قوانين الجنس الأدبي
في (دموع وشموع)
بقلم د.أمين
الطويل (*):
إن الومضة القصصية لدى الأديب مجدى شلبى نوع مفتوح يرتحق من
الأجناس و الأنواع الكبرى و الصغرى، العالمة و الشعبية يتمثلها و يهضمها و يصيرها
شيئاً جديداً، و كأنه الفاكهة التي تختزل الشجرة أو الصغير جدا الذي يختزل الكبير،
محافظة على المقومات الجوهرية المتفاعلة: التكثيف و المفارقة و الإدهاش و الإيحاء
و الخاتمة المباغتة. القصة فيها تدق و يصيبها التشذيب و التكثيف و الحذف, حتى
تتحول إلى طيف أو ظلال تطل من وراء ستار البياض و الصمت و التلميح الشفاف. و كأنها
تسرع في الذهاب رأسا إلى اللحظة الدرامية و انغراز سهم الحدث في تفاحة النص. ومن
هنا المفارقة و القفلة المفاجئة الوامضة الموجعة الضاربة في الأغوار. فتتحول إلى
الجزء الحاضر الدال على الكل الغائب، و الحدث الدال على السيناريو ككل... و قد
حافظ الأديب على القوانين الأساسية (قوانين التجيس الأدبي):
1- قانون الماثلة:
تتفق النصوص المدرجة في هذه
المجموعة (دموع وشموع) في مجموعة من الخصائص، مثل: التكثيف، والاقتضاب، و القصصية،
و فعلية الجملة، و تراكب الجمل، و التنكير، و الحذف، و الإضمار، و انتقاء الأوصاف،
و إرباك المتلقي، و طرح الأسئلة الكبيرة على الرغم من الحجم القصير جداً... ففى ومضة:
ـ (فداء: أصيبت الحمامة؛ منحها
الليث قلبه.)
تتواتر العناصر آنفة الذكر, و تطرح
الأسئلة الكبيرة عن ماهية و حقيقة تلك الحمامة حقيقة أو مجازا, ليقع القارئ فى شرك
التأويل و الأسئلة الفاغرة الفم.
2ـ قانون التواتر:
الاستقراء و الاستنباط و التحليل و
التراكم و رصد العناصر المتكررة فى النصوص الأدبية معالم بارزة لا تخطئها العين
الناقدة فى قراءتها للمجموعة فقضايا الحرية و العدالة و الاستلاب و الازدواجية
....إلخ تتواتر بشكل لافت فى المجموعة, على سبيل المثال لا الحصر:
ـ (قهر: التزم الصمت؛ اعتبروه رضا.)
ـ (كاتب: حرر أفكاره؛ سجنته.)
ـ (حصانة: حاولوا إيلامه؛ حماه
الموت.)
إنها حقيقة الإنسان المقهور و المنسحق تحت أقدام من يملكون قراره و
حريته و خلاصه, و لا يتبقى من رصيده ملاذا آمنا يلتحف به بعيدا عن أعين ظالميه.
3ـ قانون الأهمية:
ثمة عناصر كبرى ذات أهمية كبرى تنتظم نصوص المجموعة و تتضمن أيضا
عناصر ثانوية و فرعية تستخدم للكشف و الإضاءة و تبئير بعض المناطق لدى القارئ أو
الناقد, من العناصر المهمة التي تبدو جلية فى المجموعة قصر الحجم جداً، و الإضمار،
و التكثيف، و الانتقاء، و التراكب، و التتابع، و التنكير، و التسريع، و المفاجأة،
و السخرية، و الاقتضاب، و المفارقة، و القصصية، و الإدهاش ...فمن مفاجأته ومضة:
ـ (تلوث: أعدوا الطعام ليأكلوه؛ أكلهم.)
4ـ قانون القيمة المهيمنة:
و لومضات مجدى شلبى وظائف انفعالية
و شعرية جمالية كما بومضة:
ـ (الحياة: قبل أن يكمل دوره؛ أسدل
الستار عليه.)
حتما لابد أن ينفعل القارئ و
الناقد على السواء فى تخيل تلك الصورة الدرامية لحالة ذلك الرجل.
عناصر ذلك الجنس الأدبى متحققة و
قارة فى نصوص المجموعة و لن يعدم القارئ أو الناقد أن يستشعر حرص الأديب على امتلاك
الأدوات و التجويد المستمر وصولا لشكل متمايز و لغة متباينة و منطقة مخصوصة, من
العناصر التجنيسية الثابتة لديه مثل:
الحكائية، و الحجم القصير جدا، و
الإضمار، و الحذف، و الانتقاء، و التسريع، و المفارقة، و السخرية، و الجرأة، و
الصورة الومضة، و التراكب، و التتابع، و التنكير في وسم الشخصيات...
5- قانون الثبات:
عناصر ذلك
الجنس الأدبى متحققة وقارة فى نصوص المجموعة ولن يعدم القارئ أو الناقد أن يستشعر
حرص الأديب على امتلاك الأدوات والتجويد المستمر وصولا لشكل متمايز و لغة متباينة
و منطقة مخصوصة, من العناصر التجنيسية الثابتة لديه: مثل: الحكائية، و الحجم
القصير جدا، و الإضمار، و الحذف، والانتقاء، و التسريع، و المفارقة، و السخرية، و
الجرأة، و الصورة الومضة، و التراكب، و التتابع، و التنكير في وسم الشخصيات...
6- قانون
التطـور:
فليست الومضة القصصية هى الجنس
الأدبى الوحيد الذى أنتجه أو برع فيه, لكنه أنتج المقالات المقامية، و كتب توقيعات
أدبية بعنوان (كلمة فى سرك ) و كتاب بعنوان (أسئلة ساذجة) منذ ثمانية أعوام... و
كتب أشعارا عامية (رباعيات مجدى شلبى) و ديوان (من مذكرات زوج مخلوع)، و مقالات
مقامية: كتاب (الرقص على سلم الصحافة) و كتاب (لهذا وجب التنبيه) و كتاب (كلام
والسلام) و كتاب (زواج على صفيح ساخن)... و كتب مجموعات قصصية (حمرة خجل) و (غروب)
و (المزلقان) و (أصل و 100 صورة)...
7ـ قانون العدد:
يدأب الأديب مجدى شلبى على وضع
معايير صارمة فى مجموعته الأدبية على صفحات التواصل الاجتماعى (الرابطة العربية
للومضة القصصية), منها ألا تزيد الومضة أو اللقطة القصصية عن ثمان مفردات, و لا
يسامح أو يتجاوز بحق هذا المعيار معه أو مع غيره, و تتفق هذه الأضمومات في مجموعة
من العناصر المتكررة، مثل: التكثيف، و المفارقة، و الإضمار، و الحذف، و التركيز، و
انتقاء الأوصاف، و التنكير، و الاقتضاب، و فعلية الجملة، و استخدام الصورة الومضة
بكل آلياتها البلاغية من رمز و استعارة و تشخيص و إيحاء و انزياح.. فمن تشخيصاته الرائعة بومضته:
ـ (شهرزاد: صاح الديك؛ ابتسمت
الدجاجة.)
إننا فى مواجهة صورة رقيقة تمتزج فيها
البسمة بالإعجاب من تلك المقدرة على التشخيص و الإنطاق, و تحويل الكائنات غير
البشرية إلى شخوص تتحرك و تنطق بالحياة.
8 ـ قانون أفق الانتظار:
يتميز جنس الومضة القصصية لدى مجدى
شلبى بتخييب أفق انتظار القارئ بخاصية الحجم القصير جدا، و استخدام قصصية حكائية مركزة
و مقتضبة و موجزة، مع الإكثار من نقط الحذف، و تنويع الخواتم و علامات الترقيم، و
إرباك المتلقي و إدهاشه، و تحويل المتن إلى أسئلة إشكالية صادمة و مستفزة و محيرة... على سبيل المثال:
ـ (هجرة: جاع؛ شبعت الحيتان.)
ـ (مشاهد: أصابه العمى؛ هنأه
المبصرون.)
لقد حافظ المبدع على القوانين
الأخرى التى لا يتسع المجال لذكرها فى هذه الإطلالة السريعة كالمقارنة و المشابهة
و التوصيف و المأسة والتنظيم و التصنيف و الاختلاف و التفاعل و التحول... إلخ، في
ثوب قشيب, يجمع بين جماليات الفن و أدواته الراسخة الرصينة.
من المراجع
1- د.عبد الفتاح كليطو: الأدب
والغرابة، دار الطليعة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1983م، ص:22.
2- د.سعيد يقطين: الكلام والخبر،
المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1997م، ص:181.
3- د. محمد مفتاح: دينامية النص،
المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1987م،ص:43.
4- محمد خطابي: لسانيات النص،
المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1991م، ص:57-58
5- د.سعيد يقطين: الكلام والخبر، ص:181.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) د. أمين الطويل: دكتوراه في الأدب العربي بمرتبة
الشرف الأولى