أجزى الخير إن قدمت خيرا *** وشرا إن جزيت على اجتراحي
فأومأ الشاعر ابن الرومي برأسه إيجابا:
بلى بجزاءِ الشرِّ بالشر ماهرٌ *** ولستَ تُجازي مُحسناً ببلاء
فذكر الشاعر علي بن الجهم:
قالَت هُجينا قُلتُ قَد كانَ بَعضُ ما *** ذَكَرتِ لَعَلَّ الشَرَّ يُدفَعُ
بِالشَرِّ
غير أن الشاعر ابن شهيد له رأي آخر:
لا اقارض جهالا بجهلهم *** والأمر أمري والأيام أعوان
فوجه الشاعر
أحمد محرم سؤالا للشاعر ثابت بن جابر: ماذا لو:
ولى بشير الخير
معرضاً *** وقام نذير الشر بالشر ينعب
فأجابه على
الفور:
لا أتَمَنَّى الشَّرَّ والشَّرُّ تَارِكِي *** ولكن متى أُحمل على الشَّرِّ
أركبِ
ويضيف الشاعر
المتنبي:
وما ذاكَ
بُخْلاً بالنّفُوسِ على القَنَا *** وَلَكِنّ صَدْمَ الشّرّ بالشّرّ أحزَمُ
ويقول الشاعر أبو
فراس الحمداني:
عَرَفْتُ
الشّرَّ لا لِلشّرِّ *** لَكِنْ لِتَوَقّيهِ
فينقلنا الشاعر أبوالعلاء المعري إلى
ظاهرة (ادعاء الخير) التي يتبناها البعض؛ فيقول متهكما:
قد ادّعى
النُّسكَ أقوامٌ، بزَعمِهمُ، *** وكيفَ نُسكُ غَويٍّ رُمحُه وَرِس
كم ادّعى
الطُّهر ناسٌ، ثمّ كشّفهمْ *** مَرُّ الزّمانِ، فكانَ القومُ أرجاسا
فيضيف الشاعر عبد الغفار الأخرس:
إذا ادعى الشرف
السامي تفرُّدكم *** في المجد أظهر في دعواه برهانا
فيؤكد المعنى الشاعر
جبران خليل جبران:
رجل إذا ما شاد
شاد متمما *** وإذا ادعى دعوى أقام دليلا
ثم يضيف يائسا:
من ادّعى
الخيرَ من قومٍ، فهم كُذُبٌ، *** لا خيرَ، في هذه الدنيا، ولا خِيَرُ
فيطالبه الشاعر
الشريف المرتضى
بألا يدفعه اليأس إلى تقدير البلاء قبل وقوعه:
ولا تعدانى
الشّرَّ قبلَ نزولهِ *** فإنّ انتظارَ الشّرّ أدهى وأعضلُ
فيعترض الشاعر
ابن الرومي، موضحا أن الشر قد وقع، ويقرر:
لا أنادي من
ادّعى صمما *** قوَّمَتني غير قيمتي غلطاً
فيهدئ الشاعر أحمد شوقي من روعه؛ قائلا:
فيما دهاك لو اطَّلعتَ رضًى *** شرٌّ أخفُّ عليك من شرّ
ويطمئنه الشاعر
سبط ابن التعاويذي؛ فلربما:
ولَّتْ سحابة ُ
ذاكَ الشرِّ مُقلِعة ً *** عنّا وعادَ رَماداً ذلكَ الشرَرُ
وتأتي بعض وصايا لقمان لابنه خير خاتمة
لهذا المقال: "يا بني: اعتزل الشر
يعتزلك؛ فإن الشر للشر خلق."، "يا بني: كذب من قال إن الشّر بالشّر يُطفأ،
فإن كان صادقًا فليوقد نارين، ولينظر هل تُطفئ إحداهما الأخرى، و إنّما يُطفئ
الخير الشّر كما يُطفئ الماء النار".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/06/18/525498.html
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/06/18/525498.html