مفهوم الإقصاء (الإبعاد) عند فحول الشعراء العرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ هو علي بن الحسين بن حيدرة بن محمد بن عبد الله بن محمد العقيلي، المعروف بـ
(الشاعر الشريف العقيلي)، وهو مصري المولد؛ (ولد في مدينة الفسطاط، التي بناها
عمرو بن العاص عقب فتح مصر)، وقد اشتهر شاعرنا بإجادته التشبيهات والاستعارات البيانية، ويظهر هذا جليا في قوله:
ولمّا أقلعت سفنُ المطايا *** بريحِ الوجدِ في لُججِ السرابِ
جرى نظري وراءهمُ إلى أن *** تكسّر بين أمواجِ الهضابِ
وهو يتجه الآن (افتراضيا)
نحو المنصة، للمشاركة في ندوة اليوم؛ منشدا:
يا أَخي مِن رِضاعِ ثَديِ الإِخاءِ *** لا تُكَدِّرُ بِالغَدرِ صَفوَ
الوَفاءِ
آنَ أَن يُثمِرَ العِتابُ اِغتِفارا *** في رِياضِ الأَقصاءِ لِلإِقصاءِ
ـ فيقول الشاعر الهبل:
منْ يكنْ ذا صلاحٍ في عقيدتِهِ *** فإنما حظُّهُ طردٌ وإقصاءُ
إنْ تَسْتمِحْ قيل كلٌّ في السّؤال وإنْ *** عاتبتَ قيل بذيّ القول هجّاءُ
كم قد مَدَحْنا فما أجَدتْ مدائِحنا *** لأنّهم إنّما يعطون من شاؤوا
ـ فيكمل الشاعر الشريف العقيلي:
يا أَخاً لا يُمِرُّ حُلوَ الإِخاءِ *** بِهِجاءٍ مِنهُ وَلا إِقصاءِ
سَيَما وَالسَماءُ تَجلو عَلَينا *** نَفسَها في غِلالَةٍ دَكناءِ
ـ فيضيف الشاعر أبوالعلاء المعري:
وَلَو كانَ عَقلُ النَفسِ في الجِسمِ كامِلاً *** لَما أَضمَرَت فيما
يُلَمُّ بِها غَمّا
متى يُوِلكَ المرءُ الغَريبُ نَصيحَةً، *** فلا تُقصِه، واحبُ الرّفيقَ،
وإن ذمّا
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
ما تقصَّيتَ ما لديَّ ولا استقْـ *** ـصيتَ فاجعل إقصاءَكَ استقصاءَ
وارعَ لي حُرمةَ المودَّةِ والخد *** مةِ والمدحِ تُعْجِبِ الكرماءَ
ـ فيقول الشاعر الأفوة الأودي:
فينا معاشرُ لم يبنوا لقومهمُ *** مِن أَجَّةِ الغَيِّ إِبعادٌ فَإِبعادُ
وَالخَيرُ تَزدادُ مِنهُ ما لَقيتَ بِهِ *** وَالشَرُّ يَكفيكَ مِنهُ قَلَّ
ما زادُ
ـ فيقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
أَراني وَقَومي فَرَّقَتنا مَذاهِبُ *** وَإِن جَمَعَتنا في الأُصولِ
المَناسِبُ
فأقْصَاهُمُ أقْصَاهُمُ مِنْ مَسَاءتي، *** وَأقْرَبُهُمْ مِمّا كَرِهْتُ
الأقَارِبُ
ـ فيضيف الشاعر قسطاكي الحمصي:
فهل ونحن ضعاف ريشنا خضل *** يجوز عندك تفريق وإبعاد
أنبلغ النجح والأقوام يجمعها *** شمل وصحبك بالتفكيك قد نادوا
ـ ويكمل السري الرفاء:
وجاهل زاد في بغضائه سفها *** فَزاد الفضلُ إقصاءً وإبعادا
أعزز علي بأن يشفى عدوكم *** ريا وتظمون أحشاء وأكبادا
ـ فيقول الشاعر أبو تمام:
إني بأيسرِ ما أدنيتُ منبسطٌ *** كما بِأَيْسَرِ ما أُقْصِيتُ مُنْقَبِضُ
يَرمونَني بِعُيونٍ حَشوُها شَرَرٌ *** نَواطِقٌ عَن قُلوبٍ حَشوُها مَرَضُ
ـ فيقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
لَنا الدُنيا فَما شِئنا حَلالٌ *** لِساكِنِها وَما شِئنا حَرامُ
وَيَنْفُذُ أمْرُنَا، في كُلّ حَيٍّ، *** فَيُدْنِيهِ وَيُقْصِيهِ الكَلامُ
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:
ومن الزيادة في البلية أنني *** أصبحت في البلوى من الأفرادِ
أرني سواي من الذين صنعتهم *** رَجُلاً نسخَت صلاحه بفسادِ
إني أعوذ بيُمن جدَّك أن أُرى *** بعد الدنوِّ رهينةَ الإِبعادِ
ـ فيقول الشاعر خليل مطران:
يا دار أهلك بالسلامة عادوا *** لا النفي أنساهم ولا الإبعاد
بشراك إن كان الذي أملته *** والكائدون تميزوا أو كادوا
ـ فيقول الشاعر بشار بن برد:
مَن قَرَّ عَيناً رَماهُ الدَهرُ عَن كَثَبٍ *** وَالدَهرُ رامٍ بِإِصلاحٍ
وَإِفسادِ
إِذا دَعانا ذَبَبنا عَن مَحارِمِهِ *** ذَبَّ البَنينَ عَنِ الآباءِ
أَحشادِ
وَنازِعينَ يَداً خانوا فَقُلتُ لَهُم *** بُعداً وَسُحقاً وَكانوا أَهلَ
إِبعادِ
راحَت لَهُم مِن يَدِ الوَهّابِ عُدَّتُهُم *** مِنَ المَنايا تُوافيهِم
بِميعادِ
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:
وَلْيَكْبِت الفُسّاقَ أهلَ الإلحادْ ***قد نسخ الإصلاحُ كلَّ إفسادْ
وأبعدَ الفِسقَ أشدَّ الإبعادْ *** واستأثر اللَّهُ بصدق الميعادْ
ـ فيقول الشاعر أبو العلاء المعري:
أما الصحاب فقد مروا وما عادوا *** وَبَينَنا بِلِقاءِ المَوتِ ميعادُ
سِرٌّ قَديمٌ وَأَمرٌ غَيرُ مُتَّضِحٍ *** فَهَل عَلى كَشفِنا لِلحَقِّ
إِسعادُ
سيرانِ ضِدّانِ مِن رَوحٍ وَمِن جَسَدٍ *** هَذا هُبوطٌ وَهَذا فيهِ
إِصعادُ
ـ فيضيف الشاعر الشريف العقيلي:
ما أحرج الباب بل ما أرحب الوادي *** لا يصلح السعي ذو ضجرٍ وإبعاد
من يلتفت خلفه ضلت محجّتُه *** عن مُلك ربٍّ وعن فردوسه البادي
يا نعمةً لم يفز إلّا القليلُ بها *** من يعتمدْ غيرَها يُضرَبْ بأعواد
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
كيف تستسهل إبعادَ امرئٍ *** قد بنى إلفك فيه وقطن
إن أطعتَ النفسَ في رَفْضِ العُلى *** واطِّراح الحمد ذَمَّتْكَ المِنن
ـ فيقول الشاعر يوسف النبهاني:
هُوَ أَدنى عَبيدِ مَولاهُ مِنهُ *** ما لِعَبدٍ لَم يُدنِهِ إِدناءُ
مَن أَرادَ الدُخولَ لِلَّهِ مِن با *** بٍ سِواهُ جَزاؤُهُ الإِقصاءُ
ـ فيقول الشاعر علي بن أبي طالب:
إلهي لئن أقصيتني أو طردتني *** فما حيلتي يا رب أم كيف أصنع
إِلَهي تَرى حالي وَفَقري وَفاقَتي *** وَأَنتَ مُناجاتي الخَفيَّةِ
تَسمَعُ
إِلَهي فَلا تَقطَع رَجائي وَلا تُزِغ *** فُؤادي فَلي في سَيبِ جُودِكَ
مَطمَعُ
ـ فيقول الشاعر البوصيري:
إذا كان القطْع وَالوصلُ للـ *** ـهِ تَسَاوَى التَّقْرِيبُ وَالإِقْصاءُ
وَلَو انَّ انتقامَهُ لِهَوَى النَّفـ *** ـسِ لَدَامَتْ قطيعةٌ وَجَفَاءُ
ـ فيقول الشاعر ابن الأبار البلنسي:
بَرانِي طُولُ إقْصَاءٍ عَرَاني *** وفي يُمْناكَ بُرْءٌ للْكلامِ
ولَوْ أَنِّي لَثَمْتُ الجودَ مِنْها *** عَفَتْ بالرِّيِّ آثارُ الأوَامِ
ـ فيضيف الشاعر الموريتاني محمد ولد ابن ولد أحميدا:
فَقد ظلمتكَ بالإقصَاءِ لُبنَى *** وأولَتكَ القَطيعَةَ والجَفَاءَ
وَبتَّت مِن مُمِرَّاتِ التَّصَابي *** حِبَالكَ وأنتأت عنكَ انتِئَاءَ
ـ فيقول الشاعر الشريف المرتضى:
ذلّ الّذي في يد الحسناءِ مهجتُه *** ومن له في ذواتِ الخِدْرِ أوطارُ
وعزّ مَن لا هوىً منه وكان له *** عنه مدَى الدّهر إقصاءٌ وإقصارُ
ما سرّنِي أنّني أحوِي الغِنى *** وبدا في كفّ جارِيَ إعسارٌ وإقتارُ
لا بارَكَ اللَّه في وادِي اللّئامِ ولا *** سالتْ به عند جَدْبِ العام
أمطارُ
ـ فيقول الشاعر ابن نباته المصري:
جميعنا في عشقك البادي *** خسفاً بهجرانٍ وإبعاد
أضلَّنا الحبُّ ولكن لنا *** سموا
بأنصارٍ وأنجاد
ـ فيقول الشاعر تميم الفاطمي:
حدا الفِراق فمهلاً أيُّها الحادي *** لا شيءَ أوجعُ من بَيْنٍ وإبعادِ
أَستودِع اللهَ مَنْ فَقِدي لرؤيتهمْ *** أمَرُّ من فَقْدِ شُرب الماء
للصادي
لولا دموعيَ في يوم الوَداع إذاً *** لأَحرقَتْ زَفَراتي ثَمَّ عُوّادي
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
قلبي إليك وإن أعرضْتُ مُنْقَادُ *** ليستْ عليك وإن أذنبتَ أحقادُ
أنت الحياة فأنِّى عنك منصَرَفي *** وإن بدا منك إقصاءٌ وإبعادُ
يا لهف نفسي على إلْفٍ فُجعت به *** كأن أيامه في الحسن أعيادُ
ـ فيضيف الشاعر القاضي الفاضل:
الحسن جاد على الأحباب فازدادوا *** كَدٌّ وَرَدٌّ وَإِقصاءٌ وَإِقصادُ
وَلي مِنَ السَعيِ في المَرجُوِّ أَربَعَةٌ *** بَأسٌ وَيَأسٌ وَإِخلالٌ
وَإِخلادُ
وَلِلعَزيزِ مِنَ المُملوكِ أَربَعَةٌ *** قلبٌ ونطقٌ وأخلاقٌ وإحمادُ
تجمَّعت في مديحي فيه أربعةٌ *** سَبكٌ وَنَظمٌ وَإِنشاءٌ وَإِنشادُ
ـ فيقول الشاعر ابن المُقري:
إليك فلو أدركت مغنى الهوى مغنا *** ينالون بالإبعاد من خوفهم أمنا
كم مخطئ لم يؤت من سوء رأيه *** ولكن أتى أمر خلاف الذي ظنا
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
وأبعدني إبعادَ جاني عظيمةٍ *** وقد كنت أُستدعَى زماناً وأُسْتدنَى
أيحجبُ عني عِشرةً قد ومِقْتُها *** فشوقي إليها شوق قيس إلى لُبْنى
ـ فيضيف الشاعر البحتري:
وَأَنتَ الحُسنُ لَو كا *** نَ وَراءَ الحُسنِ إِحسانُ
غَزالٌ فيهِ إِعراضٌ *** وَإِبعادٌ وَهِجرانُ
وَدونَ النُجحِ مِن مَوعو *** دِهِ مَطلٌ وَلَيّانُ
ـ فيكمل الشاعر أسامة بن منقذ:
بالله يا غُصنَ بَانٍ، حامِلاً قَمراً *** صلْ مُغرَماً بك يُغريه
تَجنِّيكَا
يدنو وهجرك يقصيه ويبعده *** وتنَثْنَى ِ عَنه، والأشواقُ تُدنيكا
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:
قلبي إليك وإن أعرضْتُ مُنْقَادُ *** ليستْ عليك وإن أذنبتَ أحقادُ
أنت الحياة فأنِّى عنك منصَرَفي *** وإن بدا منك إقصاءٌ وإبعادُ
شوقي إليك على الأيام يزداد *** والقلب بعدك للأحزان معتادُ
ـ فيقول الشاعر إبراهيم ناجي:
ما الذي مَلَّكَ عينيك القياد *** ما الذي يَعصِفُ عَصفاً بالرشاد
ما الذي إن أُقصِهِ عنِّيَ عاد *** طاغياً سِيّانِ قُربٌ أو بعاد
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
أَرى ذِلّتي تُريك هَواني *** ودُنوِّي يَزيدُني إقصاءَ
إنَّ وزني في الرأي وزنٌ ثقيل *** فاسألِ الرأيَ عنه لا الأهواءَ
ـ ثم يضيف؛ قائلا:
ما للملول وفاء في مودته *** قَلْبُ الملولِ إلى هجرٍ وإقصاءِ
كأنني كلما أصبحتُ أَعتِبُهُ *** أخُطُّ حرفاً على صفحٍ من الماءِ
ـ فيكمل الشاعر ابو العتاهية:
الخير والشر عادات وأهواء *** فيهِنَّ لِلحَينِ إِدناءٌ وَإِقصاءُ
كُلٌّ يُنَقَّلُ في ضيقٍ وَفي سَعَةٍ *** وَلِلزَمانِ بِهِ شَدٌّ وَإِرخاءُ
ـ فيقول الشاعر أحمد الكيواني:
يا رَب إِن كان الزَمان مُعانِدي *** أَبَداً بِإِقصاءٍ عَن الخَلصاءِ
فائذن لِروحي بِالرواح فَإِنَّما *** هِيَ مُهجَتي قَد آذنت بِفَناءِ
تَبّاً لِدَهر لَم تَزَل أَحداثُهُ *** تَجني عَلى الأَحرار وَالأدباءِ
دانَ اللئام بسيرة مَذمومة *** وَبِصُحبة زور بِغَير وَفاءِ
أَحشاؤُهُم مَحشوة بِضَغائن *** وَضُلوعَهُم تَطوى عَلَيَ الشَحناءِ
لَما بَليت بِهُم بَلَوت خِلالَهُم *** دَهراً فَحير لُؤمَهُم آرائي
وَرَأَيتُ أَدناهُم يَتيهُ بِنَقصِهِ *** لُؤماً فَتهت بِعِزَتي وَابائي
أَو كُلَما أَثرى دَنيٌّ في الوَرى *** دانَت لَهُ لُؤماً بَنو حَوّاءِ
أَيقَنت أَن ذَوي المروَّة كُلَهُم *** في غُربة فَبَكيت لِلغَرباء
ـ فيرد الشاعر محيي الدين بن عربي؛ قائلا:
كنْ مع الله تحمدْ على كلِّ حالة ٍ*** لا تخف الإقصاءَ فالأقرب الله
لقد سمع الله السميعَ مقالتي *** بأني عبدٌ والسميع هو الله
إذا ما دعوتُ الله صِدقاً يقول لي *** مجيبٌ أنا فاسأل فإني أنا الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/09/07/531820.html