تجليات البساطة والعمق في القصة
الرومانسية
قراءة الأديب/ مجدي شلبي
في قصة (وعود كاذبة!) للكاتبة/ هالة
إسماعيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقدمة: الرومانسية بمفهومها العاطفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعيدا عن (الرومانسية) بمفهومها النقدي المتمثل فيما ورد في
كتاب العقاد والمازني (الديوان)، وما ورد في كتاب ميخائيل نعيمة (الغربال)، واعتمادا
على مفهومها العاطفي الذي يصفه الكاتب/ روبرت فوستر بأنه: "الحب النمطي، الذي
يصبو فيه كلٌّ من الرجل والمرأة إلى نصفه الآخر الذي يكمله"؛ نرى أن القصة
التي نحن بصددها الآن تدخل من هذا الباب، بل وتؤكد حقيقة أن الكتابة الرومانسية؛
مازال لها كتابها الذين يبدعون فيها، وقراءها الذين يتوقون لمطالعتها، ومتابعة
أحداثها التي تتسم بالبساطة والعمق، فتداعب المشاعر، وتدعو للتأمل، وتثير الفضول،
وهو ما يدفعنا لهذه القراءة المشجعة في قصة رائعة لكاتبة مبدعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عنوان القصة (وعود كاذبة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنوان موفق وكذب اضطراري: لقد وعدت بطلة القصة حبيبها بهذا
الوعد: "سوف أنتظرك رغم طول غيابك؛ لن أكون لأحد سواك". ولم تقدم
المشيئة؛ فأضحى وعدها (كذبا) غير مقصود؛ فلا يمكن لمخلوق أن يدفع عن نفسه هادم
اللذات ومفرق الجماعات إذا انقضى الأجل المحتوم، ومن ثم لم تستطع الوفاء بوعدها،
ومن ثم تكون إحدى الرسائل الهادفة من هذه القصة؛ تجنب الوعد الذي لا نملك الوفاء
به؛ يقول الشاعر/ أبو العلاء المعري:
تَجَنَّبِ الوَعدَ يَوماً أَن تَفوهَ بِهِ *** فَإِن وَعَدتَ
فَلا يَذمُمكَ إِنجازُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تعبير موفق عن الحب الخالد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ رغم أن التصور التقليدي للحب الجارف والعاطفة المتأججة،
يرتبط بالحالة الآنية، التي تفتر بمرور الزمن، أو بابتعاد الحبيب عن محبوبته؛ غير
أن هذه القصة الرومانسية عبرت عن حب صادق ومشاعر تشبه مشاعل النور، الذي لا يخبو
ضوءه، بل يزداد قوة وبريقا ونصوعا وطهرا، وخلودا.
ـ وتأتي رمزية (الحب الخالد) معبرة عن الدلالة الكلية للقصة من
خلال الانزياح (الاستبدالي) الرائع بين قدوم بطل القصة من (تاج محل)، وبين المكان
الذي يسعى إليه (وتحيا فيه محبوبته)؛ فمعلوم أن (تاج محل) هو: ضريح رائع الصنع،
أنيق العمارة، شيده الامبراطور (شهاب الدين شاهجهان) في إحدى الولايات الهندية على
طراز العمارة الإسلامية؛ ليضم رفات زوجته (ممتاز محل) والتي نسب لها اسم الضريح؛
تعبيرا عن حبه الخالد لها، وتعلقه بذكراها.
ـ ومن رمزية الحب الخالد؛ إلى رمزية البراءة والإخلاص في الحب
والولاء، والبساطة والمرح؛ المتمثلة في شجيرة (اللاڤندر) وزهورها، نؤكد على حقيقة
أن الكاتبة قد وفقت تماما في استخدام هذا الرمز، وفي موضعه المناسب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سرد قصصي متميز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ إن أساليب السرد القصصي تتنوع من كاتب لآخر، ومن قصة لأخرى؛
وقد وجدنا الكاتبة هنا قد ابتكرت أسلوبا حكائيا متميزا؛ فوجهت حديثها لقارئ قصتها
ـ في البداية ـ على طريقة البوح الخاطري، ثم سلمت قياد الحكي (للراوي العليم) وهو
طبقا للتعريف الأدبي له: (راوٍ كُلي المعرفة، ومُطلق الإدراك، وشاهد كامل الإحاطة
بما يظهر في سلوك شخصيات العمل)، وهو ما جعل القارئ أكثر تفاعلا مع القصة،
واستمتاعا بها.
ـ وقد وفقت الكاتبة أيضا في صياغة الحوار المدون بين الحبيب
ومحبوبته؛ بصيغة المضارع، الذي يفيد الاستمرارية؛ لتعبر بذلك عن حب مازال مستمرا
ولم يتأثر سلبا بفعل الزمن (يقول لها/ تقول له).
ـ كما لم تلجأ الكاتبة إلى الحشو الزائد في قصتها؛ فلم تهرب
منها الفكرة الأساسية، التي ظلت متمسكة بتلابيبها، دون أن تخضع كغيرها لغواية
الاسترسال المفرط، كما أنها حرصت في قصتها على عدم تجاوز شخصياتها (الأساسية
والثانوية) عدد أصابع اليد الواحدة: البطل (عبدالعزيز) ـ محبوبته (سلوى) ـ عمه ـ
جده ـ والد سلوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صور جمالية معبرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ استطاعت الكاتبة بمهارة أن تعبر عن الحالة الشعورية للبطل،
وأن تعزز قصتها بصور جمالية وبلاغية رائعة؛ منها على سبيل المثال: "حروف
أخطها بمداد الأمل والألم"، "الوقت يمر أحد من السيف"، "تنطلق
الأعوام بسرعة الرمح"، "تضيف إلى رصيد الشوق مزيدا من اللهفة"،
"يهرب من قبضة الذكريات"، "كانت لديه أسرارا كثيرة مخبأة في ثنايا
قلبه، حان الوقت للبوح بها"، "دنيا صنعتها بنفسي، وغزلت أركانها بياقوت
من خلايا روحي"، "أثرتي عاصفة الهوى بقلبي؛ فأضحى ينبض باسمك في
سيمفونية عاطفية"، "فمن تراه غيرك قد علم قلبي العزف والغناء يا حبيبتي!"،
"فتنتدى أوصالي بعبير حروفك"، "فرأيتُ جمال الماس واللآلئ تنهال من
عينيكِ"، "يشعر بحرارة الشمس التي فرضت هيمنتها على رأسه"،
"وقعت كلماته وقوع الفأس بالرأس؛ فانبجست من عيونه ـ التي عصرها الألم ـ دموع
أشبه بالدماء"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اتساق رائع بين البداية والنهاية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ لقد أبدعت الكاتبة حين مهدت لنهاية قصتها بذكاء تحسد عليه،
حيث جاءت البداية عامة، وغير كاشفة عن نهايتها المباغتة؛ فقد بدأت حديثها عن
القدر؛ قائلة:
"الإنسان يحيا بين إرادتين: محاولة الإفلات من القدر،
والرضا بما قسمه لي ولها، وما بين هذه و تلك؛ حياة كاملة، ودائرة مغلقه تدور بنا،
أو بالأحرى ندور بها على نحو يتسم بالتوازن بين متناقضات الحياة."، وهو الأمر
الذي يتسق تماما مع التناقض بين (الإياب/ عودة البطل)، و(الغياب/ رحيل محبوبته)،
بين الحياة والموت، بين الأمل والألم، بين استشراف السعادة، وحدوث الفاجعة (وفاة
البطلة)... وهذا كله من أفاعيل القدر الذي
مهدت له في مطلع قصتها بحرفية وسلاسة وإتقان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تصاعد خافت للصراع الدرامي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ رغم أن الصراع الدرامي في هذه القصة، كان صراعا نفسيا عانى
منه البطل منذ البداية، ولم يتصاعد بالشكل المشوق خلال أحداثها؛ إلا أن التوتر
الحكائي الناتج عن تناقضات الحياة، والتقابل الثنائي الذي أشرنا إليها آنفا، فضلا
عن قمة الإثارة المباغتة في خاتمة النص؛ تجعلنا نغفر للكاتبة ثبات حالة الصراع
النفسي من بداية القصة، حتى نهايتها؛ فلا شيء يمكن أن يفعله البطل حيال (وفاة
محبوبته) إلا ما فعل (البكاء والدعاء)؛ فالدموع رحمة، وصدقت الكاتبة حين قالت على
لسان حال البطل: "خرافة تلك التي تقول: (الرجال لا يبكون أبدا)".
تحية تقدير واحترام للكاتبة المبدعة الأستاذة/ هالة إسماعيل
على قصتها الجيدة، وإلى مزيد من الإبداع القصصي المتميز إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجدي شلبي ـ منية النصر ـ الأربعاء 8 مارس 2023