مفهوم (الجمال)
و(القبح) عند فحول الشعراء العرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما نتناول مقالا عن مفهوم
(الجمال)؛ يجمل بنا ألا نغفل التعرض لمفهوم (القبح) أيضا؛ تأكيدا لحقيقة لخصها
الشاعر المتنبي بقوله:
والضد يُظهر حسنه الضد *** و بضدها تتميز الأشياء
وإلى أن يكتمل الحضور (الافتراضي)
لضيوفنا من فحول الشعراء العرب؛ أدعو القارئ الكريم إلى مطالعة مقالي (مفهوم
الجمال في الأدب قديما وحديثا) ـ الذي سبق أن نشرته لي جريدة المغرب الأوسط
الجزائرية يوم السبت 18 يناير 2020 وأعيد نشره في موقع دنيا الرأي في اليوم التالي
على الرابط:
وذلك كمقدمة لندوتنا الافتراضية:
ـ وها أنذا أرى الشاعر ابن الرومي يومئ لي برأسه إيجابا؛ ويقول (نعم نعم):
من المقال فرائضٌ ونوافل *** والفرضُ مفترضٌ له التقديم
ـ والآن أرى الشاعر ابن نباتة المصري؛ يدعونا ـ بتصرف ـ لبداية اللقاء:
(تقدموا) في كل محفل سؤددٍ *** تقديمَ بسم اللهِ في (الندوات)
ـ حينئذ يتساءل الشاعر إبراهيم ناجي:
يا ندوة السمار هل من مسجل *** يدوّن إعجاز القرائح منصفا
ـ فيجيبه الشاعر بدوي الجبل؛ مشيرا إليَّ:
(نحن هنا) في ندوة المجد (التي) *** (نحلق فيها بشعرٍ ومجدي مسجلا)
ـ فيتهكم الشاعر أحمد محرم على العبد لله؛ قائلا:
يقول غواة الناس مجدٌ وسؤددٌ *** ولا سؤددٌ فيما بدا لي ولا مجد!
ـ فيعتقد الشاعر بدوي الجبل أنه يقصده هو بهذا الهجاء؛ فيرد عليه:
كلّ مجد يفنى و يبقى لشعري *** شرف باذخ و مجد أثيل
ـ فيرد الشاعر ابن النبيه نيابة عن الشاعر أحمد محرم، الذى رحل مغاضبا:
في أحسن الناس لا في غيره غزلي *** وإن مدحت (فبدوي) خير مقصود
ـ فيتهلل وجه الشاعر بدوي الجبل بشرا؛ ويقول للشاعر ابن النبيه:
معدن الخير و الجمال المصفّى *** وجهك الخيّر الكريم الجميل
ـ فيستحثهم الشاعر ابن الرومي؛ قائلا:
يا محبَّ الجمال ليس جميلاً *** بجميلٍ ألاَّ يريك جماله
ـ فيقول الشاعر الشاب الظريف:
نشبت إلى الجمال وفيك بعدٌ *** أَضَافَ لَكَ الجَمَالَ إلى الحِجَابِ
ـ ويضيف الشاعر الشريف المرتضى:
ومُنتَقِباتٍ بالجمال ملكْنَنا *** وما كنّ لى لولا الجمالُ موالكا
ـ فيعترض الشاعر عبد القادر الجيلاني؛ قائلا:
رُفِعَ الحَجْبُ عَنْ بُدُورِ الجَمَالِ *** مَرْحَباً مَرْحَباً بِأَهْلِ
الجَمَالِ
ـ ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
ألقى الجمال عليك آية سحره *** فغدوت ما شاء الجمال حبيبا
ـ فيرد الشاعر بدوي الجبل:
ظلم الجمال أبا عليّ من رأى *** أنّ الجمال غواية تتودّد
حبّ الجمال عبادة مقبولة *** و الله يلمح في الجمال و يعبد
ـ فيضيف الشاعر ابن نباتة المصري:
جمال الدين قد أتقنت خطّاً *** حوت أوضاعه معنى الجمال
ـ ويقول الشاعر عبد الغفار الأخرس:
وما سرَّني إلاّ جميلُ محمد *** وليسَ جميلٌ بعد آل جميل
ـ فيأتي الشاعر أبوالعلاء المعري واصفا من حادوا عن الطريق القويم؛ فيقول
فيهم:
خالَفوا الشّرعَ، لمّا جاءهم بتُقًى؛ *** واستَحسنوا، من قبيح الفعل، ما
شرَعوا
ـ فيفاجئنا الشاعر بهاء الدين زهير؛ بقوله:
ويحسنُ قبحُ الفعلِ إن جاءَ منكمُ *** كما طابَ ريحُ العُودِ وهو دُخانُ
ـ فيهجوه الشاعر جميل بثينة؛ بقوله:
ألاّ يا غرابُ البينِ، فيمَ تصيحُ *** فصوتُكَ مَشيٌّ إليّ، قَبيحُ
ـ ويضيف الشاعر ابن الرومي:
لا يتَّقي في جميلٍ هولَ مُرتكَبٍ *** إذا اتَّقى في رَغيبٍ قُبْحٌ
مُرتكَبِ
ـ فيقول الشاعر أسامة بن منقذ:
فإذا أقمت دليل قبح فعاله *** دفعَ العيانَ بحُجة المتجَاهلِ
ـ ويقول الشاعر ابن الرومي:
يؤنِسُهُ حُسنهُ ويوحشهُ *** قبحُ أفاعيلهِ إذا ذكره
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
أليس جميل الفعل أولى لديكم *** بظن جميل مثله أو بأمثل
ـ فيوافقه الشاعر الشريف الرضي في سؤاله الاستنكاري:
إذا (قال) كانَ الفِعلُ ثانيَ نُطقِهِ *** وخير مقال ما تلاه فعال
ـ فيبادر الشاعر ابن الرومي بقوله:
ومنْ إذا ما فعلتُ الفعلَ أيَّدني *** إقبالهُ فوقيت العَثْرَ والزللا
ـ وهكذا أجمع الشعراء على أن (الجمال: صفة الحسن في القول والفعل، في
الأشكال والأخلاق معا)؛ فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
تم فيك الجمال حسا ومعنى *** هكذا هكذا تمام الجمال
ـ فيصيح الشاعر ابن الرومي موضحا صورة من اهتم بالمظهر دون الجوهر؛ قائلا:
له مُحَيّاً جميلٌ تَستدلُّ به *** على جميل وللبُطْنانِ ظُهرانُ
ـ فيضيف الشاعر المتنبي:
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ *** في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ
حَسَنُ
ـ ويقول الشاعر ابن الرومي:
وأخرى على مافيك من حسن منظرٍ *** غدوتَ وقد أصحبتَهُ قُبحَ مسمعِ
ويضيف:
عواء كلب على أوتارِ مندفة ٍ *** في قُبحِ قردٍ وفي استكبار هامانِ
قبَّحَ الإله إخاءَ ظُلْمٍ بيننا *** أرعاك فيه وأنت لا ترعاني
ـ فيقول الشاعر السري الرفاء:
لقد كانَت جِلاءَ العَينِ حُسناً *** فعادَت وهي من قُبحٍ قَذاها
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
قُلْ لمنْ ألبسَ الجمالَ جمالا *** بالمعاني وهيبة ً وجلالا
ـ فيكمل علي بن أبي طالب:
لَيْسَ الجَمَال بأَثْوابٍ تُزَيِّنُنَا *** إن الجمال جمال العلم والأدب
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
قبحت فجاوزت المدى قبح منظرٍ *** ويا حسنَهُ من منظرٍ حين تُخبَر
ـ فيقول الشاعر صفي الدين الحلي:
إذا عدمَ الفتى خلقاً جميلاً، *** يَسودُ بِهِ، فَلا خُلِقَ الجَمالُ
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
ومن يهوى كذي وجه جميل *** جلا إشراقه طبعا جميلا
ـ ويقول الشاعر كثير عزة:
وإلاّ فإجمالٌ إليّ فإنّني *** أُحِبُّ من الأخلاقِ كُلّ جميلِ
ـ فيحييه الشاعر جبران خليل جبران؛ قائلا:
سبحان من جمع الخلق الجميل إلى *** خلق جميل وبالحسنين حلاك
ـ فيشير الشاعر ابن النبيه إلى ارتباط الجميل بالجمال؛ فيقول:
ولك الجمال مع الجميل *** فمنظر حسن ومخبر
ـ فيكمل الشاعر الشريف المرتضى:
جَمعوا الجميلَ إلى الجمالِ وإنَّما *** ختموا إلى المرأى الممدحِ مخبرا
ـ ويضيف الشاعر جبران خليل جبران:
شفافة يبدي جميل نقائها *** ما في ضميرك من جميل نقاء
ـ فيقول الشاعر الشاب الظريف:
وإنْ رُمْتُمُ وَصْفِي بَدِيعَ جَمَالِهِ *** فأيسرُ ما فيهِ الجمالُ
بأسرهِ
ـ فيردف الشاعر جبران خليل جبران؛ قائلا:
أقيلوا أخاكم إذا ما عثر *** فإن الجميل جميل الأثر
ـ هنا يتوجه الشاعر بهاء الدين زهير له بالشكر؛ فائلا:
وإنّي على ذاكَ الجَميلِ لَشاكِرٌ *** وَإنّي إلى ذاكَ الجَمالِ لمُشتاقُ
ـ فيأتي الشاعر ابن الرومي؛ مشيرا لصانع الجميل، بألا يردف جميله بما هو
ليس جميلا؛ فيقول له ناصحا:
وكلّ الذي أسلفتني من صنيعة ٍ *** جميلٌ فلا تُردفه غيرَ جميلِ
ـ فيضيف الشاعر البحتري:
وكم عانيت قبلك من جميل *** قبيح الفعل عند الاجتداء
ـ فاعتقد الشاعر جميل بثينة، أنه المقصود ببيت البحتري؛ فقال:
بثينة ُ قالتْ: يَا جَميلُ أرَبْتَني، *** فقلتُ: كِلانَا، يا بُثينَ،
مُريبُ
وأضاف:
يقولون: جاهِدْ يا جميلُ، بغَزوة ٍ، *** وأيّ جهادٍ، غيرهنّ، أريدُ
ـ فيبتسم الشاعر جبران خليل جبران في وجه الشاعر جميل بثينة؛ قائلا:
إن الجميل في الجمال وفنه *** لأدق مبتدع وخير مجدد
ويضيف:
كل ضرب من الجميل جميل *** غير أن العزيز فيه التمام
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
البسْ جمالك عند كلّ قبيحة ٍ *** إن التجمّلَ بالرجالِ جميلُ
ـ فيعترض الشاعر أبوالعلاء المعري:
إذا كانَ الجَمالُ إلى انتِساخٍ، *** فحُزْناً جَرَّ مَوهوبُ الجَمال
ـ فيكمل الشاعر ابن الرومي:
ألا قُبحاً على قبح وسُحقاً *** لهاتيك المناظرِ والجُسومِ
ويضيف:
تخاله أبداً من قبح منظره *** مُجاذباً وتراً أو بالعاً حجرا
ـ ويقول الشاعر أبو تمام:
بَرزَتْ بهمْ هَفَواتُ عِلْجهمُ وقَدْ *** يردي الجمالَ تعسفُ الجمالِ
ـ فيضيف الشاعر مهيار الديلمي:
وجسَّره الجمالُ على التجنّي *** ألا يا قبحَ ما صنع الجمالُ
ـ ويضيف الشاعر أبو الفضل بن الأحنف:
يَحسُدنَ وَجهَكِ يا ظلومُ جَمالَهُ *** هَيهاتَ! ما لَكِ في الجَمالِ
قَسيمُ
ـ فيدهشنا الشاعر أبو تمام، بتبنيه شعار (مرآة الحب عمياء)؛ فيقول:
و ما زادهُ عندي قبيحُ فعالهِ *** و لا الصدُّ والاعراضُ إلا تحببا
ـ ويتبنى الشاعر عمر ابن أبي ربيعة شعار (حبيبك يبلع لك الزلط...)؛ فيعترف:
حسنٌ لديّ حديثُ منْ أحببته، *** وحديثُ منْ لا يستلذُّ قبيحُ
ـ ويضيف الشاعر أبو فراس الحمداني:
جميلُ العدوِّ غيرُ جميلٍ، *** و قبيحُ الصديقِ غيرُ قبيحِ
ـ فينصح الشاعر أبوالعلاء المعري بالتخلي عن هذا الشعار:
ما تُريكَ مَرائي العينِ، صادِقَةً، *** فاجعلْ لنَفسِكَ مرآةً من الفِكَر
ـ ويضيف الشاعر البحتري محذرا من المخادعين؛ فيقول:
إِياكَ تغْتَرّ أَو تَخْدعْكَ بارِقَةٌ *** مَنْ ذِي خِداعٍ يُرِي بِشْراً
وإِلْطَافا
ـ فيعتذر الشاعر أبو نواس نيابة عن الشاعر أبو تمام؛ ويقول:
لا تلُمْني على التي فَتنتْني، *** و أرَتْني القَبيحَ غيرَ قبيحِ
ـ فينتقل الشاعر المتنبي إلى وجه آخر من وجوه القبح؛ قائلا:
الغِنى في يَدِ اللّئيمِ قَبيحٌ *** قَدْرَ قُبْحِ الكَريمِ في الإمْلاقِ
ـ ويؤيده الشاعر الشريف المرتضى:
وليس بخافٍ قبحُ حرصٍ على غنًى *** ولكنْ عقولٌ بالضّراعة ِ جُنّتِ
ويضيف:
ألا قَبح الإلهُ وجوه قومٍ *** أذلُّوا في طِلابِهمُ الرِّقابا
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
فإن الظلم من كلِّ قبيحٌ *** وأقبحُ ما يكون مَن النبيه
ـ ثم يعبر الشاعر المتنبي عن أبشع وجوه القبح (قبح التلون والتغير)؛ فيقول:
قُبْحاً لوَجهِكَ يا زَمَانُ فإنّهُ *** وَجهٌ لَهُ من كُلّ قُبحٍ بُرْقُعُ
ـ فيستبشر الشاعر الأقيشر السعدي خيرا بقادم الأيام؛ فيقول:
قَدِ اخْتَلَجَتْ عَيْنِي فَدَلَّ اخْتِلاَجُهَا *** عَلَى حُسْنٍ وَصْلٍ
بَعْدَ قُبْحِ صُدُودِ
ـ فيدعو الشاعر عمر ابن أبي ربيعة؛ قائلا:
أوْ صليه (ياأيام) وصلاً يقرُّ عليه، *** إنَّ شَرَّ الوِصَالِ وَصْلُ
الكِذَابِ!
ـ ويهم الجميع بالانصراف على وعد ـ غير مكذوب ـ بلقاء قادم في ندوة
(افتراضية) أخرى؛ يلبي فيها فحول الشعراء النداء؛ اتساقا مع قول الشاعر ابن حيوس:
فأتاكَ أهلُ (الشعر) منْ آفاقه *** رغباً لقدْ نادى نداكَ فأسمعا
ـ وها هو الشاعر إبراهيم ناجي؛ يقول مودعا:
فمفترقان فيه إلى لقاء *** وملتقيان حتى في التنائي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/07/04/526862.html
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/07/04/526862.html