ثنائية العقوق والبر من منظور شعري
أولا: مفهوم
العقوق عند فحول الشعراء العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية)
اليوم قادم من القرن الخامس الهجري، وهو الشاعر أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى التغلبي الدمشقي، الذي كان أبوه
يعمل خياطا؛ فلُقب بـ(ابن الخياط)، وهو يتقدم الآن نحو المنصة (الافتراضية)؛ منشدا:
أَرَى الأَيَّامَ لاَ تُعْطِي كَرِيماً *** بُلُوغَ مُرَادِهِ إِلاَّ
فَوَاقا
فَلا عَاقَتْكَ عَنْ طَلَبِ الْمَعالِي *** إذا الأيَّامُ كادَتْ أنْ
تُعاقا
وَلي عَزْمٌ أَنَالُ بِهِ انْفِتاحاً *** لِبابِ الْمَجْدِ إِنْ خِفْتُ
انْغِلاقا
ـ فيحييه الشاعر أحمد محرم؛ قائلا:
ظلمتك إن رضيت عقوق خل *** سواك أو احتملت أذى حبيب
فما حسب الأديب وإن تناهى *** بمستغن عن الأدب الحسيب
ـ فيقول الشاعر زكي مبارك:
تناسيتُكم عمداً كأني سلوتكم *** وبعض التناسي العمد من صور الود
إذا اشتدّ إظلام العقوق تبلجت *** مآثر تذكى نار معروفكم عندي
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران
ذلك العهد كيف أسلوه والسلوى *** جحود لفضله بل عقوق
كثر عندنا حقوق له واليوم *** بعد الفوات توفى الحقوق
ـ فيقول الشاعر الفرزدق:
رَأيْتُ تَباشِيرَ العُقُوقِ هِيَ الّتي *** من ابنِ امرِىءٍ ما إن يَزالُ
يُعاتبُهْ
ـ فيضيف الشاعر عبد الله الخفاجي:
لا تحملوهُ علَى العقوقِ فتوقظُوا *** طَبَّاً بِأدْوَاءَ العُقُوقِ
مُكَدَّرَا
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ جودَكَ يُقتَضى *** حَتّى أَقولُ مُنَبِّهاً
وَمُذَكِّرا
ـ فيقول الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
أحالته أخلاق العقوق وغدره *** عهوداً تبكيها القلوب الذواكر
ـ فيضيف الشاعر إبراهيم ناجي:
تتعاقبُ الأقدارُ وهي مسيئةٌ *** كم عقنا ليلٌ وخان نهارُ
وكأنما هذا الفضاء خطيئة *** وكأن همس نسيمه استغفار
ـ فيقول الشاعر بدوي الجبل:
فكيف وثوبي للزّمان و أهله *** و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي
عقّني الأقربون من غمرة الخطب *** و عقّ اللّدات و الإخوان
ـ فيضيف الشاعر أحمد محرم:
ركبوا العقوق فتلك عقبى أمرهم *** إن العقوق مطية الخسران
يا سعد إن عقوق النفس مهلكة ٌ *** فاستبق نفسك واحذر بطش باريها
تردى البر والإيمان فيها *** وضج الكفر منها والعقوق
هم آثروا دنيا العقوق وتاجروا *** فيها بدين الواحد العلام
ـ فيقول الشاعر مهيار الديلمي:
وعذرتُ في فرطِ العقوقِ أرقَّة ً *** لؤماءَ حتى عقَّني الأشرافُ
ـ فيضيف الشاعر ابن الخيمي:
فما يتزاوران بغير عذر *** ولا يتعاتبان على العقوق
ـ فيقول الشاعر عروة بن أذينة:
كفى حزناً لنا ولهم *** بعدَ وَصْلٍ عاقَهُ الشَّأمَة ْ
ـ فيقول الشاعر كثير عزة:
نهَتْهُ فَلَمّا لم تَرَ النّهْيَ عَاقَهُ *** بكَتْ فَبَكَى مِمَّا
شَجَاهَا قطينُها
ـ فيقول الشاعر أحمد محرم:
هذا لعمركم العقوق بعينه *** أكذا تخلى الأم في بلوائها
إذا جعلوا العقوق لها جزاء *** أبينا أن نعق وأن نخونا
ـ فيضيف الشاعر بدوي الجبل:
أدموعا تريدها أم رحيقا *** لا ونعماك ما عرفت العقوقا
إنّ نعمى الكريم دين على *** الحرّ و تجزى من اللئيم عقوقا
ـ فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
إن تذيبوا هكذا أكبادنا *** يا بنينا فالردى أقسى العقوق
بالرأي أو بالبأس أو بكليهما *** يدني البعيد ولا يعاق بعائق
فتن قيدت بهن فؤادي *** وأراني إذا شكوت عقوقا
في ذراك العالي ملائك بر *** فرح العيد عاقها أن تناما
ـ فيضيف الشاعر المتنبي:
وَمَا عَاقَني غَيرُ خَوْفِ الوُشاةِ *** وَإنّ الوِشاياتِ طُرْقُ الكَذِبْ
ـ فيقول الشاعر المتنبي:
وإلاّ فخانَتْني القَوافي وعاقَني *** عنِ ابنِ عُبيدِالله ضُعْفُ
العَزائِمِ
طَرِبَتْ مَراكِبُنَا فَخِلْنا أنّها *** لَوْلا حَيَاءٌ عاقَها رَقَصَتْ
بنا
ـ فيضيف الشاعر أبوالعلاء المعري:
فمن ثُكلٍ يَهابُ ومن عقوقٍ *** وأرزاءٍ يجئنَ مُصَمِّمات
ومن شِيَمِ الإنس العُقُوقُ، وجاهلٌ *** مُحاوِلُ بِرٍّ عندَ مَنْ أكلَ
البُرّا
ونَفسَكَ عُقّ بتركِ السّـ *** ـرورِ، فإنّ عُقوقَك للنّفسِ بِر
والنّاسُ شتّى، جَرى بهمْ قدَرٌ، *** إذا طَغَى لم يعُقْهُ إلجام
ـ فيقول الشاعر البحتري:
أزْرَى بهِ، مِنْ غَدْرِهِ بصَديقِهِ *** وَعُقُوقِهِ لأخيهِ، مَا أزْرَى
بِهِ
عَقَدُوا عِمَامَتَهُ بِرَأسِ قَنَاتِهِ، *** وَرَأوْهُ بَرّاً فَاسْتَحالَ
عُقُوقَا
ـ فيضيف الشاعر أبو الفضل بن الأحنف:
تَسَلّيتُمُ عَني ولم أسْلُ عنكُمُ *** ولا عاقني يامنيتي عنكِ عائقُ
ـ فيكمل الشاعر أبو تمام:
نزعوا بسهمِ قطيعة ً يهفو بهِ *** ريشُ العقوقَ، فكانَ غيرَ سديدِ
إِنَّ مَنْ عَقَّ والديْهِ لمَلْعُو *** نٌ ومَنْ عَقَّ مَنْزِلاً
بالعَقيقِ
ذما العقوقَ وردا فضلَ حلمهما *** ورَاجَعا الوَصْلَ واستثْنَاهما الكَرمُ
ـ فيقول الشاعر أسامة بن منقذ:
أَنا عائذٌ بك من عُقوقٍ مُحبطٍ *** عملي فعصياني لأمرك موبق
ـ فيقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
شموسٌ متى أعطتكَ طوعاً زمامها *** فكُنْ للأذى مِنْ عَقّهَا مُتَرَقِّبَا
ـ فيضيف الشاعر أسامة بن منقذ:
لقيتُ منهم تبَاريحَ العُقوقِ، كَما *** لقيتُ من بَعدهِم همّاً وأحزَانَا
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
مالقينا مثل البُثوق اللواتي *** مُنحتْ منك بعد برٍّ عُقوقا
لستُ أبكي على نوالِ صديقٍ *** راعني بعد بِرِّه بالعقوق
تناسيتَ أمري واطّرحتَ حقوقي *** وعاديتَ بِري واصطفيتَ عُقوقي
ـ فيقول الشاعر ابن حيوس؛ ناصحا:
عزمكَ لاَ ينبو فدمْ قاطعاً بهِ *** يداً حملتْ كفَّ العقوقِ منَ الزندِ
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
كنت عقَّاً بالمحبي *** ن فعقّتك عَقاق
ـ ويضيف الشاعر البرعي:
إذا ما هممنا بالزيارة ِ عاقنا *** بعادكَ عنا لا الجفا والتجنبُ
يا حسرتاهُ على زمانٍ عاقني *** عنهُ وسارَ أحبتي ورفاقي
ـ ويكمل الشاعر ابن عنين:
جئنا إلى بابهِ لاجينَ نسألهُ *** فليتنا عاقَنَاَ موتٌ ولا جينا
ـ فيقول الشاعر ابن رشيق القيرواني الأزدي:
لا تَرْغَبا في بِرِّ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ *** فَلَرُبَّ بِرٍّ في جِوَارِ
عُقٌوقِ
ـ فيومئ الشاعر السري برأسه؛ إيجابا:
لم أرَ مثلَه يُدْعى عَقُوقاً *** فيدعوه الوَرى بَرّاً حَفِيّا
كلُّ بِرٍّ يَشوبُه كَدَرُ المَطْ *** لِ حَقيقٌ بأن يكونَ عُقُوقا
ـ فيضيف الشاعر الشريف الرضي:
نُميتَ مِنَ العُقوقِ إلى المَخازِي *** كَمَا يُنمَى الهَرِيرُ إلى
النّبَاحِ
ـ فيقول الشاعر أبو نواس:
فَلا وَاللهِ أذخَرُكُمْ هِجاءً، *** وشَتماً ما بقيتُ، ولا عُقُوقَا
أَخِلّائي أَذُمُّكُمُ إِلَيكُم *** وَكُنتُ بِمَدحِكُم قَمِناً خَليقا
فَلا وَأَبيكُمُ ما الفَضلُ دَأبي *** إِذا ما لَم أَجِد مِنكُم صَديقا
ـ فيضيف الشاعر ابن حيوس:
لقدْ فتحوا بابَ العقوقِ جهالة ً *** وما زالَ بالإغضاءِ والصَّفحِ مقفلا
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
أزلِ السَّدَّ الذي قد عاقني *** عنك زالت دون ما تهوى السُّدودُ
من حَبير الشِّعْر من أسْمَعُهُ *** فوعاه قال روضٌ أو بُرُودُ
كلما أنشدَه في محفلٍ *** ذَلِقُ المقْوَل جيَّاشٌ شَرودُ
هيلَت الأسماعُ من لفْظٍ له *** واقْشعرّتْ لمعانيه الجُلود
ـ فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
فيا أم اللغات عداك منا *** عقوق مساءة وعقوق جهل
ـ فيكمل الشاعر ابن الرومي:
فلا تَقْبلنَّ المدحَ ثم تَعُقُّهُ *** وتنامُ والشعراءُ غير نيام
غدا الشعرُ في فنائك مبرو *** راً وقد كان برهة ً معقوقا
قد رضينا الحبيب لو كان مرضي *** ياً لدينا بعهده موثوقا
أيها الذائق المُمِرَّات صبراً *** إن شُهداً في إثرها ملعوقا
ـ فينهي الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني ندوتنا (الافتراضية)؛ قائلا:
يحييك الفؤاد على التنائي *** كما يومي إلى القوم الغريق
فلا تسلمه للأيام أني *** أرى الأيام ديدنها العقوق
وصنه في حجاب القلب مثلي *** يظل له بقلبينا علوق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/08/18/530226.html