ثنائية الإبداع والتقليد من منظور شعري
2ـ مفهوم
التقليد عند فحول الشعراء العرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ علم من أعلام الشعر العربي الحديث، هو الشاعر العراقي جميل صدقي بن محمد فيضي ابن الملا أحمد بابان الزهاوي (جميل صدقي الزهاوي)، وقد كتب فيه عميد الأدب العربي (د. طه حسين): "لم يكن الزهاوي شاعر العربية فحسب ولا شاعر العراق، بل شاعر مصر وغيرها من
الأقطار، لقد كان شاعر العقل، وكان معري هذا العصر، ولكنه المعري الذي اتصل
بأوروبا وتسلح بالعلم"، وها هو يتجه (افتراضيا) ـ الآن ـ نحو المنصة
للمشاركة في ندوتنا؛ فينشد:
الشعر يكبر اما كان مبتكرا *** والشعر لا ينبغي في الشعر تقليد
والشعر يهتف دهراً بعد قائله *** والشعر للشاعر الخنذيذ تخليد
يا روضة الشعر مالي عنك من حول *** ما دام في أيكك الفينان غريد
ـ فيقول الشاعر الامير منجك باشا:
سيان عِنديَ نوح بَعد بَينَهُم *** وَمِن بَلابل دَوح اللَهو تَغريدُ
قَد أَغرَقَت مُقلَتي قَلبي بِأَدمُعِها *** إِن السُرور الَّذي أُبديهِ
تَقليدُ
لَو كُنتُ أَعلَم إِن الوَعد آخِرُهُ *** يُجدى مِن الحُب أَغنَتني
المَواعيدُ
ـ فيضيف الشاعر الأمير الصنعاني:
ليت شعري ذكروا عهد فتى *** ما يرى غير هوام مذهبا
كان من قبل الهوى مجتهداً *** فارتضى في الحب تقليد الظبا
ما لها مرعى سوى قلبي ولم *** ترض إلا دمع عيني مشربا
ساعة قد أسعدتني باللقا *** وجفتني بعد هذا حقبا
ـ فيقول الشاعر الامير منجك باشا:
حَمائم الرَوض ما هَذي التَغاريدُ *** عَن باعث هِيَ أَم لي مِنكَ تَقليدُ
نوحي وَنوحك جَنح اللَيل مُتَفق
*** وَالمُشغلات لَنا وَرد وَتَوريد
إِن كانَ يُقنعك صَوت الصَغير فَلي *** قَلب يُعللهُ في الحُب تَفنيدُ
تَعجبت نار قَلبي مِن تجلده *** وَمِن جُفوني شَكا دَمع وَتَسهيدُ
وَالحُزن باقٍ عَلى ما كُنت أَعهدهُ *** وَإِن تَكرر عيد بُعدَهُ عيدُ
ـ فيقول الشاعر ابن مليك الحموي:
لطائر البشر بالأفراح تغريد *** وللتهاني ونيل السعد تجديد
قاسوك بالغير من جهل فقلت لهم *** شتان في الفضل معدوم وموجود
در المكارم من جدواه قلدني *** وليس ينكر قول فيه تقليد
على محاسنه الإجماع منعقد *** وها عليه لواء المجد معقود
ما طاب حسن ابتدائي بالمديح وما *** لي في ختام حلت تلك الأناشيد
ـ فيضيف الشاعر بهاء الدين الصيادي:
هلِ العِنايةُ إِلاَّ أن تُرى رَجُلاً *** ما فيه إِلاَّ إلى الخَلاَّقِ
مَقْصودُ
ومنْ دَهاهُ العَما عن نورِ مَشْهدهِ *** فَقلبُهُ بِظلامِ الصَّدِّ
مَكْمودُ
فَقلِّدِ القومَ يا هذا بسيرَتهِمْ *** فكَمْ وكمْ جَرَّ للتَّحقيقِ
تَقليدُ
ـ فيكمل الشاعر الامير منجك باشا:
أَخذ الفَضائل ماجداً عَن ماجِدٍ *** لِلّه دُرّ عُلاهُ مِن أخاذ
بِيديهِ حَلّ المُعضِلات وَكَشفِها *** وَأَزمة التَقليد وَالأنفاذ
إِذ لَيسَ يَنجَح وَالنَوائب جَمة *** إِلّا ببابك دَعوَة العَوّاذ
ـ فيقول الشاعر مهيار الديلمي:
أنت على حالتيك محمودُ *** إن كان بخلٌ لديك أو جودُ
دُرُّ المعالي فيها بوصفك من *** ظومٌ ووشيُ الألفاظِ منضودُ
تَخْبرُ منه ما أنت ناقده *** وأكثر الإنتقادِ تقليدُ
ـ فيضيف الشاعر ابن سهل الأندلسي:
إِذا اِستَدَلَّ عَلى الكَمالِ بِأَهلِهِ *** فَلَأَنتَ بُرهانٌ وَهُم
تَقليدُ
ـ فيكمل الشاعر جميل صدقي الزهاوي:
والشعر بالتقليد فيه هالك *** والشعر بالتجديد فيه خالد
والشعر لولا النقد يبقى ميتاً *** والشعر لا يحييه إلا الناقد
ـ فيقول الشاعر حافظ ابراهيم:
أَعجَمِيٌّ كادَ يَعلو نَجمُهُ *** في سَماءِ الشِعرِ نَجمَ العَرَبي
صافَحَ العَلياءَ فيها وَاِلتَقى *** بِالمَعَرّي فَوقَ هامِ الشُهُبِ
أَمعَنَ التَقليدُ فيها فَغَدَت *** لا تَرى إِلّا بِعَينِ الكُتُبِ
ـ فيضيف الشاعر ابن الوردي:
يا مَنْ غدا في طلابِ العلمِ مجتهداً *** لمْ يثنِهِ عنهُ لا مالٌ ولا ولدُ
لا تبسطَنَّ لتقليدِ القضاءِ يداً *** أيرتضي رتبةَ التقليدِ مجتهدُ
ـ فيقول الشاعر بهاء الدين الصيادي:
مهذَّبٌ مَذْهَبُ الحَقِّ استقرَّ به *** وكادَ يهدِمُهُ القومُ
الأشِرَّاءُ
دَعا إلى الله عن علمٍ فجاوَبَهُ *** بقِسْمَةِ الغيبِ آباءٌ وأَبْناءُ
وجاءهُمْ ببراهينٍ خوارِقُها *** كالمُعجِزاتِ لها في الكونِ إِمْضاءُ
لكلِّ شأنٍ من التَّحقيقِ عن جسَدٍ *** تقليدُ نَمْطٍ وللتَّحقيقِ ضوْضاءُ
ـ فيضيف الشاعر الأمير الصنعاني:
لقد خلطت بالابتداع عقائدُ *** ترى كل ذي علم عليها يدافع
يدافع عما أسس الناس قبله *** ويبني على ما أسسوا ويشايع
لقد فاض بحر الابتداع وأصبحت *** قلوب ذوي التقليد منه المصانع
يرد الذي لا
يرتضيه برأيه *** ويحسب أن الحق للرأي تابع
ـ فيقول الشاعر محيي الدين بن عربي
الاتحاد محال لا يقول به *** إلا جهولٌ به عن عقلِه شَرَدا
ولا تغالط بتعطيلٍ وأقيسَةٍ *** وكنْ عن الرأي والتقليد مُنفردا
ـ فيضيف الشاعر ابن هانئ الأندلسي:
أتْبَعْتُهُ فِكَري حتى إذا بَلَغتْ *** غاياتِها بين تصْويبٍ وتصعيد
رأيتُ موضِعَ بُرهانٍ يبينُ وما *** رأيتُ موضعَ تكييفٍ وتحديد
وكان مُنقِذَ نفسي من عَمايتِها *** فقلتُ فيهِ بعلْمٍ لا بتقليدِ
هادي رَشادٍ وبُرْهانٍ ومَوعظَةٍ *** وبيِّناتٍ وتوفيقٍ وتسْديد
ـ فيقول الشاعر صفي الدين الحلي:
إِلَيكَ قَد كانَ يُعزى العِلمُ مُنتَسِباً *** وَاليَومَ فيكَ يُعَزّى
العِلمُ وَالجودُ
كَم خُطبَةٍ لَكَ راعَ الخَطبَ مَوقِعُها *** وَكَم تُقُلِّدَ مِنهُ
الدَهرَ تَقليدُ
وَلَفظَةٍ لا يَسُدُّ الغَيرُ مَوضِعَها *** غَرّاءَ تُحسَبُ ماءً وَهيَ
جُلمودُ
ـ فيضيف الشاعر الأرجاني:
في كلِّ شَيءٍ أَهلُه اختلفوا *** لكنْ على تَفْضيلِه اتّفقوا
قُلْ للمُهنَّا ما يليقُ به *** هُنِّئْتَ أَنَّك بالعُلا لَبِق
تَقليدُ مثْلِك شُغْلَ مملكةٍ *** مثْلُ القِلادةِ زانَها العُنُق
ـ فيكمل الشاعر جميل صدقي الزهاوي:
نفع البلاد بماله وبسَعْيِه *** وبحسن رأيٍ في الأمور سديد
حتى تكون عن الأجانب في غِنىً *** وتعيش غير أسيرة التقليد
ـ فيقول الشاعر أبو الفضل الوليد:
أنزعُ كلَّ تقليد عَقيمٍ *** وكلَّ خرافةٍ للأوَّلينا
وأكسرُ كلَّ سلسلةٍ وقيدٍ *** لكي تمتدَّ أيدي الكاتبينا
وإنا إن نَظمنا شِعرَ صدقٍ *** نظمناهُ لِقَومٍ شاعرينا
وإنَّا إن أفضنا نورَ حقٍّ *** أفَضناه لقومٍ مُبصرينا
فللأشعارِ تأثيرٌ جميلٌ *** على قلبٍ حوَى طرباً ولينا
ـ فيضيف الشاعر أبن أرفع رأس:
سما ان يرجا مطلبا ليصابا *** كان له دون العقول حجابا
فمن رامه الا بتقليد واصل *** حكيم أضاع الحزم فيه وخابا
فليس إلى إدراكه لمجرب *** سبيل ولو أفنى الزمان طلابا
ـ فيضيف الشاعر أبو الحسن بن حريق:
أوُلوعٌ وغُربَةٌ وَسقَامٌ *** إِنَّ مِثلِي لَفِي عَذابٍ شَدِيدِ
هَكَذَا الحُبُّ لا كَدَعوَى أُنَاسٍ *** حَدَّثوا بِالهَوَى عَلَى
التَّقلِيدِ
ـ فيقول الشاعر قيس بن الملوح مجنون ليلى:
إذا بانَ من تَهوَى وشَطَّ به النَّوى *** فَفُرقَة ُ مَنْ تهوى أحرُّ منَ
الجمر
ـ فيختتم الشاعر إبراهيم ناجي ندوتنا (الافتراضية)؛ منشدا:
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ *** مَنْ مُسعدِي في ساعةِ التذكارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً *** منها ومن إعجازها بغرارِ
ما زلتَ تُبعثُ في قريضِكَ ثاويًا *** أو ماضيًا حَفِلًا بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ: شاعرٌ *** ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ!
فجلوتَ ما لَم يشهدوا، ورسمت ما *** لَم يعهدوا من معجز الأفكار!
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ *** وجناُنهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابَةِ واصفًا *** مجنونَ ليلى في سحيقِ قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشرًا *** تلك العصور وطيفَها المتواري!
ويرى الحياةَ الحبَّ والحبَّ الحيا *** ة! هما شعارُ العيش أيُّ شعارِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/10/04/534008.html