ثنائية الظاهر والباطن من منظور شعري
أولا: مفهوم
الظاهر عند فحول الشعراء العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية)
اليوم هو الشاعر محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي (البوصيري)، الذي يحضر حضورا
(افتراضيا) من مثواه الأخير (الإسكندرية) حيث تلقى العلم فيها على يد العالم
الصوفي المرسي أبو العباس، مرورا بمسقط رأسه (قرية دلاص ـ بني سويف ـ مصر)، وهو
صاحب قصيدة البردة، التي تُعد أشهر وأفضل قصائد المديح في الشعر العربي، وقد ورد في
الفصل الثاني منها؛ بيت حكمة شهير:
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على***حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
ـ والآن يتأهب الضيف الكريم (الشاعر البوصيري) ليلقي كلمته؛ فيقول:
ثَناؤُكَ مِنْ رَوْضِ الخَمائِلِ أَعْطَرُ *** وَوَجْهُكَ مِنْ شَمْسِ
الأَصائِلِ أَنْوَرُ
وَسَعْيُكَ مَقْبُولٌ وَسَعْدُكَ
مُقْبِلٌ *** وَكُلُّ مَرامٍ رُمْتَ فَهْوَ مُيَسَّرُ
وإنْ أَظْهَرَ الأصْحابُ ما ليسَ عِنْدَهم *** فإني بما عِندي مِنَ الوُدِّ
مُظْهِرُ
دعني ووصفي آياتٍ له ظهرتْ *** ظهورَ نارِ القرى ليلاً على علمِ
تبدَّتْ فأخفى الظَّاهرية َ نورها *** وليسَ بِظُهْرِ للنُّجُومِ ظُهُورُ
ـ فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
كل نجم ملء العيون ظهورا *** بسناه وما مناه الظهور
ـ فيضيف الشاعر السري الرفاء:
ما سَرَّهُ أن ذاعَ من أسرارِه *** ما غَيَّبَ الكِتمانُ في إضمارِه
تأبى العبارةُ عن هواه فينبري *** جفنٌ يعبِّرُ عنه في استعبارِه
أَخفاه بين ضلوعِه فجَفَت به *** حُرَقٌ تُظاهِرُه على إظهارِه
ـ فيقول الشاعر البوصيري:
مَنْ لِشَيْخٍ ذي عِلَّة ٍ وعِيالٍ *** ثَقَّلَتْ ظَهْرَهُ بِغَير ظَهيرِ
ـ فيرد الشاعر عماد الدين الأصبهاني:
لك والله في كل ما تبتغيه *** بحق ظهير ونعم الظهير
ـ فيقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
قدْ جلَّ مظهرهُ إذْ جلَّ ظاهرهُ *** وحلَّ مظهرهُ نصاً وتأويلا
ـ فيستبشر الشاعر ابن الخياط؛ خيرا:
ظُهورٌ ظهيرٌ على المطلَباتِ *** فَكُلُّ عَسِيرٍ لَدَيْه يَسِيرُ
ـ فيضيف الشاعر البحتري:
يا ظَهِيرَ النّدَى، وَنِعمَ الظّهيرُ، *** وَنَصِيرَ العُلا، وَنِعْمَ
النّصِيرُ
ـ ويكمل الشاعر ابن الرومي:
أضحى ظهيراً للذي *** أضحى وليس له ظهير
ظهيرُ صِدق إذا آخيَّة ٌ ضعُفت *** وزادها ظُهراء السوء إضعافا
ـ فيقول الشاعر البحتري:
إن أنتَ أفقَدتني ظهْرَيِهما، ظهَرَتْ *** نَفَاسَةٌ من قلوب القوْمِ، أوْ
حسدُ
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
قلتُ للمُظهر الشماتَة أظهر *** تَ بإظهارك الشماتة َ فِسقا
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
أظهر على ما في الضمائر كل ذي *** شأن به فالخير في الإظهار
ـ فيرد الشاعر أحمد شوقي؛ محذرا:
لا تأْخذنّ من الأُمور بظاهرٍ *** إن الظواهر تخدعُ الرائينا
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي
ظهورُ الأمور خلافٌ البطونِ *** وغيبُ الصدور خفِيُّ الكُمُونِ
فلا تَخْدعَنِّي ولا يَخْدَعَنْ *** ك لفظٌ تُزَيِّنُه بالرقون
ـ فيكمل الشاعر عبد الغفار الأخرس:
وقد ظهرتَ ظهورَ الصُّبح منبلجاً *** فطالما كنتَ قبل اليوم محتجبا
ـ فيقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
لم ترَ بطنَ الأرضِ، يُلقي، لظهرِها، *** رجالاً، كما يُلقى، إلى بطنِها،
الظّهر
والنّاسُ مثلُ النبتِ يُظهرهُ الحيا، *** ويكونُ، أوّلَ هُلْكِهِ، الإظهار
والنّبْتُ يَظهَرُ للعيونِ، وإن مضَتْ *** سَنَةٌ له، فكأنّهُ لم يَظهَر
ـ فيقول الشاعر البحتري:
إنْ يكُنْ ظاهراً فالشّمسُ ظاهَرَةٌ، *** أوْ كانَ مُبتَذَلاً فالرّكنُ
مُبتَذَلُ
إِنْ كُنْتَ مِنْ عَدَمٍ أَظْهَرْتَ جَهْلَكَ لِي *** لَمَا أَنِفْتُ
لِحُرٍّ ظاهرِ الشَّفْقّهْ
ـ فيضيف الشاعر أبو الفضل بن الأحنف:
أشْهَدُ أنّكَ بي واثِقٌ *** وإن كُنتَ تُظْهِرُ ما تُظْهِرُ
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
ظاهرُهُ أحسنُ من غيبه *** وغيبُه أحسن من ظاهرهْ
ـ فيقول الشاعر الشاب الظريف:
أَصْفُو فأُظْهِرُ ما أُجِنُّ وَلَمْ يَكُنْ *** في باطِني شَيْءٌ يخالفُ
ظاهِري
ـ فيومئ الشاعر الخُبز أَرزي برأسه إيجابا؛ ويقول:
أنت زَيَّنتَها فأظهرتَ فيها *** كرماً حين أظهر الناسُ لُوما
ـ فيقول الشاعر أبو إسحاق الألبيري:
تراه كالأبله في ظاهر *** وهو من اذكى الناس فيما يظن
ـ فيقول الشاعر ابن نباتة المصري:
ظاهر دون باطنٍ مستجار *** ليت حالي يكون بالمقلوب
منعتني الدنيا جنى ً فتزهد *** تُ ولكن تزهد المغلوب
ووهت قوتي فأعرضت كرهاً *** عن لقاءِ المكروه والمحبوب
ـ فينصحه الشاعر جبران خليل جبران؛ قائلا:
فز بغيداء حرة أوتيت فضلا *** على كل حرة غيداء
سمحة القلب ظاهر لطف ما *** تضمروه في جبينها الوضاء
عفة في تأدب وعلو *** في اتضاع ورقة في إباء
وكمال الجمال من كل وجه *** أن يرى في الوجوه صدق المرائي
ـ فيقول الشاعر ابن نباتة المصري:
ظهرت مناقبك الحسان فجئتها *** من وصف سؤددها بلفظٍ ظاهر
ـ فيضيف الشاعر حيدر بن سليمان الحلي:
فتىّ أظهر الله العظيم جلاله *** وليس لما قد أظهر الله هادم
ويظهر مجداً والتعبد قبله *** وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا
ـ فيقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
هو الظاهر المشهودُ في كلِّ ظاهر *** وفي كلِّ مستورٍ فمشهودك اللهُ
هو الجليُّ الخفيُّ في تصرُّفه *** فليسَ يظهرُ منهُ غيرُ ما ظهرا
فما رأيتَ وجودَ الحقِّ في أحد *** إلا رأيت له في كونِه أثرا
ـ فينهي الشاعر ابن نباتة المصري ندوتنا (الافتراضية) منشدا:
يا ظاهر القول والافعال علَّمه *** بالخير من علّم الإنسان بالقلم
له قلمٌ تنهل بالجود سحبه *** وتشرق في أفق الفضائل زهره
عجبت له من طاهر اللفظ ظاهر *** على أنه قد حاق في الناس سحره
هو الملتقي رفعة بتواضعٍ *** وربَّ رفيع حطّ علياه كبره
و أفعاله أوفى ندى من مقاله *** وأكرم من أخباره الغرّ خبره
و عاودته بالقصد أجلو مدائحي *** على فكره الأذكى وحسبي فكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
