مفهوم (الإبداع) في الأقوال والأفعال من
منظور شعري
بقلم/ مجدي شلبي (*)
على غير ما اعتدت في مقالاتي
السابقة؛ أبدأ بالإشارة إلى ما جاء في (معجم اللغة العربية المعاصرة) من تعريف لكلمة
(إبداعي):
* فنانٌ إبداعيّ/ أديبٌ إبداعيّ: مبتكِر، له قدرة على الإبداع والتأسيس،
بدَع الأمرَ: ابتكره؛ أَنْشَأه على غير مثالٍ سابقٍ.
ـ يقول الشاعر ابن الرومي:
هُمُ المبدِعون بديعَ العلا *** إذا كان غَيْرَهُمُ المتَّبع
ويقول:
فعلتَ فأبدعتَ البدائع فاعلاً *** فأبدع فيك القائلون البدائعا
ويقول:
لولا البدائعُ من فعالك لم يكن *** للمادحين إلى البديعِ تغلغُل
ـ فيقول الشاعر ابن حيوس:
فبقيتَ تبدعُ في الفعالِ فإنني *** فِي الْقَوْلِ يَا شَرَفَ الْمَعَالِي
أُبْدِعُ
ـ ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
إبداع فن فيه فوت للنهى *** يحيي النفوس وفيه ري للصدى
ـ وعندما يرى الشاعر جبران خليل جبران الشاعر بديع الزمان الهمذاني قادما؛
فيقول له مُرحبا:
جاء بديع الزمان وحسب *** البديع إذا ما إليه انتسب
ـ ويضيف الشاعر بهاء الدين زهير:
لكَ في فَضْلِكَ المَحَلُّ الرّفيعُ *** لا يُجارِيكَ في البَديعِ البَديعُ
ـ فيرد الشاعر بديع الزمان الهمذاني التحية، ويضيف تعريفه للإبداع:
وما الحرص ببدع لا *** ولا الغيّ بإبداع
ـ فيقول الشاعر السري الرفاء:
لولا الحَياءُ أَراكَ العِتابُ *** بديعاً من النَّظمِ يَتلو بَديعا
ويقول:
وأغناهمُ عن بديعِ السَّماع *** بدائعُ ما ضُمِّنَتْهُ الكُتُب
ـ فيلتقط الشاعر صفي الدين الحلي الوصف (ولا الغيّ بإبداع) فيصف أحد هؤلاء
الغواة:
يا شائنَ الحُسنِ البَديعِ ببدعَة ِ الـ *** ـهجرِ الشنيعِ وكثرة ِ
الإخلافِ
ـ ويضيف الشاعر صريع الغواني:
يا مُبدِعَ الذَنبِ لي لِيَظلِمَني *** هَجرُكَ لي في الذُنوبِ مُمتَحِنُ
ـ فيعبر الشاعر علي بن محمد التهامي عن قناعته بأن في الاتحاد قوة إبداعية:
ما أبدع الشمل المشتت بيننا *** ولو جمع الشمل الشتيت لأبدعا
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران؛ قائلا (حينئذ):
أي الأمور تولوه فإن لهم *** فيه تصرف إبداع وإتقان
ـ فيوكد الشاعر محيي الدين بن عربي على حقيقة أن الإبداع موهبة والموهبة
هبة من الله؛ فيقول:
لما أتيت به سوق الكلام أبى *** وقالَ ليسَ بضاعاتي وأمتاعي
إن العقول لها حدٌّ يصرّفها *** وليس يعرفُ منه علمُ إبداع
ـ فيضيف الشاعر علي محمود طه:
ولكنّه روح، و إبداع خاطر *** و وثبة ذهن، ينقص البرق طائرا
ـ ويؤكد الشاعر ابن نباتة المصري (أن):
لله أي فضائل مأثورة *** يوم الفخار وأي لفظ مبدع
ـ فيشير الشاعر أحمد شوقي إلى دور الوحي والإلهام في الإبداع:
لمستك راحته، ومسك روحه *** فأَتى البديعُ على مِثال المُبْدِعِ
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران مشيرا إلى واحدة من بنات الأفكار التي لا
تأتي إلا وحيا ولمن يستحقها:
بنت فكر غراء بكر جلاها *** مبدع عارف بسر الخلود
ـ فيمسك الشاعر ابن زمرك بالخيط الواصل بين إبداع البشر ـ الذي هو هبة من
الله ـ وبين المبدع الأعظم ـ جل في علاه ـ فيقول:
وبدائع الأكوان في إتقانها *** أثر يشير إلى البديع المتقن
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
وبنائها الفخم البديع نظامه *** من صنع ذاك المبدع البناء
ـ ويضيف الشاعر ابن زمرك:
ومدارة الأفلاك أعجز كنهها *** إبداع كل مهندس ومهندم
ـ فيناوبه الشاعر جبران خليل جبران:
لك الله من واد بديع نظامه *** به أفتن ما شاء البديع المنظم
ـ هنا يشير الشاعر ابن دارج القسطلي إلى تقصير ـ كل من هؤلاء ـ فيما
أوردوه:
إن كان أبدع واصف في وصفه *** فلقد تقاصر عن بديع صفاته
ويشيد بفضل الله على كل مبدع؛ فيقول:
كرم نفس الحلم عن وغر القلى *** وطهر
جسم المجد من دنس الغدر
فلما توافى فيك إبداع صنعه *** قدر أن يعليك قدرا إلى قدر
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:
فعلتَ فأبدعتَ البدائع فاعلاً *** فأبدع فيك القائلون البدائعا
ـ فيقول الشاعر جبران خليل جبران (من ثم):
أراهم بديعا بذاك البديع *** صفا جوهرا وحلا موردا
ـ فيقول الشاعر بهاء الدين زهير:
أُحبّ البديعَ الحسنِ معنًى وَصورَة ً *** وشعري في ذاكَ البديعِ بديعُ
ـ ويقول الشاعر البحتري:
لكَ مِنْ لَفْظِهِ بَديعُ مَحَالٍ، *** كُلَّ يَوْمٍ، إذا تَعَاطَى
البَديعَا
لَوْ لَمْ أمُتّ بها إلَيكَ بَديعَةً، *** ما كُنتَ، في كَرَمِ الفَعَالِ،
بَديعَا
ـ فيرد الشاعر ابن نباتة المصري:
باب البديع فتوحكم وأنا امرؤُ *** لا طاقة ً لي في البديعِ ولا باع
ـ فيبدي الشاعر جبران خليل جبران ملاحظته ـ لأحد الشعراء ـ حول ضرورة اهتمامه
بعلم البديع أيضا:
غير أني لي على إبداعه *** عتب فن وهو بالإبداع أدرى
فيحييه الشاعر ابن الرومي على صراحته، موجها كلامه لمن يستاء من النقد، ولا
يود سوى الإشادة فقط:
أما لئن كَثُرتْ في مدحِكُمْ بِدعي *** لتكثرنَّ غداً في شتمكم بِدَعي
ـ فيتهكم الشاعر السري الرفاء على من يغريه المدح ولا يبغي إلا الثناء؛
فيقول:
إذا أبدَعَ المُدَّاحُ أبدَعَ عُرْفُه *** فكانَ بما يُسْدي من العُرْفِ
أبدَعا
ـ غير أن الشاعر أبو منصور الثعالبي يصر على المبالغة في الإشادة والثناء على
أحد الشعراء؛ فيقول:
أرجلت فرسانَ القريضِ ورضت أفـ *** ـراسَ البديعِ وأنتَ أفرسُ مبدعِ
ـ فيعترض الشاعر ابن الرومي على إبداء الإعجاب والإشادة بما لا يستحق
الإشادة؛ معتبرا أن تلك الظاهرة (بدعة):
بدعة ُ عندي كاسمها بدعهْ *** لا إفك في ذاك ولا خُدعَهْ
ـ فيضيف الشاعر بدوي الجبل:
حمّلوه ما لا يطيق و كانت *** بدعة تخجل العلى أن تطيقا
ـ ويوضح الشاعر المتنبي:
مَا طَرَبي لمّا رَأيْتُكَ بِدْعَةً *** لقد كنتُ أرْجُو أنْ أرَاكَ
فأطرَبُ
ـ ومن التباين بين (البدعة) و (الإبداع) يأتي الشاعر ابن الرومي واصفا
التنوع والتفاوت في مستويات الإبداع ذاته؛ فيقول:
تفاوتَ إبداعٍ فرابٍ وأهْضمُ *** وخَدْلٌ وممشوقٌ وأبيض ناصع
تفاوتَ منها الخلقُ في حسن صورة ٍ *** تفاوتَ إبداعٍ فرابٍ وأهْضمُ
ـ هنا يؤكد الشاعر أحمد محرم على ضرورة التمييز بين المبدعين؛ لاكتشاف هذا
التفاوت، الذي هو سنة من سنن الحياة:
تراهم سواءً لا تفاوت بينهم *** ولن تستبين العين ما كان خافيا
ـ ويأبى الشاعر جبران خليل جبران أن ينتهي هذا اللقاء ـ عن الإبداع ـ دون
إشارة إلى الإبداع الفني في مجال الصناعة؛ فيقول:
يغشاه ثوب دبجت *** ألوانه يد مبدع
ـ ويضيف الشاعر عبدالله البردوني وصفا لإبداع في مجال الزراعة أيضا:
ولخفق البذر صدى *** في إبداع المشتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/07/01/526648.html