2ـ مفهوم الشبع عند فحول الشعراء العرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضيف ندوتنا (الافتراضية) اليوم؛ شاعر ومؤرخ أندلسي (ولد في مدينة بلنسية بالأندلس)، واسمه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن
القضاعي البلنسي، المعروف بـ (ابن الأبار البلنسي)، وها هو يتجه (افتراضيا) ـ الآن ـ نحو المنصة للمشاركة
في ندوتنا عن الشبع؛ فيقول:
جَمَعْتَ لِلنَّاسِ بَينَ الرِّيِّ وَالشِّبعِ *** فَهُمْ بأَخْصَبِ
مُصطَافٍ وَمُرْتَبَعِ
وَلَمْ تَدَعْ كَرَماً إِلا أَتَيْتَ بِهِ *** تُضِيفُ مُبْتَدَعاً مِنْهَا
لِمُبْتَدَعِ
ـ فيكمل الشاعر ابن قلاقس:
لله منزلُهُ الفسيحُ كصدْره *** فثَراهُ بالجودِ العَميمِ ثريُّ
دارٌ بها ما تَشتَهيهِ نفوسُنا *** شِبَعٌ كما شاءَ السّماحُ وريُّ
يا حسنَ مائدةٍ تُميد بثِقْلِها *** ذكرُ الخلودِ لما حوَتْ مَنسيُّ
ـ فيضيف الشاعر ابن الرومي:
قريب النوال بعيد المنا *** ل يقرب في شرفٍ مرتفع
كمثل السحاب نأى شخصُهُ *** ولم ينأ منه صبيبٌ هَمِع
وحسب الكريم إذا ما حبا *** وحسب اللئيم إذا ما شبع
ـ فيقول الشاعر الأحنف العكبري:
من أكل الطعام الشبع يوما *** حراما كان ذلك أو حلالا
وصح مزاجه من بعد ريّ *** غنيا كان أو لم يحو مالا
وقدّر أن يعفّ النفس خيرا *** وألزمها رأى رأيا محالا
ـ فيقول الشاعر ابن طاهر:
الشبع من حلال رأس للشر والذم *** ذا ذا كان من حله فكيف المحرم
ـ فيقول الشاعر ابن المقرب العيوني:
خَلِّ أَحاديثَ المَطامِعِ وَالمُنى *** أَلا إِنَّما أَشقى الرِجالِ
طَمُوعُها
وَلا تَحسِدَن فيها رِجالاً بِشبعِها *** فَخَيرٌ لَها مِن ذَلِكَ الشِبعِ
جُوعُها
ـ فيقول الشاعر مهيار الديلمي:
تُلين الضروراتُ شُمْسَ النفوس *** ويأبون في الضرّ إلا امتناعا
إذا قيل عيشوا شِباعَ البطون *** وفي الشِّبَع الذلُّ ماتوا جياعا
كرام ترى سِرّ أعراضهم *** مصوناً وسرَّ غناهم مذاعا
إذا أجدبوا خصَّهم جدبُهم *** وإن أخصبوا كان خِصباً جِماعا
ـ فيقول الشاعر الأحنف العكبري:
أذود النفس عن كرم وجود *** وأخفض هامتي بعد ارتفاع
فلم أر في الزمان أخسّ منهم *** وأروغ في العيان وفي السماع
سكنت بأرضهم وغذوت نفسي *** بآمال مضيّعة شعاع
رجوت بها الغنى وهدمت عمري *** فكنت كحالب تيسا لراعي
وكنت كجائع قد جاء جهلا *** يروم الشبع من بيت الجياع
ـ فيكمل الشاعر ناصيف اليازجي:
نُعاتِبُ حيثُ لا نرجو الجَوابا *** زَماناً ليسَ يَسْتمِعُ العِتابا
يموتُ اللَّيْثُ في الفَلواتِ جوعاً *** وتُبشِمُ كَثْرَةُ الشَّبَعِ
الكِلابا
مَدامعُ في الخُدودِ جَرَتْ مِياهاً *** ولكن في الحَشا صارَت حِرَابا
ومَن لم يَصطبِرْ طَوْعاً تَوَلَّى *** عليهِ العَجْزُ فاصطَبرَ اغتصابا
ـ فيضيف الشاعر الشريف الرضي:
صَبَرتُ عَنكَ فَلَم أَلفِظكَ مِن شَبَعِ *** لَكِن أَرى الصَبرَ أَولى بي
مِنَ الجَزَعِ
لَولا اِندِفاعُ دُموعِ العَينِ غالِبَةً *** لَم يُعقِبِ الصَبرُ دَمعاً
غَيرَ مُندَفِعِ
يُواصِلُ الحُزنُ قَلبي كُلَّما فُجِعَت *** يَدي بِحَبلٍ مِنَ الأَقرانِ
مُنقَطِعِ
ـ فيقول الشاعر الشريف الرضي:
سُدَّت فَواغِرُ أَفواهِ القُبورِ بِهِم *** وَلَيسَ لِلأَرضِ لا رَيٌّ
وَلا شَبَعُ
نَلهو وَما نَحنُ إِلّا لِلرَدى أُكَلٌ *** وَالدَهرُ يَمضَغُنا وَالأَرضُ
تَبتَلِعُ
لا تَستَلينُهُمُ الضَرّاءُ نازِلَةً *** وَلا تَقودُهُمُ الأَطماعُ
وَالنُجَعُ
كَم خَمصَةٍ كانَ فيها العِزِّ آوِنَةً *** وَشَبعَةٍ كانَ فيها العارُ
وَالضَرَعُ
ـ فيضيف الشاعر ابن سناء الملك:
أَلومُ نَفْسِي على هذا العتابِ وما *** تكلَّم الحرُّ إِلاَّ وهْوَ
مَكْلُومُ
لأَصْبرنَّ على ما قد مُنِيتُ به *** فالدَّهرُ يومانِ محمودٌ ومذْمُومُ
وما يُصادِفُ مني غَيرَ مُصْطَبِرٍ *** لَهُ على النَّفس تخييرٌ وتَحْكيمُ
للْبُلْه منه مبرَّاتٌ وتكرمةٌ *** وللحَمِير مسرَّاتٌ وتَنْعِيمُ
فإِنْ كَسَاهُمْ وعرَّاني فلا عَجَباً *** القِرْدُ يَضْحك والضِّرغَامُ
مَهْمُومُ
وربما عاشَ هذا جائعاً أَبداً *** وفاز بالرِّيِّ بعد الشِبْع عُلْجُومُ
ـ فيكمل الشاعر ابن معصوم:
وَلَو أَنَّني أَسعى لنفسي وجدتني *** قَليلَ المَساعي للَّذي أَنا كاسبُه
وَكُنتُ إذا حاوَلتُ في الدهر مطلباً *** كَثير التأنّي في الَّذي أَنا
طالبُه
وَلَكِنَّني أَسعى لأَنفع صاحبي *** على أَنَّ هَذا الدَهرَ أَعيَت مذاهبُه
وإن أَنا لا أَسعى له خفتُ عارَه *** وَشبعُ الفَتى عارٌ إذا جاعَ صاحبُه
ـ فيقول الشاعر ابن الساعاتي:
ذم أناس عفتي وورعي *** وجزعي ولات حين الجزع
وذاك بدع عند أهل البدع *** لا غيظ من ري ولا من شبع
سيعلم الناعي مقالي إن نعي *** أمعه الحق أم الحق معي
وأينا كان وخيم المرتع *** في يوم لا ينفع بذل الأدمع
ـ فيضيف الشاعر الشريف المرتضى:
ما ضرّنا أنّا خَلِيّون من غِنىً *** وكم شِبَعٍ يهفو بهِ غَرْثُ غارثِ
قَعَدتُمْ عنِ الإجمالِ فينا بباعثٍ *** وَقُمنا بهِ فيكمْ بلا بعثِ باعثِ
وَنَحنُ غَداة الجَدْبِ خيرُ مَخاصبٍ *** وَنَحن غداةَ الرَّوعِ خيرُ
مَغاوثِ
خُذوا كلامي اليومَ زفرةَ زافرٍ *** وأنّةَ مَكروبٍ ونفثَةَ نافثِ
ـ فيكمل الشاعر مصطفى صادق الرافعي:
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي *** ترقرقُ بينَ أجفانِ الربيعِ
وهل أبصرتَ بينَ القومِ طرّاً *** سوى رجلٍ مضاعٍ أو مُضيعِ
فهذا باتَ في شبعٍ وريٍّ *** وذلكَ مات من ظمإٍ وجوعِ
فلو مزجوا ببعض الهمِّ ماءً *** لصارَ الماءُ كالسمِّ النقيعِ
ـ فيقول الشاعر البوصيري:
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةً لِلْمَرْءِ قاتِلَةً *** مِنْ حَيْثُ لَمْ يّدْرِ
أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شَبَعٍ *** فَرَبَّ مَخْمَصَةٍ
شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
واسْتَفْرِغِ الدَّمْعَ مِنْ
عَيْنٍ قد امْتَلأَتْ *** مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
أسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ *** لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً
لِذِي عُقُمِ
ـ فيكمل الشاعر الهبل:
واسمعْ شكيةَ معْلٍ مُعْلنٍ حَزَناً *** إن كانَ ينفعُ إعلانٌ وإعلاءُ
ينسّون مِنْ ريٍّ ومِن شبع *** قَوماً لهم أكبدٌ لِلْجوعِ حرّاءُ
قلْ لِلْمساكين أهلِ الشعرِ يا تَعَبَ *** الأفكار إنْ لم يُصبْهم منه
إثراءُ
أَذن النَّدَى عن نِدَاءِ الشّعر صَمّاءُ *** فَليسَ يُجْديك إنشادُ
وإنشاءُ
كم قد مَدَحْنا فما أجَدتْ مدائِحنا *** لأنّهم إنّما يعطون من شاؤوا
ـ فيقول الشاعر الشريف الرضي:
شُكراً لِمَن لَم يَجعَلِ الرِزقَ عِندَكُم *** فَلا رَيَّ ظَمآنٍ وَلا
شِبعَ غارِثِ
لَئِن ساءَكُم مِنّي حُزونُ خَلائِقي *** فَقَد طالَ ما لَم أَنتَفِع
بِالدَمائِثِ
ذُنوبي إِنِ اِستَمطَرتُ مِن غَيرِ ماطِرٍ *** وَأَنّي طَلَبتُ الغَيثَ مِن
غَيرِ غائِثِ
ـ فيضيف الشاعر الشريف المرتضى:
إذا اِنتفعتَ
بما ذَلَلْتَ بهِ ***
فَلأَنتَ حقّاً غيرُ مُنتفِعِ
ومصارعُ
الأحياءِ كلِّهِمُ ***
في الدّهرِ بين الرِّيّ والشِّبَعِ
ـ فيقول الشاعر نسيب عريضة:
اذا ما شَبِعَ الجِسمُ *** وأضناهُ الفُتور
أنزِلَ الحُبُّ عن العَرشِ *** إلى سُوقِ الفُجور
ـ فتضيف الشاعرة نازك الملائكة:
يا دموع العشّاق قد شبع العا *** لم بؤسا فلا تزيدي أساه
قد ملأنا الكون الجميل دموعا *** وشبعنا من صمته ودجاه
ـ فيقول الشاعر جرمانوس فرحات:
أروم رؤيتكم والدمع يمنعني *** إذ قد تزاحم عندي الدمع والنظر
فاشبع إذاً من جمالٍ ما به شبعٌ *** وارتع إذاً بسرورٍ ما به كدر
ـ فيضيف الشاعر لسان الدين بن الخطيب:
نَامَتْ عَلَى شِبَعٍ وَقَدْ سَالَمْتَهُمْ *** وَعِلاَجُ فَرْطِ
البِطْنَةِ الإِغْفَاءُ
سِيمَاهُمُ التَّقْوَى أَشِدَّاءٌ عَلى الْـ *** ـكُفَّرِ فِيمَا بَيْنَهم رُحَمَاءُ
وَتَيَقَّنُوا الغُفْرَانَ فِي زَلاَّتِهِمْ *** مِمَّنْ لَدَيْهِ
الْخَلْقُ وَالإنْشَاءُ
ـ فيكمل الشاعر عبد الغني النابلسي:
ثم عدنا بعد ذاك وذا *** ما لنا رِيٌّ ولا شبع
والجوى والشوق لازمنا *** كل حين عندنا وجع
كيف أنتم والقلوب قست *** ليس بالتذكير تنتفع
لي فؤاد حشوه شجن *** بل على الأشواق منطبع
والجوى والوجد مبتذل *** دائماً والصبر ممتنع
ـ فيضيف الشاعر
ابو العتاهية:
ذَهَبَت بِنا
الدُنيا فَكَيفَ تَغُرُّنا ***
أَم كَيفَ تَخدَعُ مَن تَشاءُ فَيَنخَدِع
لَم تَقبَلِ
الدُنيا عَلى أَحَدٍ بِزيـ ***
ـنَتِها فَمَلَّ مِنَ الحَياةِ وَلا شَبَع
وَالمَرءُ
يوطِنُها وَيَعلَمُ أَنَّهُ ***
عَنها إِلى وَطَنٍ سِواها مُنقَلِع
ـ فيكمل الشاعر أبو العلاء المعري:
الحَتفُ كَالثائِرِ العادي يُصَرِّعُنا *** وَالأَرضُ تَأكُلُ هَلّا
تَكتَفي الضَبُعُ
أَمّا دَعاويكَ فَهِيَ الآنَ مُضحِكَةٌ *** وَما لِنَفسِكَ مِن أَطماعِها
شِبَعُ
ـ فيختتم الشاعر المعتمد بن عباد ندوتنا (الافتراضية)؛ منشدا:
يا سائِلَ
الشعرِ يَجتابُ الفَلاةَ بِهِ *** تَزويدُكَ الشِعرَ لا يُغني عَن السَغَبِ
زادٌ مِنَ
الريحِ لا ريٌّ وَلا شِبَعٌ *** غَدا لَهُ مُوثِراً ذو اللبِّ وَالأَدَبِ
أَصبَحتُ
صِفراً يدي مِمّا تَجودُ بِهِ *** ما أَعجَبَ الحادِثَ المَقدورَ في رَجبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/10/07/534306.html