(2) مفهوم الأنوثة عند فحول الشعراء العرب
بقلم/ مجدي شلبي (*)

وَوَعْدُكَ فِعْلٌ قَبلَ وَعْدٍ لأنّهُ ***
نَظيرُ فَعَالِ الصّادِقِ القوْلِ وَعدُهُ
فيرد عليه محييا:
مَن لعيني بطلعة ٍ هي منكم *** طلعة ُ البِشرِ،
طلعة ُ الأفراح
انتظرنا قليلا حتى حضروا جميعا؛ فبادر الشاعر أحمد شوقي بالحديث عن
(الأنوثة) كونها إكمال (للرجولة)، اتساقا مع بيت شعر للشاعر ابن معتوق ـ سبق ذكره في
مقدمة المقال السابق ـ؛ يقول فيه (بتصرف):
فَلْتَهْنَ غُرَّتُهُ منْ بِشْرِ وَجْهِكَ في
*** هلالِ تمٍّ بنورِ (أنثاه) مكتملِ
فقال الشاعر أحمد شوقي:
قد أَكمل الله ذيّاك الهلالَ لنا *** فلا رأى
الدهرَ نقصاً بعدَ إكمال
فيمتعض أحدهم ولسان حاله يقول: عجيب أن يكون الهلال مذكرا، والشمس مؤنثة؛
فيبادر الشاعر المتنبي بقوله:
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ *** ولا
التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
ثم يذكرنا ببيت شعر للشاعرة مروة محمود؛ ورد في ديوانها (لا لن أعود): (الذكر
مذكور دوما*** والأنثى طي النسيان)؛ فيقول:
وَيُظْهَرُ التّذكيرُ في ذِكْرِهِ ***
وَيُسْتَرُ التأنيثُ في حُجْبِهِ
حينئذ يبادر الشاعر ابن الرومي بالدفاع عنهن، ووصفهن بأرق الأوصاف وأعذبها؛
فيقول:
مؤنَّثي الخَلْق (لهن) أعينٌ *** دلالُها
بادٍ وتفتيرها
ويضيف الشاعر البحتري:
وَتَميلُ مِنْ لِينِ الصّبا، فَيُقيمُها ***
قَدٌّ يُؤنَّثُ تَارَةً، ويُذَكَّرُ
ويقول الشاعر ديك الجن:
أَلْفاظُهَنَّ مؤنَّثا *** تٌ، والجفونُ
مذكراتُ
ويقول الشاعر علي بن محمد التهامي:
مقسومة ٌ بالجنس بين مخفّفٍ *** ومثقّلٍ
ومؤنث ومذكر
ويبدع الشاعر ابن الرومي في الوصف؛ فيقول:
تَقَسمها نصفان نصف مؤنثٌ *** ونصف كخُوط
الخيزران مذكر
ويتبارى الشعراء في الغزل؛ فها هو الشاعر الشاب الظريف؛ يقول:
يا طَلْعَة َ القَمر الذي لا أَنْثَني *** عن
حُبِّهِ أبداً ولا أتبَدَّلُ
ويضيف الشاعر ابن زيدون:
رُشّ بماء الوردِ رشّاً وتنثني ***
لِتَغْلِيفِ أفْواهٍ بِطَيّبَة ِ الخَمْرِ
فإذا ما كان البعض يعتبر الدلال جمالا، يرى البعض الآخر أنه تيها وغرورا؛
فيشير الشاعر محيي الدين بن عربي إلى أن أحد أسباب العنوسة من وجه نظره؛ أنها:
تتيهُ عجباً وتنثني طرباً *** وذلك التيه من
عوائقها
ويضيف الشاعر ابن نباتة المصري:
مذكرة الاسياف من لحظاتها *** وقالت علاماتُ
الفتور مؤنثة
ويقول الشاعر مهيار الديلمي:
أبكارهنّ المطمعاتُ نواشز *** وإناثهنّ
المغزلاتُ فحولُ
ويوضح الشاعر أبو نواس أن تشبههن بالرجال في
زيهن، هو أحد الأسباب:
صُورٌ إليكَ، مؤنّثا *** تُ الدّلّ في زِيّ
الذّكورِ
ويقول:
مُخَنَّثَة ٌ مُؤَنّثَة ٌ *** بها ألَمٌ، وبي
ألَمُ
حينئذ يعلن الشاعر أبوالعلاء المعري أنه يرى غير
ما يرون، مؤكدا أن تشبه الرجال بالإناث هو الطامة الكبرى، وهو الذي يجعل الإناث
يرفضونهم؛ (لكونهم):
رِجالُ الأنامِ مثلُ الغَواني، *** غَيرَ
فَرْقِ التّأنيثِ والتّذكير
فيوافقه الشاعر ابن الرومي؛ ويصف أحد هؤلاء:
فيه تأنيثٌ وتخني *** ثٌ وحلمٌ أحْنَفيُّ
ويضيف الشاعر كشاجم:
مُذَكَّرُ القدّ والتّثنّي *** مؤَّنثُ
الدّلِّ كالجواري
ويقول الشاعر ابن نباتة المصري:
مهفهف تعرف من جفنه *** علامة َ التأنيث
بالكسرة
ويقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
روحٌ يذكَّرُ والأنثى طبيعتهُ *** فكل عينٍ
فمن أنثى ومن ذَكَرِ
ويقول الشاعر أبو نواس:
مذكَّرٌ حين يبْدو، *** مُؤنَّثُ الخلواتِ
هنا يأخذنا الشاعر ابن زمرك، لمنحى آخر، واصفا حالة هيامه بأنثاه؛ فيقول:
وجريت في طلق التصابي جامحا *** لا أنثني
لمقادة النصحاء
ثم أوضح:
دعني أطارحها الحنين فإنني *** لا أنثني
لمقالة العذال
فيوجه الشاعر عمر ابن أبي ربيعة الحديث لتلك التي هام بها الشاعر ابن زمرك؛
فيقول لها:
اقني حياءك في سترٍ، وفي كرمٍ، *** فلستِ أولَ
أنثى علقتْ رجلا
ويضيف الشاعر إبراهيم ناجي فاضحا أمرها:
أنثى تلاقي كل آونةٍ *** رجلاً وترمي الوعدَ
آلافا
ثم يعود مبررا شغفه بها، رغم ما ذكره عنها؛
ما حيلتي يا هند وجهك لاح لي *** بأنوثةٍ
جبَّارةِ الطغيانِ
فيضيف الشاعر بشار بن برد، بأن تلك الأنوثة
الطاغية هي التي:
قَيَّدَتْنِي عن كل أُنْثَى تعدَّى ***
بِهَوَاهَا ومن هواها قيود
فيأتي الشاعر بدر شاكر السياب معاتبا ليلاه،
التي هجرته؛ فيقول:
هل كان عدلا أن أحن إلى السراب و لا أنال ***
إلا الحنين و ألف أنثى تحت أقدامي تنام
هنا يذكرنا الشاعر دعبل الخزاعي بقصة يوسف مع
امرأة العزيز؛ فيقول:
قَميصُ أنثاهُمُ يَنْقَدُّ مِنْ قُبُلٍ ***
وَقُمصُ ذُكرانِهمْ تَنْقَدُّ من دُبُر
فيضيف علي بن أبي طالب محذرا من مكر وكيد بعض
الإناث؛ فيقول:
لا تأمن الانثى زمانك كله *** يوما، وَلَوْ
حَلَفْتْ يَمينا تَكْذِبُ
ويقول الشاعر عمر ابن أبي ربيعة:
لا تأمننّ الدهرَ أنثى بعدها، *** إنّي
لآمِنِ غَدْرِهِنَّ نَذيرُ
ويسهب الشاعر ابن شهاب في الوصف والتحذير؛
فيقول:
إذا قسمت أنثى وجادت بدمعة *** وأبدت حناناً
من فم يقطر العسل
فإياك تصديق الكذوب فربما *** تحاول نفث السم
في ذلك العمل
فلا تأمن الأنثى وإن خلت عندها *** وفاء وإخلاصاً به يضرب المثل
ولا تستشرها في الأمور فعقلها *** منوط بذاك العضو إن جار أو عدل
أتوجد أنثى لا يكن فؤادها *** عظائم من مكر وكيد
ومن حيل
ومن ظنّ أن لا سمّ في ناب حيّة *** فذلك مصفوع القفا سفلة السفل
فينبري الشاعر عبد الجبار بن حمديس، مشيرا إلى أنه لا فرق بين الأنثى
والذكر في الطباع؛ فيقول:
من الرجال مُروَّعٌ ومشجع *** ومن السيوف
مؤنثٌ ومذكر
ويضيف الشاعر أبوالعلاء المعري:
جرى النّاسُ مجرًى واحداً، في طِباعهم، ***
فلم يُرْزَقِ التّهذيبَ أُنثَى ولا فحلُ
ويقول الشاعر السيد الحميري:
ولا يشيعني النصاب أنهم *** شر البرية من
أنثى ومن ذكر
ويذكر الشاعر أحمد شوقي نموذجا لجحود الرجال؛
فيقول:
وإنْ لَقِيتُ ابنَ أُنثى لي عليه يد ***
جحدتْ في جنبِ فضلِ الله أفضالي
ويضيف الشاعر أبو الفضل بن الأحنف وصفا لحالة خسة ونذالة من بعض الرجال؛
فيقول:
سأهجرُ كلَّ أنثى بعد فوزٍ *** وأنكرها وذاك
لها قليلُ
فيهز الشاعر بدوي الجبل رأسه إيجابا؛ ويقول:
جنى الخلود عليها فهي شاكية *** إلى الأنوثة
ذاك الخائن الجاني
هنا يعود الشاعر عمر ابن أبي ربيعة متهما بعض
الإناث بهواهن المادي؛ فيقول:
كُلُّ أنثى وإنْ دَنَتْ لِوِصالٍ، *** أَو
نَأَتْ، فَهْي لِلرَّبَابِ فِدَاءُ
ويقول الشاعر ابن الرومي:
له أنثى تَزِيفُ إلى سواه *** وتأخُذُه
بِتَرْبِيَة ِ الفِرَاخِ!
ثم يعود الشاعر ـ في بيت شعر آخر ـ مشيرا إلى
خيانة بعض الرجال لزوجاتهم؛ فيقول:
علا ألفَ أنثى بلا حِلِّها *** على أنه رجلٌ
مُحصِن
هنا يعلن الشاعر علي محمود طه عن حالة من
العفة:
و جرّدت أنثى تشتّهي الرّجال
دعيني حوّاء أو فابعدي *** دعيني إلى غايتي
أنطلق
ثم يصفها ويصف نفسه:
فيا لك أفعى تشهّيتها *** و يا لي من أفعوان
نزق
وفي المقابل يأتي الشاعر ابن نباتة المصري واصفا حالة تعفف أنثوي؛ فيقول (أن
لهن):
أجفانٌ مؤنثة ٌ ولكن *** تقابلنا بأسياف ذكور
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
أبى عزة قتل أنثى تذود *** ذياد المدافع لا
المعتدي
ويرى الشاعر المتنبي أن هناك إناثا (الواحدة منهن بألف)؛ فيقول:
وَإنْ تكنْ خُلقتْ أُنثى لقد خُلِقتْ ***
كَرِيمَةً غَيرَ أُنثى العَقلِ وَالحَسبِ
فيأتي الشاعر أبوالعلاء المعري مشيرا إلى وحدة المصير بين الإناث والذكور؛
فيقول:
للمليكِ المذكَّراتُ عبيدٌ، *** وكذاكَ
المؤنّثاتُ إماءُ
ويضيف الشاعر كعب بن زهير:
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ ***
يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
هنا يبادر الشاعر حسان بن ثابت بتوضيح أن الإناث لهن فضل في حمل ووضع
الرجال، الذين على رأسهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فيقول:
تاللهِ ما حملتْ أنثى، ولا وضعتْ *** مِثْلَ
النّبيّ، رسولِ الرّحمة ِ الهادي
ويؤكد المعنى الشاعر عبدالرحيم البرعي:
واللهِ ما حملتْ أنثى ولا وضعتْ *** كمثلِ
أحمدَ منْ قاصٍ ولا داني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر