تقرير عن محاضرتي (الرواية العربية: نشأتها و تطورها) في
النادي الأدبي ببيت ثقافة دكرنس مساء الخميس 20 ديسمبر 2018
ـ بعد الترحيب
بالأخوات و الإخوة الحاضرين؛ قلت: عندما يوجه أحد منا الحديث معكم في موضوع أدبي،
في نادي أدبي، إلى أدباء؛ يكون مثلما (يريد أن يبيع الماء في حارة السقايين)!.
ـ لكني على ثقة من
أننا معا سنخرج هذه الليلة بمعلومات ـ أزعم أنها ـ غير مسبوقة بشأن (نشأة الرواية
العربية و تطورها)...
ـ و اسمحولي
كتمهيد بسيط، و قبل أن نتعرف على (الرواية) كجنس حديث في الأدب العربي و ما سنصل
إليه من نتائج غير مسبوقة بشأنها، أن نبحث أولا في معنى كلمة (رواية):
ـ كلمة (رواية):
طبقا (لعلم قراءات القرآن الكريم) مثلا لها معنى: الاسناد إلى أحد الأئمة في طريقة
التلاوة (رواية حفص عن عاصم، أو رواية
ورش عن نافع، ... إلخ) بحسب طريقة نطق الأحرف مثال: إبراهيم،
إبراهام... إلخ (وهو ليس موضوعنا الآن).
ـ كلمة (رواية):
طبقا (لعلم الحديث الشريف) لها معنى: نقل أقوال وأفعال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و (روايتهما) وضبطهما وتحريرهما.
على نحو ما يرد في الأحاديث الشريفة (عن فلان: و هو ما يُطلق
عليه "العنعنة")...
ـ ننتقل من معنى
كلمة (رواية) في (المصطلحات الفقهية) إلى معنى الكلمة في (معاجم اللغة العربية):
ـ فنجد أن كلمة
(رواية) مصدرها: روى، يروي، فهو راوٍ؛ (يروي: يحكي) و (يروي: يسقي)... و ما دمنا
بصدد الحديث عن (الرواية) كجنس أدبي؛ فيمكننا أن نجمع بين المعنيين فنقول:
(الرواية): (حكاية) تدفع إلى التشوق (التعطش) لمتابعة الأحداث المثيرة؛ فـ(يروي) (الراوي
"الروائي") تعطش القارئ للمعرفة؛ بسرد بقية (روايته)... و أيضا: (بالرواية تنمو الحكاية).
ـ و رغم هذه
(الثرثرة) التي وقعت فيها، بالإطالة التي لا لزوم لها؛ يشفع لي قول الشاعر:
ما ضَرَّنا صمتُنَا والكونُ ثرثرةٌ *** شتانَ ما بين خَلاٍق
ومُختَلِقِ
ـ ثم انتقلت إلى تعريف
(الرواية) من الناحية الفنية: هي سرد نثري، أطول من القصة حجما، لتعدد الشخصيات، و
تنوع الأحداث، و تعدد الأماكن، و امتداد الزمن، و حبكتها الفنية تتعدد رغم وجود
الحبكة الرئيسية التي تجمع خيوط الأحداث التي تقع في عدد من الفصول.
ـ ثم طرحت سؤالا
معتادا: (ما الفارق بين القصة و الرواية؟) مشيرا إلى وجود خلط لدى البعض بينهما
حتى لدي بعض رواد الرواية العربية ذاتهم (و سنوضح هذا الأمر بالدليل الواضح).
ـ ثم أردفت: من
خلال التعريف المختصر (للرواية) الذي أوردناه فيما سبق؛ يتضح الفارق بينها و بين
القصة الأقل حجما، و البيئة الفنية (الزمان و المكان) المحدودة بالمقارنة مع
الرواية، و كذلك الشخصيات أقل عددا و تعتمد القصة على شخصية رئيسية واحدة، و الحبكة
الرئيسية واحدة أيضا، و تُعرف الحبكة
بأنها: مصطلح أدبي يعني: السياق العام الذي تجري فيه القصة و تتسلسل بأحداثها على هيئة
متنامية، متسارعة، (من البداية إلى العقدة إلى النهاية أو الحل) ويتم هذا بتضافر كل
عناصر السرد)، أما الرواية ـ كما قلنا ـ تتعدد فيها
الحبكات الفنية مع وجود حبكة فنية رئيسية...
ـ إذن (الرواية) طبقا لتعريفها و بنيتها الفنية:
جنس أدبي مستقل و متفرد و متميز عن (القصة)، و عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى؛
فهل أنواع (الروايات) تختلف عن أنواع الأجناس الأدبية الأخرى؟، السؤال بطريقة
أوضح: إذا كانت هناك (الرواية العاطفية "الرومانسية")؛
فهناك الشعر العاطفي و القصة العاطفية ـ و إذا كانت هناك (الرواية السياسية)؛
فهناك الشعر السياسي و القصة السياسية ـ و إذا كانت هناك (الرواية الاجتماعية)؛
فهناك الشعر الاجتماعي و القصة الاجتماعية... إلخ ـ فما الذي يميز الرواية من حيث
(النوع) عن باقي أنواع الفنون الأدبية الأخرى؟.
ـ (روايات
الرعب) و (الرواية البوليسية) فلا يوجد شعر بوليسي، و إن كانت هناك قصص بوليسية
موجودة... (تشترك روايات الرعب "التي تحتوي على شخصيات حقيقة أو خيالية و
أشباح" و الروايات البوليسية في الغموض و وجود لغز و الرواية تتمحور في
الحالتين حول كيفية حل اللغز، غير أن الرواية البوليسية تكون الشخصية الرئيسية
شرطيا أو محققا يحاول جمع الأدلة لحل اللغز).
ـ نشأة الرواية
العربية: كانت بداية ظهور (الرواية) كجنس أدبي في أوروبا في القرن
الثامن عشر، وجاء شغف العرب بفن القص و الرواية نتيجة اطلاع البعض من الرموز التي درست في
الجامعات الأوروبية بتلك الفنون الأدبية، وأيضا نتيجة الترجمات التي أنجزت، و التي
نقلت إلى لغة الضاد آثارا قصصية و روائية فرنسية و انجليزية و روسية.
ـ وقبل أن نتحدث
عن نشأة الرواية العربية و تطورها، أود أن أشير إلى كل مهتم بفن الرواية؛ عليه أن
يطالع الترجمة العربية لكتاب الروائي الفرنسي الشهير/ ميلان كونديرا (ثلاثية حول الرواية: فن الرواية، الوصايا المغدورة، الستار)
نقله إلى العربية الكاتب والأكاديمي السوري/ بدر الدين عرودكي، ضمن المشروع القومي
للترجمة، و قد يكون هناك من قام بترجمته في مصر.
ـ ثم أردفت: كما
ذكرنا أدت حركة الترجمة إلى ازدهار فن السرد العربي بوجه عام، وصولا إلى إصدار روايات
عربية بأقلام كتاب عرب، وكان رفاعة الطهطاوي هو
أول مصري يقوم بترجمة رواية غربية، وهي رواية القس الفرنسي (فرانسوا فييلون):
"Les Aventures de Telemaque"،
التي أعطاها عنوانًا مسجوعًا هو (مواقع الأفلاك في وقائع تليماك)، اقتداءً بالطريقة
التي كانت شائعةً في كثير من المؤلفات العربية القديمة في العصور المتأخرة، و قد صدرت
هذه الترجمة عام 1867م، ثم تلاها العديد من الترجمات لروايات غربية إلى اللغة
العربية...
ـ ذكرنا أن حركة الترجمة تلك؛ شجعت الكتاب
العرب على تجريب كتابة الرواية العربية، و هنا نبدأ معا في اكتشاف و استنباط
معلومات جديدة حول نشأة الرواية العربية:
أولا: من
الخطأ التاريخي أن توثق رواية (زينب) للدكتور/ محمد حسين هيكل، على أنها أول رواية
كُتبت باللغة العربية.
ـ ذلك لأن رواية (حسن العواقب)
للأديبة اللبنانية/ زينب فواز (1844-1914) كانت قد صدرت سنة 1899
ـ و رواية
(زينب) "للدكتور/ محمد حسن هيكل (1888ـ 1956)" صدرت عام 1914
ـ و الجدير
بالملاحظة و التأمل هنا: أن الرواية التي أصدرها هيكل تحمل عنوان (زينب) و الكاتبة
التي سبقته في نشر روايتها اسمها (زينب)، أضف لهذا مصادفة أخرى: أن رواية هيكل
صدرت في ذات العام الذي توفيت فيه الكاتبة اللبنانية 1914، و مصادفة ثالثة أنه لم
يكتب على روايته عند إصدارها اسمه؛ بل كتب (بقلم مصري فلاح)!، و بعد أن اشتهرت
روايته؛ سجل هيكل في مقدمة الرواية أنه بعد نحو 15 عاما جرؤ على كتابة اسمه الصريح
على غلافها، وأنه كان يخشى أن "تجني صفة الكاتب القصصي على اسم المحامي"...
3ـ رواية (دعاء
الكروان) للدكتور/ طه حسين (1889 - 1973م) صدرت 1929 و قد تم إنتاجها كفيلم
سينمائي عام 1959
ـ هنا يجب أن نتوقف
عند الفارق الزمني بين الروايات الثلاث و مصادفة عجيبة: (حسن العواقب) صدرت عام
1899 (زينب) صدرت عام 1914 (دعاء الكروان) صدرت 1929
ـ أي أن
الفارق الزمني بين إصدار الرواية العربية الأولى، و الرواية العربية الثانية 15
سنة، و الفارق الزمني بين الرواية العربية الثانية و الرواية العربية الثالثة 15
سنة أيضا!.
ـ ثانيا: من
الخطأ التاريخي أن يوثق كتاب (سارة) لعباس محمود العقاد (1889- 1964).، على أنه
رابع (رواية) كُتبت باللغة العربية.
ـ ذلك لأن كتاب (سارة) قيل أنه عبارة عن سلسلة
مقالات بعنوان (مواقف في الحب) كتبها لمجلة الدنيا الصادرة عن دار الهلال، والتي جمعها
فيما بعد في هذا الكتاب) 1938 ، و قال عنها بعض النقاد أنها ليست رواية، لكنها
قصة، و قال البعض الآخر أنها مجرد تحليل نفسي لمشاعر الحب التي يمكن وصفها (بالحقد
المشوب بالإعجاب)!...
ـ ثم انتقلت
إلى ملاحظة تؤكد أن العام 1889 كان عام عمالقة الأدب و الفن و العلم أيضا: فمن
المصادفات أن: طه حسين مواليد عام (1889) و عباس العقاد مواليد ذات العام (1889) و
هو ذات العام الذي ولد فيه: الكاتب/ إبراهيم عبد القادر المازني، و الكاتب/ توفيق
الحكيم، و الشاعر/ إبراهيم ناجي، و سيدة الغناء العربي/ أم كلثوم، و الفنان/ يوسف
وهبي، الفنانة/ فاطمة اليوسف (روز اليوسف)، العالم/ علي مصطفى مشرفة، و البطل الشعبي/
أدهم الشرقاوي... (يبدو أنه كان عام العمالقة)!.
ـ فإذا
انتقلنا إلى الرواية العربية التالية بحسب الترتيب الزمني ـ الموثق تاريخيا ـ وجدنا
الكاتب/ ابراهيم عبدالقادر المازني (1889 ـ 1949) قد أصدر روايته (إبراهيم الكاتب)
عام 1931 و هو أيضا من مواليد ذات العام 1889 و هو من ناحية الكم أكثرهم إنتاجا
روائيا؛ فقد أصدر بعد روايته (إبراهيم الكاتب) أربع روايات أخرى صدرت عام 1943:
رواية (إبراهيم الثاني) ـ و رواية (ثلاثة رجال وامرأة) ـ و رواية (عود على بدء) ـ
و رواية (ميدو وشركاه).
ـ ثالثا: من الخطأ
التاريخي أن يوثق كتاب (جلال خالد) للقاص العراقي/ محمود أحمد السيد، على أنه سادس
(رواية) كُتبت باللغة العربية.
ـ لسببين أولا: لأن للقاص العراقي/
محمود أحمد السيد (1903 ـ 1937) قد أصدر عام 1921 رواية بعنوان (في سبيل الزواج)؛ أي
قبل (دعاء الكروان) لطه حسين بثمان سنوات.
ـ ثانيا: لأن الكتاب
المذكور (جلال خالد) لم يذكر كاتبه نفسه أنها (رواية) بنص مقدمته التي و صف فيها
كتابه هذا بأنه (قصة عراقية موجزة) و المقدمة جاء فيها نصا: "هذه قصة موجزة
وهي لإيجازها لا تماثل القصص التحليلية الكبيرة ذوات التفاصيل الدقيق؛ فأنت تراها
أشبه بالمذكرات أو الحديث و هي حقيقة استندت في كتابتها إلى مذكرات صاحبي (جلال
خالد) الخاصة و رسائله إلى أصحابه و رسائلهم إليه، و قد استأذنته أن أثبت بعضها في
الجزء الثاني من القصة" و أكد في نهاية مقدمته: "و تصلح هذه القصة
الموجزة التي هي أشبه بالحديث (نوفل) لأن تكون أساسا لقصة مطولة وافية (رومان) قد
أكتبها في المستقبل." و هي تقع في 116 صفحة، و بالبحث تبين أنه أورد كلمة
(رومان Roman)
و هي بالتركية تعني: رواية، إلا أن العمر لم يسعفه فقد توفي بعد سنوات قضاها مصابا
بمرض عضال...
ـ و نختتم تلك
البدايات الروائية العربية بالكاتب/ محمود أحمد تيمور الذي يلقب بـ(شيخ القصة
العربية) (1894-1973م) الذي أصدر: رواية (نداء المجهول) 1939 كانت من المقررات المدرسية
في مصر، و (كليوباترا في خان الخليلي) 1945،
و (سلوى في مهب الريح) 1947
ـ وظلت تتطور الرواية
العربية من الرومانسية الحالمة، مرورا بالواقعية وصولا إلى عوالم أكثر اتساعا؛ حيث
التعبير عن حيرة الإنسان و شعوره بالاغتراب، بلغة جديدة و موضوعات غير تقليدية، حتى
وصلت في النصف الثاني من القرن العشرين إلى المستوى الذي يضارع أفضل الأعمال الروائية
العالمية، وبرز العديد من الروائيين العرب الذين ذاعت شهرتهم، وترجمت أعمالهم إلى لغات
عديدة منهم على سبيل المثال: عبد الحميد جودة السحار، و يوسف السباعي، و إحسان عبد
القدوس، و توفيق الحكيم، و يوسف إدريس، و نجيب محفوظ...
ـ و قد لوحظ في
الآونة الأخيرة أن (الرواية) أضحت تلقي رواجاً كبيراً؛ مما يشجع الأدباء على مزيد
من الإصدارات الروائية العربية؛ فإلى مزيد من الإبداع في شتي صنوف الأدب، و كافة
مجالات الحياة... و نلتقي على خير دائما بإذن الله.
تعليق و تعقيب:
.
ـ تعليق الكاتب الكبير الأستاذ/ محمد خليل: عرض رائع كاتبنا الكبير .. لكن هناك رواية مصرية أخرى سبقت رواية زينب وهى رواية من أعمال محمود طاهر لاشين قبل رواية زينب .. تحياتى ومحبتى
.
ـ تعليق الكاتب الكبير الأستاذ/ محمد خليل: عرض رائع كاتبنا الكبير .. لكن هناك رواية مصرية أخرى سبقت رواية زينب وهى رواية من أعمال محمود طاهر لاشين قبل رواية زينب .. تحياتى ومحبتى
.
ـ تعقيب الأديب
مجدي شلبي : بحسب ما حصلت عليه من معلومات ـ أثناء إعدادي
لهذا البحث في الرواية العربية وجدت أن: محمود طاهر لاشين (1894 ــ 1954) هو أحد رواد
(القصة القصيرة العربية( كما هو وارد في كتاب
(القصاص محمود طاهر لاشين: حياته وفنه) للناقد الدكتور/ إبراهيم عوض و هو عبارة عن
بحث مهم عن الأديب محمود طاهر لاشين يتناول حياته وأدبه في القصة والقصة القصيرة، حيث
أن الراحل كان من رواد القصص الفني في مصر، بل يرى بعض الباحثين أن نشأة القصة القصيرة
في مصر قد بلغت قمتها عند طاهر لاشين، وإن لم تقدر قصصه حق قدرها، وربما كان السبب
يرجع لأن إنتاجه القصصي قليل، فهو لا يتعدى ثلاث مجموعات قصصية قصيرة هي على التوالي:
(سخرية الناي)، و (يُحكى أن)، و (النقاب الطائر)، ورواية واحدة صدرت في المجموعة الأخيرة
بعنوان: (حواء بلا آدم)، و قد صدرت عام (1934)؛ و من ثم لم أعتد بإدراجها ضمن روايات
الكُتاب السبعة الذين أشرت إليهم، و ذلك لسبقهم التاريخي في كتابة الرواية العربية...
فضلا عن وصف النقاد لتلك (الرواية) بأنها: "قصة اجتماعية من الفن القصصي المصري
للأستاذ طاهر لاشين"، كما أنه بالبحث تبين أنه نشرها في مجلة الهلال قبل طباعتها
في كتاب بعام (1933) تحت عنوان (حواء بلا آدم: قصة مصرية بقلم الأستاذ محمود طاهر لاشين)...
و مع خالص الشكر و العرفان و الاحترام و التقدير لحضرتك