مهرجان شعر الفصحى 10 يوليو 2019 برئاسة كبير
الأدباء أ/ محمد خليل
شخصية
المهرجان لهذا العام (الشاعر الراحل أ/ أمين مرسي)
بحث بقلم/ مجدي شلبي
كلمة قبل البداية:
إن شخصية المهرجان لهذا العام: هو الشاعر الراحل أ/ أمين عبدالحميد
مرسي حماد، و اللافت للنظر أنه اختار لنفسه اسما أدبيا/ أمين مرسي، و لم
يربط اسمه الأدبي بلقب العائلة العريقة (عائلة حماد)، رغم أن جذور تلك العائلة
(الأحامدة) بحسب ما ورد في كتاب (صهوة الفارس) لعبدالرزاق محمد صديق؛ ترجع لقبيلة
جذام، و بحسب كتاب (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) لأبو العباس القلقشندي؛
ترجع إلى قبيلة طيء، و بعضهم يرجع أصلها لبني خالد (الخالدية)، و قد انتشرت تلك
العائلة العريقة في كافة أرجاء العالم، و خصوصا في محافظات مصر (الشرقية/
الدقهلية/ الغربية/ البحيرة... و في المنيا أيضا:
ـ السيدة/ فهيمة محمد حماد "أم الزعيم الراحل/ جمال عبد
الناصر" ـ واللواء أركان حرب/ جمال حماد أحد الضباط الأحرار ـ و أشهر
المنتمين لتلك العائلة العريقة في المملكة
العربية السعودية: الإمام الشيخ زين العابدين حمّاد "أحد الأئمة والخطباء السابقين
بالمسجد النبوي الشريف"...
فلماذا لم يلقب شاعرنا اسمه الأدبي بلقب (حماد)؟
ربما لأنه أراد ألا يتكئ على عراقة النسب وحده، و أراد أن يثبت
ذاته على نحو مستقل و متفرد؛ اتساقا مع أبيات الحكمة لعلي بن أبي طالب التي قال
فيها:
كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَباً يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ
فَلَيسَ يُغني الحَسيبُ نِسبَتَهُ بِلا
لِسانٍ لَهُ وَلا أَدَبِ
إِنَّ الفَتى مَن يُقولُ ها أَنا ذا لَيسَ
الفَتى مَن يُقولُ كانَ أَبي
رحم الله الشاعر الراحل/ أمين مرسي، أو إن شئنا/ أمين حماد
و أدعو حضراتكم للوقوف دقيقة حدادا على رحيل شاعرنا الكبير.
....
كم هي مهمة صعبة أن يقف تلميذ لينقد إبداع أستاذه؛ فـ"من أين
أبدأ، وكيف أمضي، وإلى أين أنتهي؟... و ماذا أنا قائل فيه؟، وماذا أنا بالغ
بالكتابة عنه؟، ومن أين نستقطب النجوم، ونلتقط الدُرر؟، فأغلى الجواهر ليست بكبر
الحجم، وأحلى الكلمات كلمة "حُب"، فهي مُؤلفة من حرفين، ولكنها تغلف
الكون، بالورود والعطور، وتهبُ المُتلقين أجمل الأحلام."
أستعير تلك البداية ـ التي ذكرتها الآن ـ من مفتتح كتاب (أنفال و
ظلال) للراحل الكبير الأستاذ/ أمين مرسي، و التي انتهت بعبارة (أحلى الكلمات كلمة
حب)؛ فبالحب الذي خلفه الراحل الكبير في قلوب و عقول زملائه و محبيه؛ أبدأ بقراءة مختصرة
في ديوانه (النقش فوق الحدقة) الصادر عن دار الإسلام للطباعة و النشر، بالمنصورة عام
2004م، و يأتي هذا الديوان في الترتيب الثالث، أي أنه ثالث ديوان شعري طبعه في
كتاب، وقد أهداه:
"إلى مُنية النفس، و محل الأنس، و كنز الفضائل، و قرة العين
(نجوى) التي أهدت إلىَّ أجمل القصائد و أروعها: (محمود) و (أنفال) و (أسيل)
إلى النهر الذي لم يغير مجراه، و الأمواج التي لم تفقد شطآنها أهدي
هذا الديوان".
تلك البداية الرومانسيّة التي تعتمد على التعبير عن الذات و المشاعر
الشخصيّة، تتضافر مع عنوان الديوان مشكلة لوحة رائعة، معبرة عن جمال الواقع و
روعة الخيال، و مؤكدة أننا إزاء ثلاثون قصيدة تعددت موضوعاتها، مكتنزة بألوان اللآلئ البيانية،
والدرر البديعية، بلغة شعرية سلسة و متميزة، متنوعة في موسيقاها، مما يؤكد
أنها عبرت عن مراحل زمنية متباينة، رغم اتساقها الإبداعي؛ فقصيدة (غيمة) جاء نشرها
في الديوان 2004 رغم أنها كتبت و نُشرت في صحيفة كويتية 1991 و قصيدة (المارد)
نُشرت في هذا الديوان 2004 رغم أنه سبق نشرها عام 2000 في كتاب (أول الغيث) الصادر
عن جماعة الصفاء الأدبية. و قصيدة (صدى صرخة فرشوط) نُشرت في هذا الديوان 2004 رغم
أنه سبق نشرها عام 1993 في جريدة أخبار الأدب... إلخ
و كأننا إزاء مختارات شعرية تراوحت في تنوعها الزمنى، و في عدد أبياتها؛ ما بين مقطوعات
شعرية: مثل قصيدة (النقش فوق الحدقة)، (مناظرة)، (إدانة)، (بداية و بداية)، (خذوا
درسا)، (وصية)، (غلطة)، (سارق الدار)، (مثل)، (دمعة)، (قهر).
و قصائد قصيرة: مثل (هي)، (غياب)، (عويل)، (رسالة جامعي عاطل
لأمه)، (سادن النار)، (صدى صرخة فرشوط)، (غيمة)
و قصائد طويلة مثل: (الصدق الوليد)، (أحزان القارة
السوداء)، (شرق و غرب)، (رسالة)، (المصير)، (بين امرأتين)، (تطبيع)، (رسالة من
الرئيس الأمريكي دبليو بوش إلى أمه "باربرة" و ردها عليه)، (تخاذل)،
(المارد)، (أقوال و أفعال)، (كيد ساحر)، (نهج "مصر العزيزة لي وطن"
للشاعر أحمد شوقي)
و من خلال عناوين تلك القصائد يكتشف القارئ أن شاعرنا لا يكتب الشعر الا بدوافع وجدانية ملحة، مرتبطة
في معظمها بمجريات الأحداث؛ و يصدر ديوانه بالقصيدة التي اتخذها عنوانا لديوانه
(النقش فوق الحدقة)؛ مما يؤكد أنه مهموم بقضايا وطنه و أمته، حريص على استنهاض
الهمم و العزائم، و محذرا من مغبة الوقوع في شرك الانهزام و الاستسلام؛ فيقول في
خاتمة قصيدة (تطبيع):
وصفوا
الذي استرعى الذئاب بأنه ظلم الجميع و
لم يحقق مآربا
فالغدرُ
في طبعِ الذئاب سجيةٌ أما السلامُ فكان
حملا كاذبا
و في مطلع قصيدة (رسالة من الرئيس الأمريكي دبليو بوش إلى
أمه "باربرة" و ردها عليه) يقول:
أماه... حان الوقت كي تتفهمي أمرا جرى بالأمس في التيه العمي
أبراجنا ضربت و ما من منقذ لحضارة بالبطش ظلت تحتمي
و في خاتمة قصيدة (شرق و غرب) يقول عن
الغرب:
دفنوا الخرافة فكروا فتطوروا و العطر من أقطارهم يتضوعُ
بالوحدةِ الكبرى استعادوا مجدهم و لعملة (اليورو) تشير الإصبعُ
و في مطلع قصيدة (أحزان القارة السوداء) يقول:
إذا ما شئت أن تصـنــ
ـــع شيئا يعجب الناسا
فقم حدق بإفريقيا تجد
للحق خناسا
و يستخلص الشاعر من الأحداث المتكررة للعرب، ما عبر عنه في قصيدة
(إدانة) بأبيات تهكمية أنهاها بقوله:
فثار و هاج هياجا
شديدا و شق هدومه
و نادى: نموت نموت جميعا
و تحيا الحكومة
كذلك فعل في قصائد (الصدق الوليد) و (هي) و مطلع قصيدة (غياب) حيث
يقول:
على الأصنام شن الوعي حربا
و أشبعها الورى ركلا و سبا
و في الشرق العزيز لها حضور
يدين حضارة و يهين شعبا
و برمزية بديعة أنهى قصيدته (بداية و بداية) بقوله:
سيروا حولي تجدوا البركة
سمعوا طبعا أمر السمكة
نهضوا سبحوا دخلوا الشبكة
و أتى (قرش) أكل الملكة
فبكت لما دخلت حنكه
و تأتي قصيدة (رسالة: من حصان العربة إلى أخيه في نادي الفروسية) رامزة
للتباين في المعاملة بين هذا و ذاك طبقا للمكان و المكانة أو إذا شئنا (الوضع
الاجتماعي أو الوظيفي أو المادي) إذا أسقطنا القصيدة على الإنسان و أخيه الإنسان؛
يقول الشاعر في قصيدته:
بعد التحية و السلام تراني
أشكو إليك مرارة الحرمانِ
الجر للعربات أنهك قوتي
و اغتال ضوء الصبح في وجداني
و السوط فوق الظهر أدمى خاطري
و القهر فيه مذلتي و هواني
شتانَ ما حالي كحالك يا أخي
فالكربُ رافقني بكل مكانِ
إلى أن قال:
ها أنت تأكل في طعامك سكرا
و التبن أتلف صحتي و براني
أما قصيدة (عويل) التي نظمها من بحر الكامل؛ فقد تصادف أن (اكتملت)
فيها كل ما أراد أن يوصله من رسائل بالإيماء و التلميح تارة، و بالوضوح و التصريح
تارة أخرى، كما جاءت قصائد ديوانه، مشيرة في مجملها إلى ضرورة الانعتاق من قيود (القدر)،
بلوغا لشمس الحرية و تحقيق الحلم في الازدهار و التقدم...
و من المدهش أنه ـ رغم كل هذا ـ يعلن أنه لم يبح بكل ما
يجول في خاطره، و يود التعبير عنه ـ ضمنا ـ في خاتمة قصيدته (المصير)... و من ثم آثر شاعرنا الكبير، أن يراوح بين
الصمت، و الصوت، كي تبرز تلك العلاقة الوجدانية، التي أشرنا إليها في صدر هذه
القراءة المقتضبة لديوانه (النقش فوق الحدقة).
و يأتي ديوانه التالي و الأخير (وسوسة) الذي صدر عام 2012 عن دار
الإسلام للطباعة و النشر بالمنصورة، بفاصل زمني بينه و بين ديوانه السابق بلغ
ثمانية أعوام كاملة، و بالبحث في مسيرته الشعرية؛ اكتشفت أنه سبق أن أصدر ديوانين
آخرين في دولة الكويت هما: (فلق الإصباح) 1988 و (تعطير الأنام) 1989 لكن لم يتيسر
لي الاطلاع على أي منهما.
و لم يكتف شاعرنا بتلك الإصدارات الشعرية فقط؛ بل سبق أن أصدر
مجموعتين قصصيتين (على مسرح الجريمة) عام 1957 و (ليلة) عام 1964، و كان شغله
الشاغل هو ما أثرى به الساحة الأدبية من مقالات و أبحاث و دراسات نقدية عديدة كان
من بينها:
ـ ما نشرت له الصحافة الكويتية في حقبة التسعينات من مقالات و مواد
إخبارية في مجالي الأدب و الفن.
ـ دراسات في الأدب الشعبي عام 1992 كان أبرزها (صلاح جاهين و فلسفته
التعبيرية و فنه المميز "وجه الشبه بينه و بين الشاعر جاك بريفير")
ـ بحث في مؤتمر الدقهلية الثالث 2002 و قبله قدم بحثا مهما عن شعر
العامية في كفر الشيخ من منظور بيئي، ثم في عام 2004 قدم بحثا في المؤتمر الأدبي
الثالث لإقليم شرق الدلتا الثقافي.
و عديد من الدراسات النقدية ضمها كتابة في النقد (أنفال و ظلال):
ـ في القصة القصيرة: تناول كتابات الأدباء:
«إبراهيم الرفاعي» (الغريب)، «الحماقي المنشاوي» (فرسان الظهيرة)،
«عاصم خشبة» (مولود في الأول من توشكى), «عُمر إبراهيم دِراز» (بائع الورد).
ـ و في الرواية: «السعيد نجم» (عليه العوض), «عطية زهري» (بائعة
الجعارين), «وحيد السواح» (فتاة من موسكو).
ـ و في المسـرحية: «محمد خليل» (ذئاب بني مروان).
ـ و في شعـر الفصحى: «أحمد مطر» (قراءة في إبداعه الشعري), «أحمد
نور الدين» (همسات السحر), «زينهم البدوي» (من وحي المرارة), «صابر معوض» (ما
قالتها نظرتها الأولى), «طارق الطبيلي» (في وقت آخر غير الليلة).
ـ و في شعـر العامية: «علي معـوض» (خطاوي), « فتحي البريشـي» (غُنا
الشوارع).
ـ وفي عرض الكـُتب: كتاب (الأصول في الـدفاع عن الـرســول)، للكاتب:
« محمد السيد صالح.
كما تناول بالنقد فيما بعد رواية (الذبيحة) للأديب المهندس: (عطية
زهري)
و دراسة نقدية لديوان عنوانه (الشعراء العشاق) للشاعرة (سامية
الصعيدي) و تلاها بدراسة نقدية في ديوان جاء على شكل رباعيات توثق لثورة 2011 لنفس الشاعرة (سامية الصعيدي)...
ثم كان آخر تلك الأبحاث و الدراسات النقدية (مشاهد شعرية من
الدقهلية) الذي ألقاه في مؤتمر الدقهلية الأدبي العاشر يوم 12 يناير 2014 الذي
أقيم في بيت ثقافة البصراط، و في ذلك اليوم تم تكريمه... ثم:
انتقل إلى رحمة الله يوم الاثنين 20 أكتوبر 2014 عن عمر ناهز 72
عاما
و بالعودة لموضوع البحث أقول: إن وقوفنا على ديوان (نقوش فوق
الحدقة) الذي صدر لشاعر كبير امتدت تجربته في الكتابة إلى أكثر من نصف قرن، هو
وقوف منقوص في القراءات النقدية، ولا يخفى على أحد أن إخلاصه لعمود الشعر العربي؛ جاء ترجمة لمسيرته الأدبية التي
حرص خلالها على الالتزام ببحور الشعر، و التدقيق اللغوي، احتراما للغتنا العربية
الرصينة... و هو ما يستوجب إلقاء مزيد من القراءات النقدية في إبداعه الشعري، لتضيء الطريق نحو استخلاص الدلالة
الابداعية و الفنية، شكلا و مضمونا، و هو ما تستطيع باقتدار أن تتناوله
شقيقتي النبيلة الكريمة الناقدة القديرة الأستاذة/ فاتن شوقي.
رحم الله أستاذنا/ أمين مرسي (الشاعر و القاص و الباحث و الناقد) و
قبل هذا و بعده الإنسان الذي تتلمذنا على يديه (أدبا) بمعنييه الإبداعي و
السلوكي...
و أمد الله في عمر زوجته و أبنائه، و نفعنا بعلمه.