2ـ مفهوم المنع عند فحول الشعراء العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية)
اليوم؛ شاعر من العصر الجاهلي اسمه جارية ابن الحجاج الإيادي، المعروف بـ(أبو داود
الإيادي)، وهو يتجه (افتراضيا) ـ الآن ـ نحو المنصة، للمشاركة في ندوتنا؛ فينشد:
مَنَعَ النَومَ ماوِيَ التَهمامُ *** وَجَديرٌ بِالهَمِّ مَن لا يَنامُ
مَن يَنَم لَيلَهُ فَقَد أُعمِلُ اللَيـ *** ـلَ وَذو البَثِّ ساهِرٌ
مُستَهامُ
ـ فيكمل الشاعر حسان بن ثابت:
مَنَعَ النَومَ بِالعَشاءِ الهُمومُ *** وَخَيالٌ إِذا تَغورُ النُجومُ
يا لَقَومي هَل يَقتُلُ المَرءَ مِثلي *** واهِنُ البَطشِ وَالعِظامِ
سَؤومُ
يَصِلُ القَولَ بِالبَيانِ وَذو الرَأ *** يِ مِنَ القَومِ ظالِعٌ مَكعومُ
ـ فيضيف الشاعر المنفلوطي:
منعَ النفس أن تنالَ مناها *** سيرُ تلك الآجال طوعَ قضاها
تشتهي النفسُ أن تعيشَ مدى الدهرِ *** وتأبى الأقدارُ إلا فناها
تتمنى لو نالت السعد لكن *** كتب اللَه
في الكتاب شقاها
ـ فيقول الشاعر الشريف المرتضى:
أمَا ترى الدّهرَ مسلولاً صوارمُه *** تفري وتقطع منّا كلَّ موصولِ
أمّلْتُ فيه أموراً ما ظفرتُ بها *** وعاد يسحب ذيلَ المنعِ تأميلي
ـ فيضيف الشاعر عدي بن ربيعة:
مَنَعَ الرُقادُ لِحادِثٍ أَضناني *** وَدَنا العَزاءُ فَعادَني أَحزاني
لَهفي عَلَيكَ إِذا اليَتيمُ تَخاذَلَت *** عَنهُ الأَقارِبُ أَيَّما
خِذلانِ
فَاِذهَب إِليهِ فَقَد حَوَيتَ مِنَ العُلى *** يا اِبنَ الأَكارِمِ
أَرجَحَ الرَجحانِ
ـ فيقول الشاعر الفرزدق:
مَنَعَ الحَياةَ مِنَ الرِجالِ وَطيبَها *** حَدَقٌ يُقَلِّبُها النِساءُ
مِراضُ
فَكَأَنَّ أَفئِدَةَ الرِجالِ إِذا رَأوا *** حَدَقَ النِساءِ لِنَبلِها
الأَغراضُ
خَرَجَت إِلَيكَ وَلَم تَكُن خَرّاجَةً *** فَأُصيبَ صَدعُ فُؤادِكَ
المُنهاضُ
ـ فيضيف الشاعر جميل بثينة:
مَنَعَ النَومَ شِدَّةَ الاشتِياقِ *** وَاِدِّكارُ الحَبيبِ بَعدَ
الفِراقِ
لَيتَ شِعري إِذا بُثَينَةُ بانَت *** هَلَّنا بَعدَ بَينِها مِن تَلاقِ
ـ فيقول الشاعر أبو الهدى الصيادي:
بأية حجة منع الوصالا *** حبيب صدعن كبر وصالا
لعل له وكم قد مال عني *** ولا عجب اذا ما الغصن مالا
أطالبه الوفاء وقد أراني *** طلبت بما أحاوله المحالا
وتاه على محبيه علوا *** وقد مزج الملاحة والدلالا
وابدع بالمقال فلست أدري *** أخمرا كان ذلك أم مقالا
ـ فيضيف الشاعر أبو نواس:
مَنَعَ الصَومُ العُقارا *** وَزَوى
اللَهوَ فَغارا
وَبَقينا في سُجونِ الـ *** ـصَومِ
لِلهَمِّ أَسارى
غَيرَ أَنّا سَنُداري *** فيهِ مَن
لَيسَ يُدارى
نَشرَبُ اللَيلَ إِلى الصُبـ *** ـحِ صِغاراً وَكِبارا
اِسقِني حَتّى تَراني *** أَحسَبُ
الديكَ حِمارا
ـ فيقول الشاعر المتنبي:
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا *** وَأَلَذُّ شَكوى عاشِقٍ ما
أَعلَنا
لَيتَ الحَبيبَ الهاجِري هَجرَ الكَرى *** مِن غَيرِ جُرمٍ واصِلي صِلَةَ
الضَنا
نَفَتِ التَوَهُّمَ عَنهُ حِدَّةُ ذِهنِهِ *** فَقَضى عَلى غَيبِ الأُمورُ
تَيَقُّنا
ـ فيضيف الشاعر الأرجاني:
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري *** فلا وَصْلَ إلاّ ما تَصوَّر في الفِكْرِ
فيا مالكي منْعَ الجُفونِ من الكرَى *** ألم تمَلِكوا منْعَ الفؤادِ منَ الذّكر
أَبِيتُ وسُمّارُ المُنَى بي مُطِيفةٌ *** وبحرُ البُكا بالطّيْفِ مُمتَنِعُ العَبر
وقد وَتّدَ اللّيلُ النُّجومَ مُخَيّماً *** وطَنَّب أجفاني إليها يَدُ الهَجر
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
أبا الفضل لا تحتجب إنني *** صفوح عن المخلف الوعد عافي
سألت قفيزين من حنطة *** فجدت بكد من المنع وافي
وأتبعت منعك لي بالحجا *** ب مهلاً هديت ففي المنع كافي
وقد كنت خلتك مثل الفرا *** ت لا تمنع الري من ذي اغتراف
فماطلتني ثم راوغتني *** فكدرت من ودنا كل صافي
ـ فيكمل الشاعر أبو العتاهية:
أَحبَبتُ مِن حُبِّها الباخِليـ *** ـنَ حَتّى وَمِقتُ اِبنَ سَلمٍ سَعيدا
إِذا سيلَ عُرفاً كَسا وَجهَهُ *** ثِياباً مِنَ المَنعِ صُفراً وَسودا
يُغيرُ عَلى المالِ فِعلَ الجَوادِ *** وَتَأبى خَلائِقُهُ أَن تَجودا
ـ فيضيف الشاعر أبو الفتح البستي:
يا مَن غدا دينُهُ قَولاً بلا عَمَلٍ *** مَطَلْتَ والمَطْلُ عَينُ المَنعِ
والبُخْلِ
لّما أتَيْتُكَ مُمْتاحاً أخا غُلِلٍ *** سقيْتَني عَلَلاً من بارِدِ
العِلَلِ
ـ فيقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
من يزرعِ المنعَ لم يحصدْ سوى عدمٍ *** والجودُ يزرعُ والايجادُ لله
وحيثما ثبتت في العين صورتها *** فليس ينتجُ إلا المنع والله
ـ فيضيف الشاعر ابن المُقري:
منع لمهضوم وحسم الاذى *** دابك فاحسمه ومن علمه
الموت مهما شاء أعداؤه *** مما لديه السطوة الموتمه
كم هد مهضوب بنا شامخ *** وكم بنى طودا وكم هدمه
ـ فيقول الشاعر السري الرفاء:
رأيتُ الناسَ ذا جُودٍ ومَنْعٍ *** فذا يُثَنى عليه وذاك يُهجَى
وفَقْدُ الثلجِ في إبَّانِ قَيْظٍ *** تَذُوبُ له الصخورُ الصُّمُّ وَهْجا
فجُدْ بالقوتِ منه تَحُزْ ثَناءً *** أراكَ بفضلِه أولى وأَحْجَى
ـ فيضيف الشاعر محمد المعولي:
أنفقْ من المالِ ما استطعتَ فذو الـ *** إنفاق يزدادُ رُتْبةً وسَعَهْ
فمنْ أرادَ الخيراتِ في غده فليعط *** أهلَ الإفتارِ ما جَمَعَهْ
لا تجد المنعَ في سجيته *** انظرْ ترى
أي سائل مَنَعْه
قد زاده الله ثروةً وغنىً *** كما علا
كلَّ حاكمٍ رَفَعَهْ
ولا فقيرٌ تراه ذَا عُسُر *** يلقَاهُ إلا
كساهُ أو نفعهْ
ـ فيقول الشاعر السري الرفاء:
مَلَلْتَ فعاد منك الجُودُ مَنْعَاً *** ولو أنصفْتَ عادَ المنعُ جودا
أحلَّ وَداعُنا عَطْفاً جديداً *** وأدنى بينُنا وَصْلاً بعيدا
ـ فيضيف الشاعر الشريف المرتضى:
أمَا ترى الدّهرَ لا يبقي على حال *** طوراً بأمنٍ وأطواراً بأوجالِ
بذلٌ يؤوب إلى منعٍ وعافيةٌ *** تجرّ داءً ونُكسٌ بعد إبلالِ
ـ فيكمل الشاعر صفي الدين الحلي:
وَعدُكَ مُحتَاجٌ إِلى فَسحِ مُدَّتي *** وَرَبُّكَ أَدرى ما تَخَلَّفَ مِن
عُمري
فَإِن صَدَّ عَن إِنجازِهِ المَنعُ فَاِنعِموا *** بَعُذرٍ فَإِنَّ العُذرَ
أَسوى مِنَ الغَدرِ
ـ فيضيف الشاعر السري الرفاء:
كانَ ابتداؤُكَ شيمَةً عَدَوِيَّةً *** تُنبي عن الكَرَمِ التَّليدِ
وتُخبِرُ
فعلامَ كفَّ المنعُ منك أناملي *** وَسَمَاءُ كفِّكَ بالمواهبِ تُمطِرُ
لي من نَوالِكَ كلَّ شَهرٍ عادةٌ *** مضَتِ الليالي دونَها والأشهرُ
ـ فيقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
حكم المنازلِ قد تخالفُ طبعه *** كيفَ الشفاءُ وفيه عينُ الداء
لولا ثبوتُ المنع قلتُ بجودِه *** المنعُ يُذهبُ رتبةَ الكرماء
لا تفرحنَّ بما ترى من شَاهدٍ *** يبدو لعينِك عند كشفِ غِطاء
ـ فيضيف الشاعر أبو العتاهية:
أَرى قَوماً وُجوهُهُمُ حِسانٌ *** إِذا كانَت حَوائِجُهُم إِلَينا
وَإِن كانَت حَوائِجُنا إِلَيهِم *** يُقَبِّحُ حُسنُ أَوجُهِهِم عَلَينا
فَإِن مَنَعَ الأَشِحَّةُ ما لَديهِم *** فَإِنّا سَوفَ نَمنَحُ ما لَدَينا
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
إذا المرء لم
يُظهر لطالب رِفده ***
عُبوساً ولا بشراً فكن منه يائسا
فإنَّ الذي
يبدو العبوسُ بوجهه ***
بخيلٌ نوى جواداً فلاقاك عابسا
ومن شيمة
الأجواد بَسطُ وجوههم ***
إذا سُئلوا لا ينفَسونَ النفائسا
وأما الذي بين
اللقاءين وجهُهُ ***
فذاك الذي أبدى لك المنع يابسا
وذاك الذي
ألقاك عن ظهر باله ***
هواناً فلم يُخطرك بالبال هاجسا
ـ فيضيف الشاعر محيي الدين بن عربي:
العفو أولى بنا إن كنتَ ذا كرمٍ *** فإنني عارفٌ بمن أراقبه
لعلةٍ ولجهلٍ قامَ بي فأنا *** للجهلِ في المنع أنسى إذ أعاتبه
ـ فيقول الشاعر مصطفى التل:
شكوت اليوم محبوباً *** لعوباً طبعه المنع
ألا ليت التي صدعت *** فؤادي نالها الصدع
إذا ما أقبلت حلفت *** وليس لحلفها نفع
وإن هي أدبرت ضحكت *** وولت كلما أدعو
ـ فيضيف الشاعر تميم الفاطمي:
ما لي إذا شئتُ لم أُعطَ المرادَ وإِن *** تطلبتُ منك قَبولاً عزّ وامتنعا
وإن شفعتُ لقِيتُ المنعَ منك وإن *** أتاك غيري شفيعاً نال ما شَفَعا
والله ما ليَ ذنبٌ أَستحِقّ به *** ذا المنعَ منك ولا ذا الردَّ والشَنَعا
لا تسمعِ البغيَ من واشٍ يُزَيِّنُه *** فالبغيُ ليس بمحمودٍ إذا سُمِعا
إِني وأنت كما قُدَّ الشِرَاكُ فلا *** تقبل من الحاسدِين الزُورَ والخدَعا
ـ فيقول الشاعر عمارة اليمني:
إلى كم أحوك الشعر في الذم والمدح *** وأخلع برديه على المنع والمنح
وأفتح من أبوابه كل مقفل *** يشن عليها خاطري غارة الفتح
ويشركني في نظمها كل ناقص *** يعارض بالمصباح شارقة الصبح
يعيب دعي القوم غر قصائدي *** وليس له فيه صريحي ولا صرحي
تخلف عن شأوي فجمل نفسه *** بنقد كلامي وهو من نقد السرح
فيا نابح الجوزاء من هوة الثرى *** ترفق فقد أتعبت نفسك بالنبح
وابق على قرنيك من نطح صخرتي *** وإلا فقد أوهيت قرنيك بالنطح
ـ فيختتم الشاعر ابن الرومي ندوتنا (الافتراضية)؛ قائلا:
أزمعتَ منعي وأنت تُطمعني *** وليس ذمي
عليك مأمونا
فاصدُق فإني أراك إن بَخِلت *** نفسُك بالصدق رُحت مغبونا
ولا تخف أن أَضيعَ إن عدلت *** عنك رِكابي فلستُ مجنونا
أما رأيتَ الفجاجَ واسعة *** واللَّه
حيّاً والرزق مضمونا
أظهِرْ من المنعِ ما تجمجِمُه *** فشرُّه ما يكون مكنونا
وانفث من الصدر ما يُضِرُّ به *** لا تتركِ الداء فيه مدفونا
إني امرؤٌ إن أراد ميمنتي *** كريمُ قومٍ
غدوتُ ميمونا
وإن أراد اللئيمُ مشأَمتي *** كنتُ له
طعنة وطاعونا
من دَنّس العِرضَ بالمواعد والـ *** ـخلفِ جعلتُ الهجاء صابونا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/09/30/533679.html