ثنائية النقص
والكمال من منظور شعري
1ـ مفهوم
النقص عند فحول الشعراء العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ فقيه وعالم يمني، كان بارعا في الأدب نظما
ونثرا، اسمه إسماعيل بن أبي
بكر بن عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عطية بن علي الشَّاوري الشَّرجي الحسيني
اليمني الشافعي، وقد اشتهر بـ(ابن المقري)، وها هو يتجه الآن (افتراضيا) نحو المنصة للمشاركة في ندوة
اليوم؛ فينشد:
زيادة القول تحكي النقص في العمل *** ومنطق المرء قد يهديه للزلل
إن اللسان صغير جرمه وله *** جرم عظيم
كما قد قيل في المثل
ـ فيضيف الشاعر أبو نواس:
يا بَني النَقصِ وَالعِبَر *** وَبَني الضَعفِ وَالخَوَر
أَينَ مَن كانَ قَبلَكُم *** مِن ذَوي البَأسِ وَالخَطَر
مَن مَضى عِبرَةٌ لَنا *** وَغَداً نَحنُ مُعتَبَر
ـ فيكمل الشاعر أبو العتاهية:
أَراعَكَ نَقصٌ مِنكَ لَمّا وَجَدتَهُ *** وَما زِلتَ في نَقصٍ وَأَنتَ
وَليدُ
سَقَطتَ إِلى الدُنيا وَحيداً مُجَرَّداً *** وَتَمضي عَنِ الدُنيا وَأَنتَ
وَحيدُ
ـ فيضيف الشاعر مهيار الديلمي:
للنقص من
أعمارنا ما يَكملُ ***
والدهر يؤيسُنا ونحن نؤمِّلُ
تمشي المنونُ
رويدَها لتغرَّنا ***
أبدا فتُدركنا ونحنُ نهرولُ
ـ فيقول الشاعر ابن الساعاتي:
تنبه من منامك
أو فهوّمْ *** فليس العيش
إلاّ كالمنامِ
وخلّف ما
استطعت ثنا جميلاً ***
فإنَّ النقص آخرةُ التَّمام
وقيد نعمةً
سبقت بشكرٍ *** فإنَّ الشكر
يؤذن بالدّوام
ـ فيضيف الشاعر عمر الأنسي:
تَجَنّب عَن
مُعاشَرة السفيه *** وَعاشر كُلّ ذي شَرَف نَبيهِ
يَنالك مِن
عدوِّك بَعض ما قَد *** يَنالك مِن صَديق تَصطفيهِ
يعدّ النَقص في
الكمّال عَيباً *** وَلَيسَ يعدُّ عَيباً في ذَويهِ
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
يا مُستقرَّ العار والنقصِ *** أغنتْ مخازيك عن الفحصِ
أنت الذي ليست لسوآتِه *** ولا لنُعْمى اللَه من مُحصي
معايبُ الناس وسوآتُهُم *** قد جُمعت لي منك في شخص
ـ فيضيف الشاعر البحتري:
عَدِمتُ النُغَيلَ فَما أَدمَرَه *** وَأَولى الصَديقَ بِأَن يَهجُرَه
إِذا قُلتُ قَدَّمَهُ كيسُهُ *** عَناهُ مِنَ النَقصِ ما أَخَّرَه
دَعانا إِلى مَجلِسٍ فاحِشٍ *** قَبيحٍ بِذي اللُبِّ أَن يَحضُرَه
ـ فيقول الشاعر عمر الأنسي:
خَليليَ لا تذكر أَخاك بِريبة *** فَإِنّ كَمال الذات بِاللَه مُختصُّ
فَيا ربّ عَيب في اِمرئٍ غَير ظاهر *** سِوى أَنَّهُ قَد راحَ يَذكره شَخصُ
فَلَمّا اِنتَهى مِن ذكر نَقص بِغَيره *** بَدا لَك فيهِ ظاهِراً ذَلك النَقصُ
ـ فيضيف الشاعر محيي الدين بن عربي:
النقصُ في العبد ذاتيّ وإنَّ له *** وقتاً كمالاً ولكن فيه بالغَرَضِ
اعراضه بوجودِ النقصِ شاهدة *** وما نرى أحداً ينفك عن عَرَضِ
فالعبد عبدٌ متى أعطاه سُرَّ به *** ما كان يسأله وإنْ أبى فرضي
ـ فيقول الإمام الشافعي:
قَنَعتُ بِالقوتِ مِن زَماني *** وَصُنتُ نَفسي عَنِ الهَوانِ
مَن كُنتُ عَن مالِهِ غَنِيّاً *** فَلا أُبالي إِذا جَفاني
وَمَن رَآني بِعَينِ نَقصٍ *** رَأَيتُهُ بِالَّتي رَآني
وَمَن رَآني بِعَينِ تَمٍّ *** رَأَيتُهُ كامِلَ المَعاني
ـ ويقول الشاعر الصاحب بن عباد:
لَقَد ظَنَّ بَدرُ التمِّ نَقصَ جَمالِهِ *** فَبُعداً لِوَجه البَدر مَع سوءِ ظَنِّهِ
وَلَو أَنَّ هاروتاً رَأى سِحرَ عَينِهِ *** تَعَلَّمَ كَيفَ السِحرُ من حدّ جفنِهِ
ـ فيضيف الشاعر حفني ناصف:
غدا كلفا به بدر الدياجي *** فسيمَ النقصَ من بَعدِ التمامِ
ومن يتأمل الأقمار ليلاً *** يجد في وجهها أثر السقامِ
ـ فيقول الشاعر عمارة اليمني:
حاشا كمالك من نقص تقدمه *** والبدر يعرف
بعد النقص زائده
فتش تجد لي نصيراً في الذين هفوا *** وما نظيرك ممن أنت واجده
وما أقيم لنفسي حسن معذرة *** أنا المسيء
الذي ضلت مقاصده
ـ فيضيف الشاعر محيي الدين بن عربي:
لولا الانحراف لما وجدنا *** فلا تطلب وجودَ الاعتدال
فـ في الوجودِ وكلّ شيء *** يكونُ كماله نقصُ الكمالِ
ألا إنَّ
الكمالَ لمن تردَّى *** بأدريةِ الجلالِ معَ الجمالِ
فيفهم ما يكون
بغيرِ قولٍ *** ويعجز فهمه نُطقُ المقال
ـ فيقول الشاعر الأحنف العكبري:
ينوب المرء نحس
فيه نقصٌ *** يتمّمه المنجم بالحساب
ويأخذ منه جذرا
عن كلام *** يزخرفه كمعترض السراب
يعلل نفسه طمعا
وخوفا *** كتعليل المسوّد بالخضاب
ـ فيضيف الشاعر الشريف العقيلي:
قنوعي بِدونِ الدونِ لا نَقصُ هِمَّةٍ *** وَلَكِنَّهُ شَيءٌ أَصونُ بِهِ
نَفسي
إِذا كانَ لي في مَنزِلي قوتُ ساعَةٍ *** فَما دونَها قَدَّرتُ أَنّى في
عُرسِ
ـ فيقول الشاعر عبد الغني النابلسي:
لا تبت من كدور الدهر منقبضاً *** فإنما الدهر ميال إلى العوج
وأظهرِ البسطَ في كل الأمور وإن *** ضاقت عليك فقل يا أزمة انفرجي
واشكر على كل حال أنت فيه فما *** عن حكمة قد خلا أمر إليك يجي
ـ فيضيف الشاعر عمارة اليمني:
لم يقنع الدهر أن الشعر لي سمة *** أعدها من سمات النقص والعار
وانظر لكثرة أشعار مدحت بها *** فليس يرضيك منها غير أشعاري
قصائد لو مدحت النائبات بها *** لم تجر إلا على قصدي وإيثاري
ـ فيقول الشاعر ابن الخياط:
لَوْ كانَ فِي الْفَضْلِ مِنْ خَيْرٍ لِصاحِبِهِ *** لَكانَ فَضْلِيَ عَنْ ذِي النَّقْصِ يُغْنِينِي
يا هذِهِ قَدْ أَصابَ الدَّهْرُ حاجَتَهُ *** مِنِّي فَحَتّامَ لا يَنْفَكُّ يَرْمِينِي
إِنْ كانَ يَجْهَدُ أَنْ أَصْلى نَوائِبَهُ *** جَمْعاً فَواحِدَةٌ مِنْهُنَّ تَكْفِينِي
ـ فيضيف الشاعر عبد المحسن الصوري:
إذا ما قلت شعراً لا *** تصيِّر مدَّه دُونا
ودَوِّنهُ على استِقبا *** لِ خمس وثَمانينا
ونُبِّئتُكَ قُصِّبتَ *** فقَد أصبَحتُ مَحزونا
إذا ما العُقَلا صارُوا *** يَقصُّونَ المَجانِينا
فما يُعِوزُهم فَضلٌ *** من النّقصِ يُواسُونا
ـ فيقول الشاعر أبو الحسين الجزار:
نثرَ المال واغتدى ينظمُ المجد *** فمنه المنثورُ والمنظومُ
عارفٌ بالبديع لم يَخفَ عنه النَّقصُ *** مناً يوماً ولا التَّتميمُ
ويُجيز الإيطاءَ في الجود لكن *** شَأنُنا نحن في المديح اللزوم
ـ فيضيف الشاعر أبو العتاهية:
إِنَّ مَن يَطمَعُ في كُلِّ مُناً *** أَطمَعَتهُ النَفسُ فيها لَطَمِع
لِلتُقى عاقِبَةٌ مَحمودَةٌ ***وَالتُقى المَحضُ لِمَن كانَ يَزِع
وَقَنوعُ المَرءِ يَحمي عِرضَهُ *** ما القَريرُ العَينِ إِلّا مَن قَنِع
ـ فيكمل الشاعر ابن الجزري:
فلا تطلب الأشياء ما لم تطل بها *** فما في سواها للمؤمل طائل
ـ فيقول الشاعر صفي الدين الحلي:
لَمّا رَأَيتَ لِسانَ شُكري قاصِراً *** وَعَلِمتَ وِدّي مِن لِسانِ الحالِ
شِيَمٌ عَهِدتُ بِها مَساعي مَعشَري *** فَسَحَبتُ في آثارِهِم أَذيالي
ما في نِظامي غَيرَ تَركِ مَدائِحي *** نَقصٌ وَذاكَ النَقصُ غَيرُ كَمالي
ـ فيضيف الشاعر ابن الجزري:
رؤوس العوالي للمعالي معاقل *** فقد يكتسي النقص البدور الكوامل
ـ فيقول الشاعر عبد الغفار الأخرس:
إنَّك أَكثر العلماء علماً *** ولستَ أَقلَّهم إلاَّ بمالك
كمالُكَ لا يُرام إليه نَقْصٌ *** وأينَ البَدْرُ تمًّا من كمالك
سجاياك الجميلة خبَّرتنا *** بأنَّ
الحُسن معنى من خصالك
خلالٌ كلُّها كرمٌ وجودٌ *** تجمَّعَتِ
المكارم في خلالك
ـ فيضيف الشاعر الشريف المرتضى:
ما لهُمُ ما لِي منَ العلم والتُّقى *** ولا معهمْ يوماً من الحلمِ ما معي
وَهل أنا إلّا طالبُ النّقصِ عندهم *** وإلّا فَفضلي يعلم اللّهُ مُقنِعِي
وَما أَنا بالرّاجي لِما في أَكفِّهِم *** فلِمْ نحوهُهمْ يا ويحَ نفسي
تطلُّعي
ولِمْ أنا مرتاعٌ لما يجلبونَهُ *** وما زلتُ في الأقوامِ غيرَ مُروَّعِ
ـ فيضيف الشاعر فتيان الشاغوري:
لَيسَ قَولي بِفَسادٍ وَلا نَقصٍ *** فَخُذ في الجِدِّ لا في المِزاح
ما النَقصُ وَالإِفسادُ عِندي *** سِوى مَدحِيَ غَيرَ الكامِلِيِّ الصَلاح
ـ فيقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
فَلا تَنسِبَنَّ إِلَيَّ الخُمولَ *** عَلَيكَ أَقَمتُ فَلَم أَغتَرِب
وَأَصبَحتُ مِنكَ فَإِن كانَ فَضلٌ *** وَإِن كانَ نَقصٌ فَأَنتَ السَبَب
وَمِن أَينَ يُنكِرُني الأَبعَدونَ *** أَمِن نَقصِ جَدٍّ أَمِن نَقصِ أَب
فَلَمّا بَعُدتُ بَدَت جَفوَةٌ *** وَلاحَ مِنَ الأَمرِ ما لا أُحِب
ـ فيضيف الشاعر أسامه محمد زامل:
فليسَ عدْلاً بأنْ يُعزى لهُ النّقصُ *** وليسَ في خبرِهِ بِدْعٌ ولا
بَغْتُ
فالأصلُ هوَ وكلُّ ما تلا فرعٌ *** أفي الرجوعِ لأصلٍ لمْ يغبْ بَهْتُ؟!
ـ فيقول الشاعر ابن الأبار البلنسي:
خف افتقاراً عند نيل الغنى *** كم كامل أدركه النقص
يا حبّذا بحثك لو كان عن *** رشدك ذاك البحث والفحص
ـ فيضيف الأمام الشافعي:
كُلَّما أَدَّبَني الدَهـ *** ــرُ أَراني نَقصَ عَقلي
وَإِذا ما اِزدَدتُ عِلماً *** زادَني عِلماً بِجَهلي
ـ فيقول الشاعر الشاذلي خزنه دار:
ذلك النقص والكمال إشارة *** إن للدهر حالتين تكون
انشراح إذ ذاك أو آلام *** فالأماني تخالفت والشؤون
فابتهال فضجة فنداء *** فتشك فجلبة فدعاء
وارتياح فضحكة فبكاء *** فنواح فصرخة فغناء
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:
لا بأسَ إن كان صفاءٌ لم يَحُل *** حاشاكمُ غدرَ بني الدنيا المُلُل
أنَّى تزولون ونحن لم نَزُل *** كيف يكونُ النقصُ أوْلى بالكُمُل
وبهجةُ الزينةِ أوْلى بالعُطل *** أو ينكُلُ الماضونَ أو يمضي النُّكل
أو يغفلُ الأذكونَ أو يذكو الغُفل *** أقسمتُ لا تفعل إلا ما جَمُل
ـ فيقول الشاعر حفني ناصف:
بالخلائق تمتاز الخلائق لا *** بشارة تجعل المعلوم مجهولا
لو لم يخَلْ ربُّها جهل الرجالِ به *** ما احتاج منها على معناه تدليلا
وما الكمال بموقوف على سمة *** ما أوسعت قط أهل النقص تكميلا
ـ فيضيف الشاعر حافظ ابراهيم:
أَسعِدنا بِنَشرِ العِلمِ وَاِعلَم *** بِأَنَّ النَقصَ يَعقُبُهُ التَمامُ
وَلَيسَ العِلمُ يُمسِكُنا وَحيداً *** إِذا لَم يَنصُرِ العِلمَ اِعتِزامُ
ـ فيختتم الشاعر محمد الشوكاني ندوتنا (الافتراضية)؛ منشدا:
يا ناقِداً لِكَلامٍ لَيْسَ يَفْهُهُ *** مَنْ لَيْسَ يَفْهَم قُلْ لي
كَيْفَ يَنْتَقِدُ
كَمْ رَاغِبٍ في سِفاهِي لا أُسافِهُهُ *** وباحِثٍ عَنْ عُيُوبي وهْوُ لا
يَجدُ
يا غارِقينَ بِسَوْمِ الْجَهْلِ في بِدَعٍ *** ونافِرينَ عَنِ الْهَدْيِ الْقَويمِ هُدُوا
أفي اجتهادِ فَتىً في الْعِلْمِ مَنْقَصَةٌ *** النَّقْصُ في الْجَهْلِ لا حَيَّاكُمُ الصَّمَدُ
لا تُنْكِرُوا مَوْرِداً عَذْباً لشارِبِهِ *** إِنْ كانَ لا بُدَّ مِنْ إنكارِهِ فَرِدُوا
وإِنْ أَبَيْتُمْ فَيَوْمُ الْحَشْرِ مَوْعِدُنا *** في مَوْقِفِ المصْطَفَى والحاكِمُ الأَحَدُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/09/27/533391.html