ثنائية التهوين والتهويل من منظور شعري
مفهوم
التهوين عند فحول الشعراء العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ هو إبراهيم ناجي بن أحمد ناجي إبراهيم القصبجي (الشاعر إبراهيم ناجي/ شاعر الأطلال)، وهو
يتجه (افتراضيا) الآن نحو المنصة؛ قائلا:
دعوت فلبينا ودارك كعبة *** بها انعقد الإخلاص والحب طوَّفا
خميلتنا تهفو إليها قلوبنا *** وأي فؤاد للخميلة ما هفا
فيا ندوة السمار هل من مسجل *** يدوّن إعجاز القرائح منصفا
ليشهد أن الشعر شيء مشى بنا *** مع الطبع جل الطبع أن يتكلفا
وفي دمنا يجري به متواصلا *** مع النفس الجاري وينساب مرهفا
فهل ناقل عني الغداة وناشر *** مقالة صدق قد أبت أن تحرّفا
ـ فيحييه الشاعر ابن الرومي، ثم يبادر بإلقاء أبيات من شعره حول موضوع
ندوتنا (التهوين عند فحول الشعراء العرب):
يا مَنْ هواه من القلوب مَكينُ *** والماءُ في الوَجَنات منه مَعينُ
فكِّر وقل لهُمُ مقالةَ صادقٍ *** يحتجُّ عند مقاله ويُبين
إنا نُكاد ولا نَكيد عدوَّنا *** ثقةً بكيد اللَّه وهو متين
يا من يُهَوِّن أن يخون أمانةً *** أقسمتُ أن سَيُهينك التهوين
ولعل ذا جهل يقول بجهله *** إن المُعاتِبَ في الطفيف مَهين
ـ فيكمل الشاعر عبد الغني النابلسي:
تراهم للشر في تهوين *** وتراهم للخير في تصعيب
أنطقوا كل بومة بهواهم *** وأرادوا السكوت للعندليب
حاولوا يطفئون بالزور نوري *** ويذلون عز قدري المهيب
فرأوا من عناية الله بي ما *** أصبحوا منه في أسى ونحيب
وإلى الله قد توسلت فيهم *** وعليهم رب العباد حسيبي
ـ ثم يضيف:
إني توسلت في الدنيا إليك بمن *** جعلته سبباً في كل تدوين
أن تشرح الصدر من ضيق ومن حرج *** وتفرج الهم من صعب بتهوين
ولا تدعني أمد الكف في طلب *** ممن
سواك على ظن وتخمين
ـ فيكمل الشاعر البوصيري:
مَنْ لِشَيْخٍ ذِي عِلَّةٍ وعِيالٍ *** ثَقَّلَتْ ظَهْرَهُ بِغَيرِ ظَهيرِ
أَثْقَلُوهُ وَكَلَّفوهُ مَسيراً *** ومِنَ المُسْتَحيلِ سَيْرُ ثَبيرُ
حَسِبَتْ عِلَّتِي تَزُولُ فقالتْ *** يا كَثِيرَ التَّهْوينِ
وَالتَّهْوِيرِ
وَاقْتَضَتْنِي الشِّوارَ بَغْياً عَلَى *** مَنْ بيتُهُ ليسَ فيهِ غير
حَصِيرِ
وأَبَوْا أنْ يُساعِدُونِي عَلَى قُو *** تِ عِيالِي بُخْلاً بِكَيْلِ
بَعِيرِ
فَسَيُغْنِيني الإلهِ عنهمِ بِجَدْوَى *** خيْرِ مَولىً لَنا وخيرِ نَصِيرِ
ـ فيقول الشاعر أحمد شوقي:
يا طَيرُ كَدرُ العَيشِ لَو تَدري *** في صَفوِهِ وَالصَفوُ في الكَدرِ
وإذا الأُمورُ استُصعِبَتْ صَعُبَتْ *** ويهون ما هوّنتَ من أَمر
يا طَيرُ لَو لُذنا بِمُصطَبَرٍ *** فَلَعَلَّ روحَ اللَهِ في الصَبرِ
ـ فيضيف الشاعر مهيار الديلمي:
و زاحمْ على باب العلا ضاغطا *** لا بدّ أن تدخُلَ بين الزحامْ
بهمّةٌ أيسرُ ما ترتقِي *** إليه تهوينُ الأمورِ العِظامْ
من طلبَ الغايةَ خطواً على *** ظهر الهوينا رامَ صعبَ المرامْ
ـ فيقول الشاعر أبو العتاهية:
هَوَّن عَلَيكَ الأُمورَ وَاِعلَم *** أَنَّ لَها مَورِداً وَمَصدَر
وَاِصبِر إِذا ما بُليتَ يَوماً *** فَإِنَّ ما قَد سَلِمتَ أَكثَر
ـ فيكمل الشاعر ابن قلاقس:
هوّنْ عليكَ وكنْ للخطبِ مُصْطَبِرا *** فذو النُهى لنزولِ الخطبِ يصطبرُ
ـ فيضيف الشاعر أبو زيد الفازازي:
هوّن إذا هولت واعلم إنما *** تقوى على التهويل بالتهوين
لم يأت في الإِبداع فناً واحداً *** إلاَّ أتى من بعده بفنون
ـ فيكمل الشاعر جبران خليل جبران:
فن بذلت له الحياة مثابرا *** في حومة الآلام والآمال
يجني المنى كالورد من أشواكه *** ويهون الآلام بالآمال
ـ فيقول الشاعر البحتري:
أَطِل جَفوَةَ الدُنيا وَتَهوينَ شَأنِها *** فَما العاقِلُ المَغرورُ
مِنها بِعاقِلِ
وَلَيسَ الأَماني في البَقاءِ وَإِن مَضَت *** بِها عادَةٌ إِلّا أَحاديثُ
باطِلِ
ـ فيقول الشاعر الأرجاني:
لا تسَلْ أنْ أَقُصَّ ما كان منها *** وأجِرْ إنْ أطقْتَ مِمّا يكون
كم تُرجَّي تَعَلُّلاً بالأماني *** أنْ سيُقْضَى لصَعْبِه تَهْوين
فيكَ يا دهرُ مُقْعدي ومُقيمي *** أمَلٌ جامحٌ وحَظٌّ حَرون
طَرْفيَ الدّهرَ مُقْفِرٌ من وفيٍّ *** وفؤادي من حبِّه مَسْكون
ـ فيكمل الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
أخاف عليك الناس أن يلهجوا بنا *** وأكتم حتى عنك سرى وأبعد
وهون عندي ما أعاني من الجوى *** يعقيني أن البعد أحجى وأرشد
ـ فيقول الشاعر أبو زيد الفازازي:
هوّن إذا هولت واعلم إنما *** تقوى على التهويل بالتهوين
ولكم عذول قد رددت مقاله *** ردَّ المقيم على مقام الهون
يكفيك من بحر الغرام وعصفه *** دمع الهوى وتنفس المحزون
ـ فيضيف الشاعر بدوي الجبل:
و تسري الصّبا من بعيد إليها *** و قد هوّن الحبّ حزن الطريق
إلى أن تمرّ عليها فتاة *** فتنزعها نزع برّ رفيق
و تنزلها منزلا هانئا *** على النّور لا يشتكى فيه ضيق
ـ فيقول الشاعر لسان الدين الخطيب:
هون عليك فما الشكوى بنافعة *** وكل صعب إذا هونته هانا
ـ فيكمل الشاعر أبو العلاء المعري:
هَوِّن عَلَيكَ فَما الدُنيا بِدائِمَةٍ *** وَإِنَّما أَنتَ مِثلُ الناسِ
مَغرورُ
جيب الزمان على الآفات مزرور *** ما فيهِ إِلّا شَقِيُّ الجَدِّ مَضرورُ
وَلَو تَصَوَّرَ أَهلُ الدَهرِ صورَتَهُ *** لَم يُمسِ مِنهُم لَبيبٌ وَهوَ
مَسرورُ
ـ فيضيف الشاعر محمد مهدي الجواهري:
حراجةٌ لو يُرى حمدٌ يرافقها *** هانتْ وقد يُدَّرى خطبٌ بتهوين
لكنْ رأيتُ سِماتِ الخيرِ ضائعةً *** في الشرِّ كاللثغِ بين السينِ والشين
ما أضيعَ الماسَ مصنوعاً ومتطَبِعاً *** حتى لدى أهلِ تمييزٍ وتثمين
فيكمل الشاعر يوسف النبهاني:
فَقَد بُليتُ بعصرٍ كلّه فتنٌ *** فيهِ أخو الحقّ مغلوبٌ ومغلولُ
عَصرٌ على الخيرِ صالَ الشرّ فيه ولا *** تهوينَ إلّا علاه فيه تهويلُ
هذا الزمانُ الّذي بيّنت شدّتهُ *** فكلُّ ما قلتَ فيه اليوم مفعولُ
ـ فيقول الشاعر ابن النبيه:
فلا رعى الله زماني لقد *** هون من أمري ما لا يهون
ـ فيقول الشاعر أحمد محرم:
لا مطلب اليوم إلا الحق نكبره *** عن أن يهون وأن يرمى بنقصان
ظلت تهون على الأيام قيمته *** حتى ترفع عنه الترب والخشب
ـ فيقول الشاعر أسامة بن منقذ:
لا تُلزِمَنّي بالهَوانِ وحَملهِ *** إن احتمال الهون ثقل مرهق
ـ فيرد الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني؛ قائلا:
ما أنا خيراً منك حالاً وإنما *** أعالج ما ألقى عساه يهون
ـ فيضيف الشاعر أبو تمام:
لانَت مَهَزَّتُهُ فَعَزَّ وَإِنَّما *** يَشتَدُّ بَأسُ الرُمحِ حينَ
يَلينُ
وتَرَى الكَرِيمَ يَعِزُّ حينَ يَهُونُ *** وتَرَى اللئيمَ يَهُونُ حينَ
يَهُونُ
ـ فيكمل الشاعر خليل مطران:
انَّكَ مُحْرِزٌ قَصَبَ المَعَالِي *** بِحَيْثُ غَدَتْ ذُرَاهَا لا
تُرَامُ
وأنك إن يضم للناس جار *** فجارك لا يهون ولا يضام
ـ فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
ضرب الضربة التي هونت كل *** شكاة وأخرست من يقول
فليدر في مداره الفكر حيران *** ويجمد بالناظرين الذهول
كل ود يدول لكن ودي *** لك ما دمت ثابت لا يدول
ـ فيقول علي بن أبي طالب:
هوِّنِ الأَمْرَ تَعِشْ في راحَة ٍ *** كُلَّما هَوَّنْتَ إلاَّ سَيَهُونُ
لَيسَ أَمرُ المَرءِ سَهلاً كُلّهُ *** إِنَّما الأَمرُ سَهولٌ وَحَزونُ
تَطلُبُ الراحَةَ في دارِ العَنا *** خابَ مِن يَطلُبُ شَيئاً لا يَكونُ
ـ فيضيف الشاعر أبو العلاء المعري:
هَوِّن عَلَيكَ وَلا تُبالِ بِحادِثٍ *** يُشجيكَ فَالأَيّامُ سائِرَةٌ
بِنا
ـ فيكمل الشاعر ابن علوي الحداد:
هون عليك نائب الدهر *** يهن عليك كل ما يجري
وكن للطف اللَه منتظراً *** من حيث لا تدريه أو تدري
فكم له من فرج عاجل *** يكشف للبأساء والضر
ـ فيضيف الشاعر ابن زهر الحفيد:
هَوِّن عَلَيكَ فَهذا لا بَقاءَ لَهُ *** أَما تَرى العُشبَ يَفني بَعدَما
نَبَتا
كانَ الغَواني يَقُلنَ يا أَخي فَقَد *** صارَ الغَواني يَقُلنَ اليَومَ يا
أَبَتا
ـ فيقول الشاعر
لسان الدين بن الخطيب:
هوِّنْ على
النّفْسِ النّفيسَةِ أمْرَها *** وإذا سلِمْتَ فلا تُرَعْ لفَقيدِ
لمْ يأتِ صرْفُ
الدّهْرِ بِدْعاً مُحْدَثاً *** كمْ منْ يَزيدٍ قد مضى ويَزيدِ
ـ فيضيف الشاعر
العباس بن الأحنف:
تعَزَّ
وَهَوِّن عَلَيكَ الأُمورا *** عَساكَ تَرى بَعدَ حُزنٍ سُرورا
لَعَلَّ الَّذي
بِيَدَيهِ الأُمورا *** سَيَجعَلُ في الكُرهِ خَيراً كَثيراً
ـ فيكمل علي بن
أبي طالب:
هَوِّن عَلَيكَ
فَإِنَّ الأُمورَ *** بِكَفِّ الإِلَهِ مَقاديرُها
فَلَيسَ
بِآتيكَ مَنهِيُّها *** وَلا قاصِرٌ عَنكَ مَأمورُها
ـ فيضيف الشاعر
أبو العتاهية:
هَوِّن عَلَيكَ
العَيشَ صَفحاً يَهُن *** لَقَلَّما سَكَّنتَ إِلّا سَكَن
اقبَل مِنَ
العَيشِ تَصاريفَهُ *** وَارضَ بِهِ إِن لانَ أَو إِن خَشُن
كَم لَذَّةٍ في
ساعَةٍ نِلتَها *** كانَت فَوَلَّت فَكَأَن لَم تَكُن
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن *** بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
وَانْظُرْ إِلَى الرَّوْضِ إِذْ هَـبَّتـْ مُحَدِّدَةً *** طَلاَئِعُ
الرِّيحِ كَيْفَ اهْتَزَّ وَازْدَانَا
ـ فيختتم الشاعر د/ سلطان السبهان ندوتنا (الافتراضية) بأبيات من قصيدته (هون
عليك)؛ منشدا:
هوّن عليكَ فلست أولَ صادقٍ *** يرميهِ إحسان الظنون بمأزق
هوّن عليكَ وقُل خطيئة محسن *** رامَ الوفاءَ فكانَ غيرَ موفق
وتحسّس الندمَ الذي بجفونهم *** لو أنصفوكَ لآثروك بما بَقي
الدمعُ أثقل ما ترقرق في المدى *** إن ذرفته محاجرٌ لم تلتقِ
هوّن عليك وكُن لآخر لحظة *** متمسّكاً بالصدق والحلم النَّقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/09/08/531911.html