دراسة في مجموعة (دموع وشموع)
د.محمد هندى (*):
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و
خاتم النبيين، سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - و على صحبه الغر الميامين. و
بعد،،،،
فالعمل الأدبي وليد التجربة الإنسانية التي يمر بها المبدع، و التي
سرعان ما تتحول إلى تجربة أخرى يمكن أن نطلق عليها التجربة الفنية؛ أي أن الذات
المبدعة يتقاسمها طرفان؛ أحدهما إنساني موضوعي، و الأخر فني شكلي، و لا يمكن فصل
أحدهما عن الآخر، فالتجربة الإنسانية تظل حبيسة في وعي صاحبها إن لم تجد صياغة
فنية تتزين بها، هذه الصياغة هي ما نسميه التجربة الفنية، و نطلق عليها لفظ تجربة؛
لأن المبدع يعايش فيها لغته و يقدمها لنا في شكل جديد، نرى من خلاله رؤيته لذاته
أو للحياة بصفة عامة.
بين هاتين التجربتين كانت "دموع وشموع" للكاتب الأديب
مجدي شلبي، تلك المجموعة التي تنتمي إلى فن الومضة القصصية، ذلك الفن المبتكر، و
الذي أضحى ينسج فى فضائه كوكبة من الكتاب المجيدين، بغض النظر عن الموقف النقدى
الذى ربما ينظر إلى هذا الفن من خلال عيني الرواية و القصة القصيرة. فقد جاءت
الومضة القصصية لتعلى من حرية الكتابة طالما كان هناك دافع وراء ذلك، فالأصل - من
وجهة نظرى- ليس بكون العمل قصة أو رواية فهذا أمر شكلي ربما يختلف فيه النقاد،
إنما الأصل ماذا قدم لنا هذا العمل؟، و إن كان هذا السؤال تقليديا إلا أنه – في
تصوري- سيبقى دائما له اليد الطولى في عملية الإبداع. فعلينا أن نترك المبدع حرا
في اختيار قالبه الفني طالما يقدم لنا إبداعا له قيمة و هدف، و أعتقد أن فن الومضة
القصصية على الرغم من بساطة شكله إلا أنه قادر على فعل ذلك.
و من خلال قراءتى لهذه المجموعة و التي لا تعد قراءة نهائية، أرى
أن "مجدي شلبي" في هذه المجموعة، و في ضوء هذا الفن عبر عن ذاته وسط
تصارعات سواء كانت على مستوى الذات مع نفسها أو من حيث علاقتها بمن حولها سلبا و
إيجابا من خلال موضوعات مستقاة من واقعنا المعيش كما في ومضات: استباحة ـ اجتثاث ـ
مكافأة ـ رقابة ـ طفلة ـ نعام ـ تلوث ـ حصانة ـ مأدبة ـ تفاوت ـ مشاهد ـ اتساق ـ
اِنْتِفاخٌ ـ ارتواء... إلخ. و على الرغم من أن هذه الموضوعات مستقاة من واقعنا
إلا أنه قدمها لنا في صورة شعرية؛ حين يجعل الذات تسخر و تحزن و تفكر و تتطلع، و
حين يقدم المجتمع بمفهومه العام بصورة قاسية تقتل الأمل و التطلع في نفوس
المتطلعين في ظل غياب المصداقية و الشفافية... كل ذلك و غيره قدمه لنا "مجدي
شلبي" في صورة شكل فني يتناسب و مقومات الومضة القصصية، و على رأسها الإيحاء
و التلميح، و التكثيف، و المفارقة، و الدهشة، و المفاجأة، و الإيقاع الحسي و
الحركي. إلى جانب أنها مجموعة تجعل من المتلقى مبدعا آخر، حين يتفاعل مع النصوص
لينسج على منوالها نصوصا أخرى موازية للنص الأم، و هذا ليس غريبا على هذا الفن
المبتكر، الذي يجعل المبدع - من وجهة نظري- في حيرة من أمره. لسان حاله يقول
للمتلقي: خذ فكرة و اعطني أفكارا.
فهي مجموعة مرة توحى باليأس و الضبابية و السخرية تلك التي تجعل
عيوننا تنهمر بالدموع، و مرة أخرى توحى بالأمل و التفاؤل، وإن كان ممزوجا بالسخرية
و المفارقة؛ لنكون أمام شموع لكنها من نوع خاص. ما بين دموع قاسية و شموع فيها
بصيص من الأمل قدم لنا "مجدي شلبي" تجربته الذاتية و الفنية على حد
سواء. و عملا بأن النص الأدبي ما هو إلا رسالة موجهة إلى مرسل إليه، حرصت على أن
أردف هذه المقدمة بقراءة أقرب إلى الانطباعية للكشف عن جماليات التجربة التي وضعنا
أمامها "مجدى شلبى"؛ قراءة تهدف إلى إيجاد عملية التواصل بين الرؤى و
تقريب المفاهيم. و الله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د.محمد هندي: كلية الآداب ـ جامعة سوهاج ـ مصر