الأحد، 27 أبريل 2014

1ـ مفهوم المنح عند فحول الشعراء العرب ـ بقلم: مجدي شلبي

 ثنائية المنح والمنع من منظور شعري

1ـ مفهوم المنح عند فحول الشعراء العرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم/ مجدي شلبي (*)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

       ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ هو أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى، ويلقب بـ(الشريف الرضي) ـ الرضي العلوي الحسيني الموسوي ـ وهو شاعر وفقيه ولد في بغداد وتوفي فيها، وها هو يتجه (افتراضيا) نحو المنصة ـ الآن ـ للمشاركة في هذه الندوة؛ فيقول:

أُعيذُكَ مِن هِجاءٍ بَعدَ مَدحِ *** فَعُذني مِن قِتالٍ بَعدَ صُلحِ

مَنَحتُكَ جُلَّ أَشعاري فَلَمّا *** ظَفِرتَ بِهِنَّ لَم أَظفَر بِمَنحِ

كَبا زَنَدي بِحَيثُ رَجَوتُ مِنهُ *** مُساعَدَةَ الضِياءِ فَخابَ قِدحي

وَكُنتَ مُضافِري فَثَلَمتَ سَيفي *** وَكُنتَ مُعاضِدي فَقَصَفتَ رُمحي

ـ فينبري الشاعر الأعشى؛ معقبا:

ذاكَ دَهرٌ لِأُناسٍ قَد مَضَوا *** وَلِهَذا الناسِ دَهرٌ قَد سَنَح

وَلَقَد أَمنَحُ مَن عادَيتُهُ *** كُلَّ ما يَحسِمُ مِن داءِ الكَشَح

وَتَرى الأَعداءَ حَولي شُزُّراً *** خاضِعي الأَعناقِ أَمثالَ الوَذَح

قَد بَنى اللُؤمُ عَلَيهِم بَيتَهُ *** وَفَشا فيهِم مَعَ اللُؤمِ القَلَح

ـ فيضيف الإمام الشافعي:

أَأَنثُرُ دُرّاً بَينَ سارِحَةِ البَهمِ *** وَأَنظِمُ مَنثوراً لِراعِيَةِ الغَنَمِ

لَئِن سَهَّلَ اللَهُ العَزيزُ بِلِطفِهِ *** وَصادَفتُ أَهلاً لِلعُلومِ وَلِلحِكَم

بَثَثتُ مُفيداً وَاِستَفَدتُ وِدادَهُم *** وَإِلّا فَمَكنونٌ لَدَيَّ وَمُكتَتِم

وَمَن مَنَحَ الجُهّالَ عِلماً أَضاعَهُ *** وَمَن مَنَعَ المُستَوجِبينَ فَقَد ظَلَم

ـ فيومئ الشاعر محمد الشوكاني برأسه إيجابا؛ ويقول:

كَيْفَ يُرْجِّي الفَتْحَ والْمَنْحَ بَعْدَما *** تَلَوَّثَ بالدُّنيا إلى قِمّةِ الرّاسِ

 ولا شَكّ أَنّ اللهَ للذّنْبِ غافِرٌ *** ولكنْ لِرَجّاعٍ إليْه منَ النّاسِ

ـ فيقول الشاعر محمد المعولي؛ ناصحا:

من دنياكِ تخلصْ من قَذَى أقذارِها *** لا ترغبنْ بها وخالفْ شهوة

واسأَل من الرحمن عنها عِصْمَة *** هلاَّ رأيتَ المنحَ منها محنَة

وأَذلَّ نفساً إن تعالتْ رفعة *** لا تعْلُها عن مُنتهى مقدارِها

لا تمدُدَنْها في خَبائثِ مَتْجِرِ *** تُرْدِيكَ في ظلماتِ ليلٍ مُدْبِر

خالِفْ هَواها عن مواردِ مُنْكَرِ *** وإذا أردت قطيفَ يانعٍ مثمرٍ

مما زها سارعْ إلى إنكارِها *** واكففْ يديها في السرائر والعَلَنْ

فجميعُ ما تهواه يهوَى للفِتَنِ *** واحذرْ مصائِدَها فإنك تمتحنْ

ـ فيضيف الشاعر ابن الساعاتي:

إذا نحن حاربنا الزمان بقربِه *** تراجع أو ألقى يديهِ إلى الصُّلح

وأن هو حيّانا بحسن وصاله *** وهبنا له ما في الصدود من القبح

فيا ليت دمع العين أعدى سخاؤهُ *** لجفونه ما في سلّوى من الشحّ

نزلنا به نبغي القرى وهو ساخط *** فلم يثنه الإعراض عن كرمِ المنح

وما زال يعتام الكؤوس مع الطّلا *** إلى أن سقانا الشمس في قطع الصبح

ـ فيقول الشاعر ابن الخيمي:

لم أسمه بالشمس حيث طلوعه *** ما كان الا في دجنه شعره

منح الغزال ملاحة من لحظه *** وكسا الغزالة خلعة من بشره

وأقام في قلبي وأوقد ناره *** فيه ورد فقيره عن برّه

تدعو محاسنه ويزجر صده *** قد حرت في اذن الحبيب وزجره

ـ فيضيف الشاعر كشاجم:

أُقَلِّبُ ما أبْقَتِ الحادِثا *** تُ مِنْهُ وفي العيْنِ دَمْعٌ يَسُحْ

وَقَدْ قَدَحَ الوَجْدُ مِنّي بِهِ *** على القلْبِ من نارِهِ ما قَدَحْ

وأَعْجَبُ مِنْ زَمَنٍ مانِحٍ *** وآخَرَ يَسْلُبُ تِلْكَ المِنَحْ

فلا تَبْعَدَنّ فَكَمْ مِنْ حَشىً *** عَلَيْكَ كليمٍ وقلْبٍ قَرِحْ

ـ فيقول الشاعر عمر الأنسي:

مِحَن الهَوى منح لَدي *** يَ وَعزّ مِثلي مَن مُنِح

خسر العَذول وَإِنَّما *** أَنا مَن بِصَفقَتِهِ ربِح

فَالحُبّ خَير تِجارةٍ *** لِلخَير إِن تكُ تَجتَرِح

ـ فيضيف الشاعر ابن علوي الحداد:

اسأل من اللَه كشف البؤس والضرر *** وبشر القلب بالأفراح والفرح

وبالعوافي من الأكدار والترح *** وبالهنا والمنى والفوز بالمنح

من فضل ربك واشكر مدة العمر *** واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر

ـ فيقول الشاعر عمر الأنسي:

أَرى محنَ الزَمان مقدّمات *** عَلى منح يَجود بِها الإِلَهُ

فَموسى كلَّمَ المَولى وَأَضحى *** رَسولاً بَعدَ لَسع النار فاهُ

ـ فيضيف الشاعر عبد الغفار الأخرس:

منَحَ الله به يا حبَّذا مِنَحٌ *** من جانب الله تعالى

قلْ لحُسَّاد معاليه اقصُروا *** لم تَزَلْ أَيديه في المجد طوالا

ـ فيضيف الشاعر ابن الساعاتي:

منح حكاها الغيث لو لا رعده *** شهدت بذاك الأزمة الشهباء

أسلفتني أملا هو الشمس المنيـ *** ـرة والزمان دجنه سوادء

وقضاؤه يقضي بأن المدحة الـ *** ـغراء عنها المنحة الغراء

ـ فيقول الشاعر أبو اليمن الكندي:

عزيزٌ على مثلي إذا صار شعره *** مرائي فيه بعدما أعوز المدح

ولو أنني عمرت في شرح فضله *** على عمري مثليه لم ينقض الشرح

عفاءٌ على الدنيا فما حسن عيشة *** لأبنائها حسنٌ ولا قبحُها قبح

تضرُّ وقد تأتي بنفعٍ مصرَّد *** وتسمح أحياناً ويغلبها الشُّح

فشتان منها العزُّ والذل للفتى *** وشتان من أخلاقها المنع والمنح

ـ فيقول الشاعر ابن نباته المصري:

دعوتك يا مولايَ للحالِ عالماً *** بأنَّكَ ماحِي عسرة الحالِ بالمنح

إذا أغلقت أبواب رزقي عشيرةٌ *** فأنتَ أبو تسهيلها وأبو الفتح

ـ فيضيف الشاعر أبو الفيض الكتاني:

من رامنا يلق المعارف تنجلى *** عليه وألطاف العوارف والبر

ويدرك ما نال الأوائل أو يز *** يد من منح الوهاب ذي الطول للدهر

مربي البرايا جل أمر إلهنا *** لقد أعجز الإرسال عن درك الشكر

فيا ربنا رب العوالم عجلن *** مآرب أوطاري وأوطار ذوي العسر

ـ فيقول الشاعر فتيان الشاغوري:

نَهنَهتُ مِن دَمعي فَأَقبَلَ عاصِياً *** وَالدَمعُ أَعصى ما يَكونُ مُنَهنَها

يا مودِعاً جَفني السُهادَ مُوَدِّعاً *** وَمُوَلِّياً تَركَ الفُؤادَ مُوَلَّها

مَنَحَ القِلى وَنَهى الجُفونَ عَنِ الكَرى *** أَهلاً بِما مَنَحَ الحَبيبُ وَما نَهى

مَدحٌ لَوِ الحَجَرُ الأَصَمُّ غَدا لَهُ *** سَمعٌ وَأُنشِدَ بَيتَها لتَدَهدَها

ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:

لاَ أجْتَدِيهِ ولا أريهِ زَهَادَةً *** فِيمَا لَدَيْهِ ولا أكُفُّ ولا أُلحْ

وتَرَى الصَّبُورَ هو الشَّكُورَ ولا ترى *** إلا الجَزُوعَ هو الكَفُورَ إذا مُنِحْ

فَأَرِحْ بفضلِكَ إنَّ بَحْرَكَ لم يَغِضْ *** واظْفَرْ بمَدْحِي إنَّ بحري ما نُزحْ

ـ فيقول الشاعر عمر الأنسي:

وَعدا عَلَينا الدَهر حَتّى سامَنا *** مِن خَطبِهِ ما لا يُطاق تَحمُّلا

بَينا نَرى أَمن السَعادة مُدبراً *** حَتّى أَفاض مَع السَعادة مُقبِلا

فَلَنا الهَناء بنعمة مَشكورة *** منح الإله بِها العباد تَفضّلا

يا قادِماً وَالخَير يقدُمُهُ لَقَد *** سَعدت بعزّ قُدومكم رتب العُلا

ـ فيضيف الشاعر ابن طاهر:

لا يلم غير نفسه *** من لقى الهم والترح

تب إلى الله كي نفوز *** بالأماني وبالمنح

بابه باب كل خير *** خاب من عنه انتزح

لا تعرج على سواه *** فاستمع قول من نصح

لم يخب قاصد الكريم *** من قرع بابه انفتح

ـ فيقول الشاعر مهيار الديلمي:

مَنِحٌ كنتُ أرى آثارَها *** بخفيّ الحدْسِ أو وحي الدلالَهْ

وانسكاب المزن من حيث انبرت *** شقق البرق خِطافاً ومَخالَهْ

فتملّ العزّ واسحب ذيلَهْ *** وارتبع روضتَه واسكن ظِلالَهْ

خطوةٌ ما للمنى من بعدها *** مرتقىً يعطى سموّاً واستطالَهْ

ـ فيضيف الشاعر ابن معصوم:

تُخفي وجوهُهمُ الأَقمارَ إِن سَفَروا *** وَتُخجِلُ السحبَ أَيديهم إِذا مَنَحوا

مالوا إِلى فُرص اللَذّات من أُمَمٍ *** ولم يَميلوا عن العَليا ولا جَنَحوا

وَباتَ يمنحُني من دَنِّه مِنحاً *** كانَت أَمانيَّ نَفسي وَالهَوى مِنحُ

وَذاتِ حُسنٍ إذا مِيطت بَراقعُها *** فالشَمسُ داهِشَةٌ وَالبَدرُ مُفتَضِحُ

ـ فيقول الشاعر ابن الساعاتي:

كثرت صنائعه فقل نظيره *** إن البدور قليلة الأمثال

سل عنه في بذل المكارم والقرى *** واسمع من الغدوات والآصال

منح ابتداء رافعاً خبر الندى *** وكفى الوجوه مؤونة التسآل

ـ فيضيف الشاعر السري الرفاء:

رَدَّ جَفني بسَافحِ الدَّمعِ يَندى *** حينَ حيَّيتُه فأحسَنَ رَدَّا

قمرٌ كلَّما مَنَحناه لَحظاً *** منحَ اللَّحْظَ جُلَّناراً وَوَرْدا

ـ فيقول الشاعر محمد المعولي:

سارعْ إلينا إننا في حيرةٍ *** لا نعرف المعلومَ والمجهولاَ

فإلامَ هذا البعد والعز الذي *** منحَ الجسومَ حرارةً وذيولاَ

وحَرْمتَنا نظراً إليك فليتَنا *** نلقى جمالكَ لا عُدِمْتَ قَبُولاَ

وتركتنا صَرْعَى بغير مُدَامَةٍ *** وحزنتُ شِيباً بالنوَى وكُهُولاَ

ـ فيضيف الشاعر جميل بثينة:

وَأَتى صَواحِبُها فَقُلنَ هَذَا الذي *** مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيرَنَا وَجَفانا

ـ فيختتم الشاعر عمر اليافي ندوتنا (الافتراضية)؛ منشدا:

نصحتك إن سمعت النصح منّي *** على الأصحاب كَبِّرْ لا تكابر

خصوصاً كلّ ذي وجهٍ وجيه *** له وجهٌ وليس به نواظر

يذيعُ السوءَ عنك لدى البرايا *** وللنعماء والمعروف كافر

يريك الشهدَ منه عذيبُ نطقٍ *** بوجهٍ والقفا لسعُ الزنابر

فجاهد في سبيل الله نفساً *** تريد ودادَهم واحذر وحاذر

وثق بالله واجعله نصيراً *** ووكّله فإنّ الله ناصر

ولا تضجر لأمرٍ فيه عسرٌ *** فبعد العسر يسر الأمر صادر

وماء الوجه صنه ولا تُرِقه *** لغير الله لو منح الجواهر

وحاذر أن تقيمٍ بدار قومٍ *** أضاعوا الدين بالدنيا وهاجر

فما الدنيا بباقيةٍ ولكن *** بها الأعمال زادٌ للمسافر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/09/29/533611.html