إشكالية
العلاقة المتأزمة بين (الصغار) و(الكبار) من منظور شعري
بقلم/ مجدي شلبي (*)
كعادتنا في كل لقاء، نرحب بفحول الشعراء؛ ليمتعونا بآرائهم حول عديد من الثنائيات التي تعج بها حياتنا، وقد تناولنا ـ فيما سبق من مقالات ـ موضوعات: (الروح والجسد)، (التواضع والكبر)، (الحضور والغياب)، (التأسف والتفلسف)، (الصداقة الحقيقية وصداقة المصلحة)، (الحقد والكراهية)، (الرجولة والأنوثة)... واليوم موعدنا مع لقاء آخر وموضوع جديد.
وها هو الشاعر الخُبز أَرزي؛
يرحب بقدوم الشاعر ابن دريد؛ فيقول فيه:
لما بدا في دجى الظلماء أوهمني *** أن الصباح بدا أو ضوء مصباحِ
فيرد عليه الشاعر ابن دريد؛ قائلا:
أهلاً وسهلاً بالذينً أودُّهمْ *** وأحبُّهمْ في اللهِ ذي الآلاءِ
وما كاد يكتمل حضور شعراء
اليوم، حتى أعلنت فيهم أن موضوعنا سيكون عن (الصغار) و(الكبار)؛ فانبرى الشاعر
جبران خليل جبران قائلا، وفي نبرات صوته حسرة:
ما أسمج الدنيا وفينا كبرة *** ما أبهج الدنيا ونحن صغار
فأردف الشاعر أبو الفضل بن الأحنف؛ قائلا:
يا فوزُ هل لك أن تعودي للّذي *** كُنّا عليهِ مُنذ نحنُ صغارُ
حينئذ لم يجد الشاعر أبو العتاهية بدا من أن ينشد بيتيه (بترتيب مختلف):
ألا ليت الزمان يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني *** فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فيهدئ الشاعر أحمد محرم من
روعه؛ مؤكدا على حقيقة وجود بعض (الكبار) الذين مازالوا (جهالا)؛ فيقول:
وأرى كبار الناس إن جهلوا الذي *** تطوى عليه الحادثات صغارا
فيدافع الشاعر محيي الدين بن عربي عن الصغار؛ قائلا:
إني لسان صغار لي وعائلة *** وترجمانهمُ في السرِّ والعلن
فيحييه الشاعر جبران خليل جبران؛ قائلا:
هكذا ينبغ الحفيد كبيرا *** يتمشى في إثر جد كبير
فيضيف الشاعر ابن الخياط:
وَحَوى صَغِيرَ السِّنِّ غاياتِ العُلى *** وصِغارُ ابْناءِ الكِرامِ كبارُ
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
مضى صغير جل خطب العلى *** فيه وكلا ليس فيكم صغير
هنا يتعجب الشاعر أحمد محرم من التحقير والتعظيم بمجرد النظر:
الناس بين محقرين أصاغرٍ *** ومعظمين من الرجال كبار
ويقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
إنّ الثّرَيّا حينَ صَغّرَ، لفظَها، *** أهلُ البَسيطةِ، ما دَنَتْ لصَغار
ويقول الشاعر الشاب الظريف:
لكلِّ ذي كَبرٍ إكبارُ تكرُمة ٍ *** وكلِّ ذِي صِغَر تَصْغير تَحْبيبِ
فيضيف الشاعر علي بن محمد
التهامي أنه ليس بمجرد النظر يصح التقييم؛ فيقول:
إن الكواكبَ في علوّ محلّها *** لتُرى صغاراً وهي غيرُ صغار
ويقول الشاعر مهيار الديلمي:
ولستَ ترى الأجسامَ وهي ضئيلة ٌ *** نواحلُ إلا والنفوسُ كبارُ
ويضيف الشاعر المتنبي الصورة العكسية:
ودَهْرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ *** وإنْ كانتْ لهمْ جُثَثٌ ضِخامُ
ويضيف الشاعر أحمد شوقي أنه ليس بالسن يكون التقييم؛ فيقول:
وأودُّ أنكمُ رجا *** لٌ مثل والدكم كبار
ويقول الشاعر أحمد محرم:
صحب صغار السن ما بنفوسهم *** لؤم ولا أحلامهم بصغار
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
من صبية فيهم سديد الخطى *** وفيهم الأصغر فالأصغر
ويقول الشاعر ابن نباتة المصري:
قالوا صغيراً قلت إنّ وربما *** كانت به الحسرات غير صغار
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
لا بدع أن يلفى صغار أنبتوا *** لله والأوطان جد كبار
فأومأ الشاعر صفي الدين الحلي إيجابا؛ وقال:
صَغيرُهم لا يَعيبُهُ صِغَرٌ، *** وشيخهم لا يشينُهُ هرمُ
وأن الصغار سيصيرون كبارا؛ هكذا يقول الشاعر جبران خليل جبران:
أضحى صغار الأمس قد كبروا *** ودعوا بآباء وأجداد
فيضيف الشاعر أحمد شوقي قائلا:
كم همَّة ٍ دفعتْ جيلاً ذرا شرفٍ *** ونومة هدمتْ بنيانَ أجيال
فيقول الشاعر أحمد محرم:
فإذا الكبار من البنين كعهدهم *** أطفال أحلام صغار فعال
فانبرى الشاعر الحكم بن أبي الصلت للدفاع عن الكبار؛ فقال:
ساد صغار الناس في عصرنا *** لا دام من عصر ولا كانا
ويضيف الشاعر جبران خليل جبران:
كبيرة القدر ولكن لدى *** كل صغير القدر تستصغر
ويتساءل الشاعر ابن الرومي مستنكرا:
أوَ ليس كفراً أن تُقَوِّمهُ *** بالقيمة الصُغْرَى لك الصُّغْرُ
ويقول الشاعر البوصيري:
فالفيلُ تَقْتُلُهُ الأفْعَى بِأصْغَرِها *** فيها ولم تخشَهُ منْ سِنِّها
الصِّغَرُ
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
قدمت وكل ذي شأن كبير *** من الإكبار يمشي في الركاب
ثم أردف:
هذا إلى عقل رفيع إلى *** قلب كبير ما به كبر
ويقول الشاعر البرعي:
عظيمٌ إنْ تواضعَ عنْ علوٍ *** كبيرٌ ليسَ يرضى الكبرياءَ
فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
قلب كبير يلهم العقل *** الكبير ولا عجب
ثم قال:
ذاك فضل منكم وما زال حقا *** إن ما يفعل الكبير كبير
ثم قال:
كل خلق ما راضه الدهر يوما *** بكبار الصروف غير كبير
فيؤكد المعنى الشاعر حيدر بن سليمان الحلي؛ بقوله:
رمتْ عنده الدنيا كبارَ همومها *** وهمتُّه العلياء منهن أكبر
ويقول الشاعر البحتري:
كَبيرٌ لدَي الزُّرْءِ الكَبيرِ، وَإنّمَا *** على قَدْرِ جِرْمِ الفيلِ
تُبنَى قَوَائمُهْ
ويقول الشاعر بشار بن برد:
سُنَّة ٌ مِنْ أَب كَبِيرٍ وَآبَا *** ءٍ تَوَالَوْا عَلَى احْتِمَالِ
الْكبِيرِ
ويقول الشاعر حيدر بن سليمان الحلي:
فتى ً أملي في ندى كفِّه *** كبيرٌ وهمّتُه أكبر
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
معجزات من البناء كبار *** لأناس ملء الزمان كبار
فيأتي الشاعر إبراهيم ناجي؛ مصورا غرور الصغار؛ فيقول على لسانهم:
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ *** ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
فيعبر الشاعر جبران خليل جبران عن عدم تقدير الصغار لقيمة الكبار؛ فيقول:
لا ينظرن إلى العظيم بفعله *** قوم بأعين ماهنين صغار
ويقول الشاعر ابن الرومي:
ومن كان فرداً في عظيم غَنائهِ *** عن الملك لم يَصْغُر صغيرُ أداتهِ
ويقول الشاعر جبران خليل جبران:
بالأمس ألف بينهم ولربما *** سكن الكبير إلى دعاب صغار
ويقول الشاعر المتنبي:
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها *** وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ
العَظائِمُ
ويقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
فهوَ في أضلعِ الصغيرِ صغيرٌ، *** و هوَ في أضلعِ الكبيرِ كبيرُ
ويقول الشاعر أحمد شوقي:
وَلا تُعِدَّ صَغيراتِ الأُمورِ لَهُ *** إِنَّ الصَغائِرَ لَيسَت لِلعُلا
أُهُبا
ويقول الشاعر عماد الدين الأصبهاني:
لم يبقوا سوى الأصاغر للسبي *** فودوا أن الكبير صغير
فيحذر الشاعر البوصيري؛ قائلا:
فاحْذَرْ كِبارَ بَنِيهمْ إنهمْ قُرُمٌ *** وَاحْذَرْ صِغارَ بَنِيهمْ إنهم
شَرَرُ
فيأتي الشاعر ابن الرومي مؤكدا على أهمية التربية والتنشئة؛ فيقول:
كذا صغار الأمور ما برحت *** تكون منها مبادىء الكُبر
فيضيف الشاعر جبران خليل جبران:
صغار تقوم أعطافهم *** لينموا صلابا كما قوموا
ويقول الشاعر أحمد شوقي:
هلا ترفَّع عن لَهْوٍ وعن لَعِبٍ؟ *** إن الصغائر تغري النفسَ بالصغر
ويقول الشاعر الفرزدق:
كَمْ كَانَ قَبْلَكَ مِنْ لَئِيمٍ خائِنٍ *** تُرِكَتْ مَسَامِعُهُ وَهُنّ
صِغَارُ
فيضيف الشاعر الخُبز أَرزي:
حتى إذا اقتحم الفتى لججَ الهوى *** جاءت أمورٌ لا تُطاق كبار
ثم يهموا بالانصراف مودعين المكان (الافتراضي)؛ فيقول الشاعر ابراهيم ناجي:
مفترقان فيه إلى لقاء *** وملتقيان حتى في التنائي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر