السبت، 8 مارس 2014

العادات والتقاليد: بين الضار والمفيد ـ بقلم: مجدي شلبي


العادات والتقاليد: بين الضار والمفيد
بقلم/ مجدي شلبي (*)
                إن تناول موضوع (العادات والتقاليد) يحتاج منا إلى إلمام بعلم (السوسولوجيا)، الذي يهتم بدراسة المجتمع، وأنماط العلاقات الاجتماعية، والتفاعل الاجتماعي، وثقافة الحياة اليومية، تلك الثقافة التي تعد المفهوم المركزي في علم (الأنثروبولوجيا) الذي يدرس التاريخ التطوري للبشر، وسلوكهم الإنساني، وممارساتهم الاجتماعية، وكيفية تكيفهم مع البيئات المختلفة.
       وهكذا يتضح أن تلك العلوم المشار إليها عاليه؛ معنية بدراسة أنماط سلوكية تخص جماعة ما، قلدت ما كانت عليه سابقتها، سلوكا مجتمعيا؛ إما أن يكون مفيدا لتقوية الروابط الاجتماعية: كإحياء المناسبات والأعياد و(الفولكلور الشعبي)، وإما أن يكون سلوكا مجتمعيا ضارا، يقول عنه نجيب محفوظ: "الإبقاء على التقاليد البالية سخف ومهلك". كالثأر والاعتماد على العرافين والمنجمين... إلخ؛ "فالتقاليد مرشد وليست سجانا"(وليم سومرست موجهام)، ذلك السلوك الجمعي المتوارث (تقليدا) للسابقين؛ هو ما يُطلق عليه جمعا: (تقاليد).
       ومن ثم يتضح أنها غير (العادات) التي ترتبط بعلم (السيكولوجيا)، و(علم النفس الفسيولوجي) وهو العلم الذي يدرس العلاقة بين السلوك وأعضاء جسم الإنسان، وتحليل الظواهر النفسية المختلفة، وهي مجموعة وظائف الجهاز العصبي المركزي العليا بالدماغ، المتعلقة بالوجدان والتفكير والسلوك، ومحاولة إيجاد تفسير للسلوك الإنساني للشخص.
       ذلك السلوك الشخصي يرتبط أكثر ما يرتبط بـ(العادات)، التي هي جمع (عادة: حالة تتكرر على نهج واحد)؛ يقول أرسطو: "إن ما نقوم به مرارا و تكرارا؛ ليس فعل، وإنما عادة"؛ ويؤكد المعنى قول الشاعر الفرزدق:
وأنت امرؤٌ عوّدت للمجد عادة، *** وهل فَاعل إلا بما يتعودُ.
       وهكذا يمكن تعريف (العادات) بأنها: أنماط سلوكية للإنسان مميزة له ومعبرة عن شخصيته، وتبدأ (العادة) بشكل إرادي، ثم ما تلبث أن تصبح سلوكا تلقائيا؛ يقول الشاعر معروف الرصافي:
كل ابن آدم مقهور بعادات *** لهن ينقاد في كل الإرادات.
       ويقول الشاعر رشيد سليم الخوري:
نصحتك لا تألف سوى العادة التي*** يسرك منها منشأ ومصير
فلم أر كالعادات شيئا بناؤه*** يسير وأما هدمه فعسير
       ومن (العادات الضارة): التدخين، الفضول، الكذب، عدم احترام الوقت، الغيبة والنميمة، ارتكاب الآثام؛ يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
تقلّدتِ المآثم، باختيارٍ، *** أوانسُ بالفريدِ مقلَّدات.
       ومن (العادات المفيدة): الكرم، الصدق الشهامة، المروءة، الامتنان، العرفان بالجميل، واحترام الآخرين؛ يقول الشاعر مسلم بن الوليد: 
عوَّدت نفسك عاداتٍ خُلقت لها *** صدقَ الحديث وإِنجاز المواعيد.
       وبإيجاز شديد يمكن التفريق بين (العادات) و (التقاليد) في عبارة واحدة: (التقاليد): سلوك مجتمعي متوارث، أما (العادات): فهي سلوك شخصي مكتسب.
       إن ما دفعي لكتابة هذا المقال؛ هو ما يردده بعض الفتيان والفتيات من دعوات لضرورة التحرر من العادات والتقاليد، متهكمين عليها بوصفهم لها: بـ(العاهات والتعاقيد)!، غافلين عما تلعبه (العادات والتقاليد/ المفيدة) من دور أساسي في بناء المجتمع وتقدمه، بما تقيمه من علاقات إيجابية وترابط مجتمعي بين أفراده، من خلال ضوابط حاكمة، وصفات حميدة تشعر الإنسان بهويته، وتقوي فيه روح الانتماء؛ يقول ونستون تشرشل: "حب التقاليد لم يضعف أمة قط، بل طالما أعطاها القوة في ساعات الخطر"، ويقول علي الوردي: "الفكر البشري حين يتحرر ويخرج عن التقاليد لا يستطيع أن يحتفظ بطابع اليقين على أيه صورة".
         صحيح أنه من حق الإنسان أن يثبت ذاته من خلال فكرٍ وإبداعٍ جديد، لكن دون إغفال لما أبدعه السابقون، ونظرة في مجال العلم تكفي للدلالة على صدق ما نقول: فالعلماء في شتى مجالات المعرفة لا يبدؤون من الصفر، لكنهم يكملون مسيرة من سبقهم، ويبنون عليها، ويضيفون إليها...
       ويطيب لي ـ في ختام مقالي هذا ـ أن أصحبكم في رحلة أدبية، ذات علاقة قوية بالمعاني اللغوية لكلمتي (عادات) و (تقاليد):
ـ (عادة) جمعها: (عادٌ)، و(عادات)، و(عوائد)./ (العادة): المعتاد والمألوف حتى صار طبعا؛ يقول الشاعر أبو تمام:
تعودت الهوى طفلا وكهلا *** وعادات الفتى بعض الطباع.
مِنْ عَهْد عاد: قديم جدًّا./ العادي: العَدُوُّ أو الظَّالم./ عوادي الدهر: مصائبه/ أمر خارق للعادة: مجاوز لقدرة العبد أو لطبيعة المخلوقات كالمعجزة والكرامة/ عودة: رجوع (عاد، يعود، عودة: رجع، وفي المثل: العود أحمد)/ المعيد من الرجال: العالم بالأمور الذي ليس بغُمْرٍ/ في صفات الخالق العظيم ـ جل في علاه ـ (المبدئ المعيد): بدأَ اللَّه (سبحانه وتعالى) الخلق إِحياءً ثم يميتهم ثم يعيدهم أَحياءً كما كانوا.
       فإذا ما انتقلنا في سياحتنا اللغوية إلى كلمة (تقاليد) وجدناها تعني: محاكاة، احتذاء./ (قلَّدَ يقلِّد، تقليدًا، فهو مقلِّد، والمفعول مقلَّد)./ رجل تقليدي: متمسك بالقديم./ قلد الشيء: لواه، قلد الحديدة: رققها ولواها على شيء./ قلد الحبل: فتله./ قلد الماء في الحوض: جمعه./ قلد الزرع: سقاه./ قَلَّده القلادة: جعلها في عنقه./ قلده المنصب: أسنده إليه (ولاه)؛ يقول الشاعر البحتري:
وأبهجنا ضربُ الدنانير باسمه، *** وتقليدهُ من أمرنا ما تقلدا.
       وقلده نعمة: أعطاه عطية أو أسدى إليه معروفا؛ يقول الشاعر جبران خليل جبران:
هما وسامان من مجد أعزهما *** ما قلد الروح لا ما قلد الجيد.
       وقلد الشيء: زوره، زيفه؛ يقول الشاعر عبد الكريم العامري: "كن حذراً؛ من الغربان ما يجيد تقليد البلابل"!.
وأوفق ما قيل في هذا السياق؛ بيت من قصيدة (وادي العرائش) للشاعر محمد مهدي الجواهري:
ثقي "زحيْلةُ" أنَّ الحسن أجمعهُ *** في الكونِ عن حسنكِ المطبوع تقليد.
وأستعير قول الشاعر لسان الدين الخطيب؛ لأهديه إلى قارئي الكريم، إذا رأى في مقالي قصورا:
وعلى كل حالة فقصوري *** عادة إذ قبولك العذر عادة!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو نقابة اتحاد كتاب مصر
ـ مقالي هذا نشره في موقع دنيا الرأي على الرابط التالي:
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/05/16/522483.html