السبت، 7 يونيو 2014

مفهوم الجمال في الأدب قديما وحديثا بقلم/ مجدي شلبي

النص الكامل لمقالي المنشور يوم (السبت 18 يناير 2020) في جريدة (المغرب الأوسط) الجزائرية:
مفهوم الجمال في الأدب قديما وحديثا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل الولوج لموضوع الجمال في الأدب قديما وحديثا؛ أرى أنه من الأوفق أن نُعرف معنى كلمتي (الأدب) و (الجمال):
(الأدب) قديما: انحسرت دلالته اللفظية على (المآدب/ الولائم) التي يوصف الداعي إليها بـ(آدب): يقول الشاعر الجاهلي (طرفة بن العبد):
نحن في المشتاة ندعو الجفلى *** لا ترى الآدب فينا ينتقر.
وفي مرحلة لاحقة أصبح لكلمة (أدب) معنى: تهذيب، حياء، رزانه، عفة، لياقة... والمتصف بالأدب هنا (مؤدب/ مهذب)؛ يقول الشاعر (البحتري):
من لي بمثلك في ظرف وفي أدب *** وحفظ ود أخ حر، وإيثار.
 (ومما ورد في معاجم اللغة عن معنى الأدب: كل ما يُتأدب به؛ فينهانا عن المقابح و يحثنا على المحامد)، يقول بيت الحكمة:
إذا كان الطباع طباع سوء *** فلا أدب يفيد ولا أديب
أما لفظ (أدب) حديثا: فقد اتسعت دلالته اللفظية لتشمل كل صور تعبير الإنسان عن مشاعره وأفكاره، آلامه وآماله بالحروف والكلمات نثرا أو شعرا بأسلوب يتسم بالصدق والجمال البليغ الموحي والمؤثر... يقول الشاعر (أحمد محرم):
تعلموا وخذوا الأنباء صادقة *** عن كل ذي أدب بالصدق يتسم.
وهو ما يسوقنا إلى مفهوم (الجمال) في الأدب: تلك الصفة التي تبعث في النفس سرورا ورضا؛ على نحو ما ورد في رباعيات الخيام:  
إن تشرب الراح فاشرب مع ذوي أدب *** أو ذي جمال صقيل الخد مبتسم
وبالعودة إلى الموروث الشعري عند العرب؛ نجد أن (الجمال) عندهم كان منحصرا في (جمال المرأة): البشاشة، الملاحة، الحسن، الوسامة، النعومة، الرقة، اللطافة، الوضاءة، الحور...؛ يقول الشاعر (قيس بن الخطيم):
حوراء جيداء يستضاء بها *** كأنها خوط بانة قصف
ثم تطور إدراك الإنسان لمفهوم (الجمال) شيئا فشيئا حتى أضحى علما حديثا؛ أسسه ووضع نظريته العالم و الفيلسوف الألماني (ألكسندر جوتليب بومجارتن) عام 1750 باعتبار أن (الجمال) فرع من فلسفة التعامل مع الطبيعة والفنّ والذّوق، ومن ثم يحتاج إلى دراسة حسية و قيم عاطفيّة، تصدر عن الشعور (إدراكا وتذوقا)...
وحيث أن اللغة هي التي أمدتنا بصفة (الجمال)؛ فتُعتبر (جماليات اللغة) ذاتها هي تعبير عن الأدب في أجمل صوره وأشكاله، وأبدع وأرقى تجلياته... ويأتي (علم البديع) كأهم فرع من فروع البلاغة، ويختص بـ(تجميل/ تحسين) أوجه الكلام اللفظية (بالجناس والسجع) والمعنوية (بالطباق والمقابلة)...
ورغم ما تميز به (الأدب) قديما من جزالة الألفاظ، وفصيح الكلمات، وروائع الصور والتشبيهات؛ إلا أن ما يعيبه (الإطناب) بكل ما تعنيه الكلمة من مبالغة في إثراء النص والإسهاب في بسطة؛ رغبة في تجميله بمحسنات بديعية لفظية ومعنوية؛ يتوافق هذا مع قول الشاعر (إيليا أبو ماضي):
كلّ ما فيها جميل يشتهى *** ما بها عيب سوى فرط الجمال
وإذا كان (الإطناب) موائما لزمانهم وعالمهم الرتيب؛ فإن عالمنا في حركة متسارعة ومتغيرة تقتضي (الإيجاز): أداء المعنى الكثير باللفظ القليل، وهو ما يتسق مع حقيقة أن "البلاغة الإيجاز"، وقول النفري (كلما اتسعت الرؤية؛ ضاقت العبارة)...
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا الآن: هل يحقق (الإيجاز) في أدبنا المعاصر المبتغى منه دائما؟؛ تأتي الإجابة البليغة في بيت حكمة للشاعر (أبو العتاهية) وكأنه يستشرف به مستقبلا نحياه الآن:
يخوض أناس في الكلام ليوجزوا *** وللصمت في بعض الأحايين أوجز!.
فغير خاف على أحد ما يعج به الفضاء الالكتروني حاليا من ترهات، يطلقون عليها (أدبا)، لكن يبقى قول (جرير) دليلا على أن البقاء للأجمل والأبدع، والأرقى والأنفع: (الحق يدفع ترهات الباطل).
إن انتقال الأدب من جمال الشكل وبراعة العبارة، إلى روعة الفكرة وعمق الدلالة؛ يحتم على كل من يحمل قلما، ويريد أن يكتب أدبا؛  أن يكون أولا صاحب رسالة، يهدف من خلالها إلى تنوير المجتمع، بالتمرد على الواقع، ومحاولة تغييره نحو الأفضل بأسلوب أدبي رصين، بعيدا عن الارتجالية والعشوائية والفجاجة؛ يقول الشاعر (مصطفى وهبي التل):
فمثلك من تمرد كلما ساموه إذعانا *** لعمر الحق لن يتنكب الإخلاص خذلانا
ومن ثم يصبح توظيف الجمال في الأدب الفاعل ـ شكلا ومضمونا ـ ضرورة من ضروريات الإبداع، وعاملا داعما للتفاعل معه، والتشجيع عليه، والاقتداء به؛ إبداع يقول عنه الشاعر (جبران خليل جبران):
إبداع فن فيه فوت للنهى *** يحيي النفوس وفيه ري للصدى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو اتحاد كتاب مصر