الأحد، 9 مارس 2014

إطلالة على العلاقة المتينة بين الحقد والكراهية الدفينة! ـ بقلم/ مجدي شلبي

إطلالة على العلاقة المتينة بين الحقد والكراهية الدفينة!

بقلم/ مجدي شلبي (*)
       الحقد، البغض، الكراهية، العداء... كلها مرادفات لما يضمره البعض من مشاعر خبيثة، تجاه كل من حظي بنعمة (فيستكثرها عليه/ حسدا)، أو من وفقه الله لهدف (لم يستطع الوصول إليه/ تقصيرا)!؛ يقول الشاعر مروان ابن أبي حفصة:
مَا ضَرَّني حَسَدُ اللِّئامِ وَلَمْ يَزَلْ *** ذُو الفَضْلِ يَحْسُدَهُ ذَوُو التَّقْصِيرِ
       ومن ثم يُنجب الحقد والحسد: كراهية وبغضا وعداء (مستترا) ضد كل ذي نعمة؛ يقول رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم: (كل ذي نعمة محسود)؛ فلا تندهش عندما ترى هؤلاء وهم: يقولون مالا يفعلون، ويظهرون مالا يبطنون، فقد صورهم الشاعر البحتري بقوله:
يلاقونني بالبشر والرحب خدعة *** وكل طوى كشيحه مني على حقد
ويسخر الشاعر ابن شهاب من هؤلاء؛ فيشبههم ببعض النساء اللائي:
ربما تضمر بغض بعلها *** وتظهر الحب له في قولها
       فالحذر كل الحذر، ممن حمل الحقد وأضمر، متحينا الفرصة للانقضاض على غريمه، محاولا إطمار ما ظهر عليه من نعمة، وما تحقق له من تميز، وهنا يبرز السؤال: لماذا يحقد هؤلاء على الناس؛ فيجيب عباس محمود العقاد: "من الحاقدين من يحقد على الناس لأنهم أبوا عليه أن يضرهم ليستفيد من ضررهم."!، ويجمل الشاعر أحمد شوقي صفات هؤلاء بقوله:
إنما هم حقدٌ، وغشٌّ، وبغضُ *** وأَذاة ٌ، وغيبة ٌ، وانتحال
       إن الحاقد؛ يغفل عن حقيقة أن الله سبحانه وتعالى هو الوهاب، الذي يمن على عباده بتلك النعم، ويوفقهم فيما يحققوه من أهداف، وكان حري به أن يتحلى بسلامة الصدر، وفراسة الذكر، بديلا عن الغل والحقد والبغضاء؛ يقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
سلامة الصدر من حقد مراقبة *** فراسة ذكر أن الله منان
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
دامت لكم نعماؤكم محفوظة *** من كيد ذي حقد وعين حسود
       وليعلم كل من حقق تفوقا في مجاله، ومكانة في مجتمعه، أن الحقد سيكون دليلا على تفوقه ونبوغه؛ يقول الشيخ الشعراوي: "إذا لم تجد لك حاقدا فاعرف أنك إنسان فاشل."، ويقول الشاعر بدوي الجبل:
يلاقي العظيم الحقد في كلّ أمّة *** فلم ينج من حقد الطّغام عظيم
       ومن العجب ألا يكتفي الحاقد بحقده، بل يسعى لاجتذاب أكبر عدد من البشر ليضمهم إلى حظيرته، متوهما أن بالكثرة تكون الغلبة؛ يقول الشاعر لسان الدين الخطيب:
ولو أنهم ملأوا البسيطة كثرة *** إن الكثير مع الضلال قليل
ويقول الشاعر الشريف المرتضى:
فالحبُّ عندهمُ بغضٌ ومقلية ٌ *** والصّدقُ بينهمُ زورٌ وبهتانُ
ويؤكد المعنى الشاعر المعتمد بن عباد بقوله:
قَومٌ نَصيحتُهُم غِشٌّ وحبُّهم *** بُغضٌ، وَنَفعُهُم -إِن صَرَّفوا- ضَرَرُ
       رغم أن الله ـ سبحانه وتعالي ـ خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف (نتآلف، نتواد، نتقارب، نتعاون)، لا أن (نتحاقد، نتباغض، نتحاسد، نتعارك...)؛ يقول الشاعر الشريف الرضي:
في مجلس قوّم أعطافه *** تَقَارُبُ الوَصْلِ وَقُرْبُ النّعيمْ
ويقول عنترة بن شداد:
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَب *** ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ
ويقول الشاعر ابن النبيه:
محسن للمسيء يعفو بقلب *** فيه كبر عن حمل حقد وكبر
ويحذر الشاعر أحمد محرم من التفرق والتمزق والجهل والحقد؛ فيقول:
وأضيع ما فوق البسيطة أمة ٌ *** يمزقها جهلٌ ويأكلها حقد
ويكمل الشاعر علي بن محمد التهامي:
وما أبدع الشمل المشتت بيننا *** ولو جمع الشمل الشتيت لأبدعا.
       وكأن الشاعر شمس التبريزي قد استشعر ما سوف يحيق بالبشر من جائحة؛ فاستبشر خيرا باندحار الأحقاد وحلول الوئام:
نخلت له نفسي النصيحة إنه *** عند الشدائد تذهـب الأحقاد
ويضيف الشاعر بدوي الجبل:
لا الفقر حقد و لا النّعماء غاشمة *** كلاهما انسجما بالحبّ و اتّحدا
وها هو الشاعر بدوي الجبل يعبر عن حالة صفاء ونقاء:
يشهد الله ما بقلبي حقد *** شفّ قلبي كما يشفّ الغدير
فيحييه الشاعر ابن النبيه على مشاعره النبيلة، واصفا إياه بأنه:
محسن للمسيء يعفو بقلب *** فيه كبر عن حمل حقد وكبر
       غير أن الشاعر عفيف الدين التلمساني ـ على الجانب الآخر ـ يؤكد أن الحقد مازال قائما:
وَفِي الحَيِّ غَيْرَانُونَ كَادَتْ نُفُوسُهُمْ *** تَمَّيزُ مِنْ غَيْظٍ عَلَيْنَا وَمِنْ حِقْدِ
ويصف الشاعر عبد الغفار الأخرس أحدهم بأنه:
إذا ما رأته العين أيقنت أنَّه *** تَخَلَّق من حقد وصوّر من بغض
يقول علي بن أبي طالب:
وإذا الحقود وإن تقادمَ عهده *** فالحقْدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَيَّبُ
ويشكو الشاعر الشريف الرضي:
كل قريب لي بعيد بوده *** وكل صديق بين أضلعه حقدُ
ويؤكد الشاعر أحمد شوقي حقيقة أن النفس الأمارة بالسوء هي مأوى الحقد والشرور:
والنفسُ عاكفة ٌ على شهواتها *** تأوي إلى أحقادها وتثور
ويضيف الشاعر ابن رشيق القيرواني الأزدي:
ورُبَّ تَقَطبٍ مِنْ غَيْرِ بُغْضٍ *** وَبُغْضٍ كامِنٍ تَحْتَ ابتِسامِ
ويكمل الشاعر بدوي الجبل:
لم يميّز محبّبا من بغيض *** في الدّجى لا تميّز الألوان
ـ فما العمل؟؛
       يبدو أن الإجابة تكمن في محاولة التعايش السلمي والتكيف مع طبائع البشر من حب وحقد، ومن خير وشر؛ يقول الشاعر أحمد محرم:
نما الناس حولي من محب وحاقدٍ *** فما غرني حب ولا هاجني حقد
ويصل التسامح مع الحاقدين مداه بقول الشاعر الفرزدق:
كُنْ مِثلَ يوسُفَ لمّا كادَ إخوَتُهُ، *** سَلَّ الضّغائِنَ حَتى ماتَتِ الحِقَدُ
ويتمنى الشاعر ابن الرومي أن نقتدي به في صلة الأرحام، حتى مع اللئام من الأقارب:
وإني لبرٌّ بالأقارب واصلٌ *** على حسدٍ في جُلِّهم وعلى بُغض
ويقول الشاعر ابن المعتز:
اصبِرْ على حَسَدِ الحَسودِ، *** فإنّ صبركَ قاتله
فإذا لم تمتلك صبرا؛ فامتثل لقول الشاعر هدبة بن الخشرم:
أبغَض إِذا أَبغَضتَ بَغضاً مُقارِباً *** فإِنَكَ لا تَدري مَتى أَنتَ راجِعُ
 فلربما: ذهبتْ سوابقُ الأحقادِ *** وظَهر الأَحبابُ في الأَعادي (الشاعر أحمد شوقي).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر