ثنائية الفقر
والغني من منظور شعري
ثانيا: مفهوم
الغنى عند فحول الشعراء العرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية)
اليوم؛ هو صاحب بيت الشعر الشهير:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا *** من الحسن حتى كاد أن يتكلما
إنه الشاعر أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، المعروف
بـ(البحتري) نسبةً إلى جدّه الثاني
عشر (بحتر)، وهو يتقدم الآن (افتراضيا) نحو المنصة؛ قائلا:
صَفوَةُ الدَهرِ إِذا الدَهرُ صَفا *** تَجمَعُ الشَملَ إِذا الشَملُ
اِفتَرَق
لا يَلَذُّ المُلْتَقَى، إنْ لم يَكُنْ *** باعِثَ الشّوْقِ لَذيذُ
المُعْتَنَقْ
فَلَجِي لَوْ أَنَّ فَقْراً أَو غِنىً *** يُستدَامانِ بِكَيْسٍ أَو حُمُقْ
ـ فيضيف الشاعر أبوالعلاء المعري:
الخَيرُ وَالشَرُّ مَمزوجانِ ما اِفتَرَقا *** فَكُلُّ شُهدٍ عَلَيهِ
الصابُ مَذرورُ
عالَمٌ فيهِ أضدادٌ، مُقابلَةً، *** غِنًى وفقرٌ، ومكروبٌ ومقرور
ـ فيقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
كنْ مَن تشاءُ مُهجَّناً، أو خالصاً، *** وإذا رُزِقتَ غنًى فأنتَ السيّد
ـ فيؤكد المعنى الشاعر ابن المعتز:
إذا كنتَ ذا ثروة ٍ من غنى، *** فأنتَ المسودُ في العالمِ
ـ فيقول الشاعر الفرزدق:
كَمْ مِنْ غِنىً فَتَحَ الإلَهُ لهم بهِ *** وَالخَيْلُ مُقْعِيَةٌ على
الأقْتَارِ
ـ ويضيف الشاعر المتنبي:
الغِنى في يَدِ اللّئيمِ قَبيحٌ *** قَدْرَ قُبْحِ الكَريمِ في الإمْلاقِ
ـ فيقول الشاعر أحمد شوقي:
ليس في الجاهِ والغِنَى *** منه ظِلٌّ ولا ثمر
لا الغنى في الرجال ناب عن الفضـ *** ـلِ وسلطانهِ، ولا الجاهُ أغنى
ـ فيضيف الشاعر النابغة الشيباني:
ولا يعطى الحريص غنى ً لحرصٍ *** وقد ينمي لذي الجود الثراء
ـ فيرد الشاعر أبوالعلاء المعري:
إن فِضْتَ للأقوام بالمالِ والغِنى، *** فيا بحرٌ أيقِنْ بالنّضوبِ وإن
جِشتا
ـ فيقول الشاعر البرعي؛ معترضا:
بحر منَ الجودِ ملآنٌ يموجُ غنى *** فالناسُ تغرفُ منهُ وهوَ ملآنُ
بحرٌ يموجُ غنى لملتمسٍ الغنى *** و حياً يصوبُ كصيبِ العقبانِ
ـ فيرد الشاعر أبو تمام؛ معاتبا:
أَجَمِيلُ ما لَكَ لا تُجِيبُ أَخاكا *** ماذا الذي باللهِ أنتَ دهاكا!
أغنى ً ظفرتَ بهِ فإني في غنى ً *** منْ نعمة ِ اللهِ التي أعطاكا
بَلْ لا نَسِيتَ- ولا أَلُومُكَ- خُلَّتي *** ولئن فعلتَ لحادثٌ أنساكا
ستلومُ يوماً سوءَ رأيكَ إنَّه *** رَأْيٌ غَوِيٌّ طالمَا أَردَاكا
ـ فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
غنى لا يحل الزهد فيه لفاضل *** حصيف إذا في غيره حسن الزهد
ـ فيضيف الشاعر أبوالعلاء المعري:
أغنى الأنامِ تقيٌّ في ذُرى جَبَلٍ، *** يَرْضى القليلِ، ويأبَى الوشيَ
والتاجا
هذا، ورُبّ صديقٍ لي أفاد غنًى، *** زهِدْتُ فيه، على عُدْمي وإزهادي
ـ فيقول الشاعر الشريف الرضي:
حسبي غنى نفسي الباقي وكل غنى *** من المغانم والأموال ينتقل
ـ فيقول الشاعر الفرزدق:
أغْنى العُفَاةَ بِنَائِلٍ مُتَدفِّقٍ، *** مَلأ البِلادَ دَوَافِعاً،
فَأسَالَها
ـ فيضيف الشاعرعدي بن الرقاع:
وكأن مضطجع امرىء أغنى به *** لِقَرَارِ عَيْنٍ بَعْدَ طُوْلِ كَرَاهَا
ـ فيكمل الشاعر الشماخ بن ضرار:
فلمّا اطمأنَّتْ في يديه رأى غِنى ً *** أحاطَ بهِ وازورَّ عمن يحاوز
ـ فيقول الشاعر حسان بن ثابت:
وَأقَامَ العِزُّ فِينَا والغِنى، *** فلنا منهُ على الناسِ الكبرْ
نَحنُ أَهلُ العِزِّ وَالمَجدِ مَعاً *** غَيرُ أَنكاسٍ وَلا ميلٍ عُسُر
ـ فيقول الشاعر أحمد شوقي:
إذا لم يكن المرءِ عن عيشة ٍ غنى ً *** فلا بدّ من يُسر، ولا بد من عُسر
ـ فيضيف الشاعر النابغة الشيباني:
وأرى الفقر والغنى بيد اللـ *** ـهِ وَحَتْفَ النُّفوسِ في الآجالِ
ـ ويقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
العيشُ أفقرَ منّا كلَّ ذاتِ غنًى؛ *** والموتُ أغنى بحقٍّ كلَّ محتاج
ـ فيقول الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
غنى أمان وفقر مقدرةٍ *** فلن ينال الفؤاد مرغوبا
ـ فيضيف علي بن أبي طالب:
و لم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً *** و لا أغنى بحيلته الأريبُ
لو كان باللُّبّ يَزْدادُ اللَّبِيْبُ غِنًى *** لَكانَ كُلُّ لَبيبٍ
مِثْلَ قارُونِ
ـ فيقول الشاعر كثير عزة:
عَلى كُلِّ حَالٍ قَدْ بَلَوْتُمْ خَلِيقَتي *** على الفَقْرِ مِنّي
والغِنَى المُتَتَابِعِ
غَنِيتُ فَلَمْ أرْدُدْكُمُ عِنْدَ بُغية ٍ*** وجُعتُ فلم أكددكمُ
بالأصابعِ
إذا قلَّ مالي زادَ عرضي كرامة ً*** عَليَّ وَلَمْ أَتْبَعْ دَقِيقَ
المَطَامِعِ
ـ فيرد الشاعر وضاح اليمن:
حتى ألمَّ بنا فبتُّ بهِ *** أغنى الخلائقَ كلهمْ شملا
واللَّهِ مالي عَنكِ مُنصَرَفٌ *** إِلاَّ إِلَيكِ فَأَجمل الفِعلا
ـ ويضيف الشاعر أحمد الصافي النجفي:
وما زلتُ فيه رغمَ ما نلتُ من غنًى *** فلي فيه أضحتْ لذّة المتعوّد
ـ ويكمل الشاعر إبراهيم ناجي:
طابت بكِ الأيامُ وافرحتاهْ *** أنتِ الأمانيْ والغنى والحياهْ
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى *** غنىَ الروحِ بعد الضّنكِ والذلِّ
والفقرِ
ـ فيقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
المَجدُ كالرّزْقِ: هذا نالَ منه غنًى، *** وذاكَ منهُ، على ما فاتَ، إعوال
ـ فيكمل الشاعر بدوي الجبل:
فليلته صبح و عسرته غنى *** و أحزانه نعمى و آهاته شعر
ـ فيقول الشاعر المتنبي:
أخلَتْ مَواهبُكَ الأسواقَ من صَنَعٍ *** أغنى نَداكَ عنِ الأعمالِ
والمِهَنِ
ـ ويضيف الشاعر جبران خليل جبران:
ما أنا من يعتفي مانحا *** وبي من غنى النفس ما يعصم
ـ فيقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
أضحَتْ تظنُّ بكَ الديانَةَ والغِنى *** والعلمَ، فاهتاجَتْ لكَ الحُسّاد
غفَرْنا وما أغنى اغتفاراً، وإنّما *** عَنيتُ انتكاسَ البُرْءِ لا كرَمَ
الغَفْر
إذا طَما ليَ، أوْ لم يَطْمُ، بحرُ غِنًى، *** فقَد وجَدتُ بَني الدّنيا
طَماليلا
وتركبُ اللُّجّ تَبغي أن تُفيدَ غنىً، *** وتقطعُ الأرْضَ لا تُلْفي بها
ثَمَدا
كذلكَ الدّهرُ غَنّى مَن يُصاحبُهُ، *** ولم يَعُدْ، بسوى الخُسرانِ، ساعوه
ـ فيقول الشاعر البحتري:
الغِنى في القُنوعِ، أوْ سَيبِ ما يُغـ *** ـنيكَ وَشْكُ ابتِدائِهِ عَنْ
سُؤالِهْ
أبا الفَضْلِ! في تِسعٍ وَتِسعينَ نَعجَةً *** غِنًى لكَ عَنْ ظَبيٍ،
بساحَتِنا، فرْدِ
فيضيف الشاعر أبو العتاهية:
ليْسَ الغِنَى نشبٌ فِي يَدٍ *** ولكنْ غِنى النّفس كلُّ الغِنى
أنا أغنى العِبادِ ما كانَ لي كِنٌّ، *** وما كانَ لي مَعاشٌ يَسيرُ
وإذا قنعتَ فأنْتَ أغْنَى من غَنِي *** إنَّ الفقِيرَ لكُلُّ منْ لاَ يقنعُ
لا شيءَ لِلْمَرءِ أغْنَى منْ قَنَاعَتِهِ *** وَلا امتِلاءَ لعَينِ
المُلْتَهي الطّرِفِ
إنّ في الصّبرِ وَالقُنوعِ غنى الدّهـ *** ـرِ، حِرْصُ الحريصِ فقرٌ مُقيمُ
ـ فيقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
فمَقتاً لما أُورِثوا من غِنًى، *** وما وُهِبوهُ من النّائل
ثم يقول:
أقلُّ بني الدّنيا، هُموماً وحَسرَةً، *** فقيدُ غنًى، للمالِ والرّشدِ
عادم
ـ ويقول الشاعر البحتري:
أقل إخوانك الحميد غنى *** وأكثر الماء غير مشروب
فَلَوْ دامَ شيءٌ آخِرَ الدّهْرِ سَرّنا *** غِنًى عَنهُ مَوْجُودٌ،
وَدُمتَ مُخَلَّدا
ـ ويضيف الشاعر أبو الفضل الميكالي:
وكلُّ غِنًى يتيهُ به غَنيُّ *** فَمرتجعٌ بموتٍ أو زَوَالِ
ـ فيقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
إذا خطَبَ الزّهراءَ شَيخٌ له غِنًى *** وناشىءُ عُدْم، آثرَتْ من تعانقُ
أمّلتَها للمَغاني والغِنى، زَمَناً، *** فلم تَنلْ من يَسارٍ، أو هوًى،
أملك
أضاعَ دارَيْكَ من دُنيا وآخرَةٍ، *** لا الحَيَّ أغنى، ولا في هالكٍ
شَفَعا
والملكُ للَّهِ، من يَظفَرْ بنَيلِ غِنًى *** يَرْدُدهُ قَسراً، وتضمنْ
نفسه الدّركا
ـ فيضيف الشاعر الأبيوردي؛ هاجيا:
أرى أيدياً نالتْ غنى ً بعدَ خلَّة ٍ *** لأِلأَمِ قَوْمٍ في أَخَسِّ
زَمانِ
فَضَنّتْ بِما تَحْويهِ، شُلَّ بَنانُها,*** وَإنْ رُمْتَ جَدْواها فَشُلَّ
بَنانِي
ـ ويكمل الشاعر ابن الرومي:
يا أيها المُتعالي عن مَعونتنا *** غِنى ً بما فيه من ذهن ومن أدبِ
أما علمتَ بأني عنك في سِعَة ٍ *** وفي غنى من عطايا الواحد الصمدِ
عرضتُ على نفسي الغِنَى منك تارة ً *** ومِنِّيَ أُخرى والغِنى مِنَي الصبر
أغنى العيانُ عن السّماعِ وما يُرى *** فهْو اليقين وما يُقال تختُّل
ـ فيقول الشاعر أبو الفضل بن الأحنف:
كُنتُ أغنَى النّاسِ كُلّهِمُ *** عنكِ لَولا الشؤمُ والنّكدُ
منعوا عيني الرقاد و هم *** لا يُبالوني إذا رقدوا
ـ فيقول الشاعر ابن الخياط؛ مستجديا:
لعمرِي لئنْ كنتُ امرأً فاتَهُ الغِنى *** فحسْبِي غنى ً أنِّي بجُودِكَ
واثِقُ
وَقَدْ عَلِقَتْنِي النّائِباتُ فَوَيْحَها *** أَما عَلِمَتْ أَنِّي
بِحَبْلِكَ عالِقُ
أَلَمْ يغْنِنِي بَحْرٌ جُودِكَ زاخِرٌ *** أَلَمْ يَحْمِنِي طَوْدٌ
بِعِزِّكَ شاهِقُ
ـ ويكمل الشاعر أسامة بن منقذ:
أقلُّ ما نِلتُ من جَدْوَى يديه غنًى *** ما ساءني بعده من ضن أو سمحا
من لم يزل لي من جدوى يديه غنى ً *** وفي ذراه من الأيام لي كنف
فنالهُم من عَوْدِها الخيرُ والغنَى *** كما نالنا من ردها الأجر والشكر
فنحنُ بهِ مِنْ فَيضِ سيبِكَ في غِنى ً *** وفي نشواتٍ لمْ يُحرَّمْ
رحيقُها
ـ فيقول الشاعر ابن الخياط؛ متهكما:
غِنى ً في يَدِ الأحلامِ لا أستفيدهُ *** ودَيْنٌ عَلى الأيَّامِ لا
أتقاضاهُ
وآلِ غنى ً جمٍّ همُ البحرُ ثروة ً *** ولكِنَّهُمْ عِنْدَ النَّوائِبِ آلُ
ـ فيقول الشاعر ابن حيوس:
فها أنتَ أغنى النَّاسِ عنْ مدحِ مادحٍ *** وَها أَنا بَعْدَ الْعُدْمِ
أُرْجى وَأَعْتَفا
فَأَفْقَرَ وَاسْتَغْنى وما كَفَّ شَرَّهُ *** وحازَ تراثَ العالمينَ وما
اكتفا
ـ ويقول الشاعر الأبيوردي:
ولَلْفَقْرُ خيرٌ منْ غِنى ً في مَذَلَّة ٍ *** إذا أخذتْ منّا الجدودُ
العواثرُ
والماءُ في الوَجَناتِ جَمٌّ، وَالغِنى *** حيثُ القَناعَة، وَالحشَى
طَيَّانُ
ـ فيتهيأ الشاعر ابن حيوس للانصراف؛ مختتما ندوتنا (الافتراضية) بقوله:
تنزهَ عنْ عجبٍ معَ العزَّ وَالغنى *** وَزِدْتَ مَعَ الإِذْلاَلِ
وَالفَقْرِ إِعْجَابا
سرني حاضراً وَ أدنى وَ أغنى *** فعدمتُ السرورَ (عندما) غابا
طَلْقُ الْمُحَيَّا إِذا ما زُرْتَ مَجْلِسَهُ *** حزتَ العلى وَالغنى
وَالجاهَ وَالأدبا
فَخرُ المَدائِحِ أَن تُهدى إِلَيكَ كَما *** فَخرُ الفَضائِلِ أَن تُدعى
لَهُنَّ أَبا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/08/20/530406.html