السبت، 8 مارس 2014

جوهر الأخلاق في زمن الكوارث ـ بقلم: مجدي شلبي


جوهر الأخلاق في زمن الكوارث
بقلم/ مجدي شلبي (*)
       إذا كان تعريف كلمة (كارثة): "مصيبة عظيمة وخراب واسع"؛ (كَرْث: مصدر كَرَثَ) (كَرَثَ: كَرْثًا فهو كارثٌ)؛ فمن الطريف أن تكون أحد اشتقاقات كلمة (كارث): هي الـ(كُرُّاثُ) وهو النبات الذي له عدة اسماء منها: (الكُرَّاثُ الشامي)، (الكُرَّاثُ المصري)، (الكُرَّاثُ أَبو شُوشة)، و(الكُرَّاثُ النبطي) ومن ثم نستطيع وصف من يأكل (الكراثُ) بأنه (كَرَثَ) كُراثا فهو كارثٌ، وربما استمد (الكراثُ) اسمه (الكارثي) هذا؛ من المصيبة الكريهة التي تعم الأجواء المحيطة بمن يفرط في تناوله، رغم فوائده الصحية العديدة!.
       وهو ما يؤكد حقيقة أن أي (كارثة)، صغرت فكانت (كُراثا)، أو كبرت فكانت زلزالا (مدمرا)، أو وباء (متفشيا)؛ لها نتائج سلبية وأخرى إيجابية؛ ففي ظل (الكوارث) التي تهد القوى، وتهدد الأرواح، يحتاج البشر إلى التعاون، والتكاتف، والتكافل والتراحم؛ يقول الشاعر أحمد محرم:
نرجو مراحمه في كل كارثة ٍ *** تهد منا القوى هدا وتعيننا
       ولعل ما ظهر من مبادرات إنسانية خلال جائحة (كورونا) التي تهدد العالم كله؛ خير دليل على ما في نفوس البشر من نوازع خير ورحمة، وهو خير ينبغي الإسراع به دونما تأجيل؛ يقول الشاعر عبد الرحيم البرعي:
الخيرُ أنفعهُ للناسِ أعجلهُ *** لا خيرَ في كلِّ خيرٍ فيهِ تأجيلُ
ويؤكد المعنى قول علي بن أبي طالب:
ولا خير في وعد إذا كان كاذباً *** ولا خير في قول إذا لم يكن فعلُ
ويقول الحق سبحانه وتعالى في الآية 215 من سورة البقرة: (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم).
       ففي ظل الكوارث: تتسامى الأرواح، وتمتد الأيدي بالبذل والعطاء، وترتفع الأكف متضرعة إلى الله بالدعاء: أن يزيح الغمة، ويدفع البلاء والوباء عن عباده الضعفاء؛ يبتهل الشاعر ابراهيم الأسود إلى الله:
مقامك قبلتي وهواك ديني *** فانت بكل كارثة معيني
والشاعر ابن معصوم المدني يرجو الله سبحانه وتعالى أن:
تَنفي الأسى عنِّي وتحمي جانبي *** من كلِّ كارثة ٍ يعمُّ أذاها
       إن ما يُثار من أن "(الكوارث) ‏ تظهر أسوأ ما في البشر؛ فتسير الأخلاق نحو الهاوية و يتحول الناس الى وحوش..." هو قول غير دقيق؛ فالكوارث: كاشفة لمعادن الرجال؛ فمنهم الكريم ومنهم البخيل، منهم النبيل ومنهم الحقير، منهم الطيب ومنهم الخبيث، يقول المثل: "كل بئر ينضح بما فيه"؛ يقول الحق سبحانه وتعالى في الآية 100 من سورة المائدة: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون).
       فالكوارث لا تغير من أخلاق البشر؛ بل تخلع عنهم الأقنعة، ليظهروا على حقيقتهم: ذلك بسمو خلقه؛ يقول فيه الشاعر البحتري:
له الأخلاق أخلاق المعالي *** وآيات المروءة والسخاء
وذاك بسوء خلقه؛ يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
يا صاح إنّ الكبر خلق سيء *** هيهات يوجد في سوى الجهلاء
       ولكون العلاقة جد قوية بين الدين والأخلاق مصداقا لما بُعث لأجله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)؛ يصبح من واجب كل مسلم أن يستمسك بدينه في كل الظروف و الأحوال؛ يقول علي بن أبي طالب:
إن المكارم أخلاق مطهرة *** فَالدِّيْنُ أَوَّلُها والعَقْلُ ثَانِيها
       ولا يمكن أن نغفل ما نلمسه جميعا من تدهور ملحوظ في أخلاق البعض الذين انكشف عن سوء أخلاقهم القناع؛ فأهمس في أذن قارئي الكريم مستعيرا بيت حكمة للشاعر أحمد محرم:
إني لأعلم ما جر الزمان على *** أخلاق قومي ولكني أداريها
       فلربما من ساء خلقه، وقبح فعله، يهديه الله يوما، أو (يعذبه) إذا تمادى في غيه، ولم يعد إلى رشده، ولنتبنى الحكمة الشهيرة: "قم بواجبك ولا تكترث لما يقال"، ولا تجعل:
الخوف من كارثة لم تقع *** أمصّ من كارثة حلّت (الشاعر إيليا أبو ماضي)
       وآخر ما أنهي به مقالي هذا هو دعاء رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو نقابة اتحاد كتاب مصر