السبت، 3 مايو 2014

التسلسل التاريخي لنشأة الرواية العربية بقلم/ مجدي شلبي

التسلسل التاريخي لنشأة الرواية العربية
من الرواد الثمانية الأوائل وصولا إلى الفائز بجائزة نوبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة:
قبل الحديث عن (الرواية) ـ كجنس أدبي نشأ في الغرب في القرن الثامن عشر، ووصلنا من خلال ترجمات لروايات أجنبية، ثم بدأ الكتاب العرب النسج على منواله نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ـ  أرى أن نشير في البداية إلى:
معنى كلمة (رواية):
ـ لكلمة (رواية) معان فقهية: 1ـ طبقا (لعلم قراءات القرآن الكريم كلمة "رواية" تعني: الاسناد إلى أحد الأئمة في طريقة التلاوة (رواية حفص عن عاصم، أو رواية ورش عن نافع، ... إلخ) بحسب طريقة نطق الأحرف مثال: إبراهيم، إبراهام... إلخ
2ـ (في علم الحديث "الرواية": تعني نقل أقوال و أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وروايتها وتحريرها على نحو ما يرد في الأحاديث النبوية الشريفة، وهو ما يُعرف بالعنعنة).
ـ المعنى المعجمي لكلمة (رواية): روى، يروي؛ فهو راوٍ. مرادف لـ سقى، يسقي؛ فهو ساقٍ، ومن ثم أتى المعنى الأدبي لكلمة (رواية): (حكاية) تدفع للتشوق (التعطش) لمتابعة الأحداث المثيرة؛ فـ(يروي) (الراوي "الروائي") تعطش القارئ؛ بسرد أحداث (روايته)؛ فـ (بالرواية؛ تنمو الحكاية).
الرد على الزعم بأن (الرواية) لها أصول عربية:
من حين لآخر يظهر بعض الكتاب والنقاد الذين يزعمون أن (الرواية) هي جنس أدبي عربي، وردا على هذا يقول الأديب/ فاروق خورشيد (1928 - 2005):
"إن أغلب الدراسات التي تناولت هذه القضية قد اتفقت على أن الرواية هي نوع أدبي وفد إلينا من الغرب بعد الاتصال الحديث، وهذا الرأي هو الرأي الأصوب والأدق علمياً؛ لأن الرأي الآخر الذي يرى أن الرواية هي امتداد لأنواع قصصية عربية قديمة، لا يفهم الفارق الواضح بين فنية تلك الأنواع القديمة وتنوعها، وبين خصائص الرواية كنوع محدد...".
تعريف (الرواية) من الناحية الفنية:
هي سرد نثري، أطول من القصة حجما، لتعدد الشخصيات، وتنوع الأحداث، وتعدد الأماكن، وامتداد الزمن، وحبكتها الفنية تتعدد رغم وجود الحبكة الرئيسية التي تجمع خيوط الأحداث التي تقع في عدد من الفصول.
الفرق بين القصة الطويلة والرواية:
من خلال التعريف المختصر (للرواية) الذي المشار إليه عاليه؛ يتضح الفارق بينها وبين القصة الأقل حجما، ومحدودية البيئة الفنية (الزمان والمكان) بالمقارنة مع الرواية، وكذلك الشخصيات أقل عددا، والحبكة الرئيسية واحدة، أما الرواية ـ كما قلنا ـ تتعدد فيها الحبكات الفنية مع وجود حبكة فنية رئيسية...
معنى (الحبكة الفنية):
الحبكة كمصطلح أدبي يعني: السياق العام الذي تجري فيه القصة أو الرواية، وتتسلسل بأحداثها على هيئة متنامية، متسارعة، (من البداية إلى العقدة إلى النهاية أو الحل) ويتم هذا بتضافر كل عناصر السرد).
ورغم أن (الرواية) طبقا لتعريفها و بنيتها الفنية: جنس أدبي مستقل ومتفرد ومتميز عن (القصة الطويلة)، وعن باقي الأجناس الأدبية الأخرى؛ إلا أن هناك تشابه بينها وبين الفنون الأدبية من حيث (النوع) أو الموضوع؛ فإذا كانت هناك (الرواية العاطفية "الرومانسية")؛ فهناك الشعر العاطفي والقصة العاطفية ـ وإذا كانت هناك (الرواية السياسية)؛ فهناك الشعر السياسي والقصة السياسية ـ وإذا كانت هناك (الرواية الاجتماعية)؛ فهناك الشعر الاجتماعي والقصة الاجتماعية... إلخ
فما الذي يميز الرواية من حيث (النوع) عن باقي أنواع الفنون الأدبية الأخرى؟:
 ـ (روايات الرعب) و(الرواية البوليسية) فلا يوجد شعر بوليسي، وإن كانت هناك قصص بوليسية موجودة...
الفارق بين (روايات الرعب)، و(الروايات البوليسية):
تشترك (روايات الرعب)، التي تحتوي على شخصيات حقيقة أو خيالية وأشباح، مع (الروايات البوليسية) في الغموض ووجود لغز، والرواية تتمحور في الحالتين حول كيفية حل اللغز، غير أن (الرواية البوليسية) تكون الشخصية الرئيسية فيها إما شرطيا أو محققا يحاول جمع الأدلة لحل اللغز.
نشأة الرواية وحركة الترجمة:
كانت بداية ظهور (الرواية) كجنس أدبي في أوروبا في القرن الثامن عشر، وجاء شغف العرب بفن القص والرواية نتيجة اطلاع بعض الرموز التي درست في الجامعات الأوروبية بتلك الفنون الأدبية، ثم نتيجة حركة الترجمة، والتي نقلت إلى لغتنا العربية بعض الروايات الفرنسية والانجليزية والروسية.
وكان (رفاعة الطهطاوي) هو أول مصري يقوم بترجمة رواية فرنسية إلى العربية، وعنونها بـ (مواقع الأفلاك في وقائع تليماك)، وقد صدرت هذه الترجمة عام 1867م، ثم تلاها عديد من الترجمات لروايات غربية إلى اللغة العربية.
وبعد مرحلة الترجمة (التعريب)، جاءت: محاولات التكوين و(التقليد).
التسلسل التاريخي للرواية العربية:
بدأ العرب تجريب الكتابة في فن (الرواية) أواخر القرن التاسع عشر؛ وبدايات القرن العشرين؛ فصدرت الروايات الثمان الأولى بالترتيب الزمني التالي:
عام 1899: صدرت رواية (حسن العواقب) للأديبة اللبنانية/ زينب فواز (1844-1914)
ولنا هنا وقفة حيث أن الكاتبة أطلقت على روايتها عنوانين (حسن العواقب أو غادة الزاهرة) وهو ما دفعني للبحث عن سبب ذلك العنوان المزدوج لنص روائي واحد؛ فاكتشفت سبق وجود نص مسرحي يحمل عنوان (حسن العواقب) لكاتب آخر هو (اسماعيل بك عاصم) وكان قد صدر عام 1894 فلربما هذا ما دفع الكاتبة التي بدأت كتابة روايتها 1895 لأن تضيف عنوانا إضافيا لتوضيح أن ما كتبته لا علاقة له بما كتبه (اسماعيل بك عاصم) والمدهش أن غلاف كتاب النص المسرحي مكتوب عليه (رواية من أربعة فصول/ رواية حكمية تشخيصية) رغم أن أول سطر في الفصل الأول يوضح أنها مسرحية: (الفصل الأول: (تنكشف الستارة عن منزل الشيخ غانم والد سعاد وهي جالسة مع سعيد وقت الفجر). وهو ما يؤكد أن (رواية: حسن العواقب أو غادة الزاهرة) لزينب فواز هي الرواية الأولى عربيا، وقد أعيدت طباعتها في لبنان 1984 ثم صدرت في القاهرة مرة أخرى بتقديم ودراسة للكاتب الكبير/ حلمي النمنم عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخرا بالعنوانين معا، وقبلها 2004 في مكتبة الأسرة بعنوان (غادة الزاهرة) مؤكدا على حقيقة أن تلك الرواية هي أول رواية عربية.
عام 1914: صدرت رواية (زينب) للدكتور/ محمد حسين هيكل (1888ـ 1956) في طبعتها الأولى بعنوان فرعي هو "مناظر وأخلاق ريفية"، ولم يوقع هيكل باسمه الحقيقي على هذه الطبعة، إنما وقع باسم بـ(مصري فلاح)، ويرجع هذا لخشيته من أن تؤثر صفة (كاتب) على عمله كمحام، ربما لأن مهنة الكتابة لم يكن لها الحظ الوافر من التقدير والاحترام في ذلك الوقت... وبعد 15 سنة صدرت طبعة أخرى مدونا عليها اسمه، وتُعد رواية (زينب للدكتور محمد حسين هيكل) هي أول رواية جرى إنتاجها سينمائيا مرتين، المرة الأولى كفيلم صامت في عام 1930، والثانية كفيلم ناطق في عام 1952...
عام 1921: صدرت رواية (في سبيل الزواج) للأديب العراقي/ محمود أحمد السيد في مثل هذا الشهر (مارس/ آذار) وكانت تلك الرواية أولى مؤلفاته وعمره لم يتجاوز 18 سنة (مواليد مارس 2003)، ويجدر بنا هنا أن نشير إلى الخطأ التاريخي الذي يوثق كتاب (جلال خالد) للقاص العراقي/ محمود أحمد السيد، على أنه سادس (رواية) كُتبت باللغة العربية. ـ لسببين أولا: لأن القاص العراقي/ محمود أحمد السيد (1903 ـ 1937) كما ذكرنا قد أصدر عام 1921 رواية بعنوان (في سبيل الزواج)؛ أي قبل (دعاء الكروان الصادرة عام 1929) لطه حسين بثمان سنوات. ـ ثانيا: لأن الكتاب المذكور (جلال خالد الصادر 1927) لم يذكر كاتبه نفسه أنها (رواية) بنص مقدمته التي و صفه فيها بأنه (قصة عراقية موجزة) ونص المقدمة: "هذه قصة موجزة وهي لإيجازها لا تماثل القصص التحليلية الكبيرة ذوات التفاصيل الدقيق؛ فأنت تراها أشبه بالمذكرات أو الحديث وهي حقيقة استندت في كتابتها إلى مذكرات صاحبي (جلال خالد) الخاصة ورسائله إلى أصحابه ورسائلهم إليه، وقد استأذنته أن أثبت بعضها في الجزء الثاني من القصة" و أكد في نهاية مقدمته: "وتصلح هذه القصة الموجزة التي هي أشبه بالحديث (نوفل) لأن تكون أساسا لقصة مطولة وافية (رومان) قد أكتبها في المستقبل." وحتى لو احتسبوها ـ روايته الأولى ـ فقد احتل بها المركز الثالث أيضا في التسلسل التاريخي للرواية العربية.
عام 1929: صدرت رواية (دعاء الكروان) للدكتور/ طه حسين (1889 - 1973م) وقد تم إنتاجها كفيلم سينمائي عام 1959
عام 1931: صدرت رواية (إبراهيم الكاتب) للكاتب/ إبراهيم عبدالقادر المازني (1889 ـ 1949) وهو من حيث الكم أكثرهم إنتاجا روائيا؛ فقد أصدر بعد روايته (إبراهيم الكاتب) أربع روايات أخرى صدرت عام 1943: رواية (إبراهيم الثاني) ـ و رواية (ثلاثة رجال وامرأة) ـ و رواية (عود على بدء) ـ و رواية (ميدو وشركاه).
عام 1933: صدرت رواية (عودة الروح) للكاتب/ توفيق الحكيم (1898م - 1987) الذي انتهى من كتابتها سنة 1927 عندما كان طالبًا في فرنسا، ونشرها سنة 1933، وله عديد من المسرحيات، فضلا عن رواية: (يوميات نائب في الأرياف/ 1937) و (عصفور من الشرق/ 1938) وترجمت أعماله إلى الروسية، والفرنسية، والإنجليزية والألمانية والسويدية والإسبانية وغيرها.
عام 1934: صدرت "رواية" (سارة) للكاتب/ عباس محمود العقاد (1889- 1964) وقيل أنها كانت عبارة عن سلسلة مقالات بعنوان (مواقف في الحب) كتبها لمجلة الدنيا الصادرة عن دار الهلال، ثم جمعها فيما بعد في هذا الكتاب عام 1938، وقال عنها بعض النقاد أنها ليست رواية، لكنها قصة، وقال البعض أنها مجرد تحليل نفسي لمشاعر حب يمكن وصفها(بالحقد المشوب بالإعجاب)!.
عام 1939: صدرت رواية (نداء المجهول) للكاتب/ محمود تيمور الذي يلقب بـ(شيخ القصة العربية) (1894-1973م)، وقد كانت روايته (نداء المجهول) من المقررات المدرسية في مصر، وله أيضا (كليوباترا في خان الخليلي)، و(سلوى في مهب الريح)...
استدراك مهم:
لا يفوتنا هنا ونحن بصدد توثيق التسلسل التاريخي للرواية العربية أن نشير لما نُشر عن رواد آخرين، ربما كان لبعضهم السبق في مجال كتابة الرواية العربية ـ فضلا عن دورهم في ترجمة أعمال أدبية إلى اللغة العربية ـ من  هؤلاء: الثلاثي اللبناني (فرح أنطون، نقولا حداد، وجورجي زيدان):
ـ الصحفي والروائي اللبناني/ فرح أنطون (1874 - 1922) والذي أصدر نحو خمس وعشرين رواية أبرزها رواية: الدين والعلم والمال (طبقا لموسوعة ويكيبيديا) تلك الرواية التي كتبها 1903
ـ الصحفي والعالم والشاعر اللبناني/ نقولا حداد (1878-1954) والذي له مجموعة كبيرة من الروايات والمسرحيات بين المؤلفة والمترجمة منها روايته (آدم الجديد/ رواية اجتماعية عصرية)
ـ الأديب والروائي والصحفي والمؤرخ/ جورجي زيدان (1861 – 1914) والذي اشتهر برواياته التاريخية؛ أصدر 23 رواية منها: (فتاة غسان)، (المملوك الشارد) و(أرمانوسة المصرية) و(شجرة الدر) وغيرها، وقد ترجمت رواياته التاريخية تلك إلى لغات عديدة، ورغم أنه هدف برواياته التاريخية إلى مواجهة التشويه المتعمد للتاريخ العربي؛ إلا أنها لم تسلم من النقد في الشكل والمضمون.
مراحل تطور الرواية العربية:
لقد تطورت (الرواية) عند الكتاب العرب: حتى وصلت إلى مرحلة: النضج و(الإبداع)، ثم: الترجمة من العربية إلى لغات العالم أو إذا جاز لنا استخدام كلمة (التغريب)، كما تطورت من حيث النوع: من الرومانسية الحالمة، مرورا بالواقعية إلى أن وصلت إلى عوالم إنسانية أكثر رحابة؛ حيث التعبير عن حيرة الإنسان وشعوره بالاغتراب، حتى وصلت في النصف الثاني من القرن العشرين إلى مستوى يضارع الأعمال الروائية العالمية.
(الحركة العكسية) بترجمة روايات عربية إلى لغات أجنبية:
ومن ثم ذاعت شهرة عديد من الروائيين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين؛ فتُرجمت أعمالهم إلى لغات عديدة، كان أبرزهم: نجيب محفوظ (1911 - 2006) والذي لقب بـ(الأب الروحي للرواية العربية) باعتباره (الروائي العربي الذي نال جائزة نوبل في الآداب عام 1988) وهذا ما حفز عديد من الكتاب العرب لعدم الاكتفاء باستقبال ما يصلهم من إبداعات أجنبية مترجمة، بل أضحوا مصدرين لإبداعاتهم الروائية والقصصية عن طريق الترجمة العكسية من العربية إلى لغات العالم، وهو ما أشرت إليه في مقال سابق بعنوان (الأدب العربي من المحلية إلى العالمية/ الطيب صالح "عبقري الرواية العربية أنموذجا").
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو اتحاد كتاب مصر