مقدمة لكتاب في الومضات القصصية للكاتب/ إبراهيم مشلاء
(قطرات حبر) بين التبصير والتطهير
بقلم/ مجدي شلبي (*)
إننا إزاء
كتاب جديد لكاتب فريد؛ لم يكتف بأن يقبع خلف قضبان قوالب أدبية تقليدية، بل انطلق
نحو آفاق رحبة لجنس أدبي متميز، متسلحا بعلمٍ وافر، وأدبٍ جم، ومشاعرَ مرهفة، وحبٍ
جارفٍ لوطنه، والتصاقٍ حميمٍ بقضايا مجتمعه؛ مثال: (وأد: طلبت منهم لعبة؛ زوجوها.)؛
لقد استطاع الكاتب أن يبدع في هذا الفن الأدبي إبداعا يزيل ذلك الالتباس التجنيسي
الشائع بين (الومضة القصصية) و(القصة القصيرة جدا)، من خلال نصوصه التي تتسم برهافة
الشعور، وخصوبة الخيال، ومتانة العبارة، وأناقة الحروف، وروعة الصياغة، وسلاسة
العرض، وبلاغة التعبير؛ تلك البلاغة التي
تعني إيصال المعنى إلى المتلقي بإيجاز، وهو ما يتوافق مع قول النفري: (كلما اتسعت
الرؤية؛ ضاقت العبارة)؛ مثال: (وقار: تم عقله؛ نقص كلامه.)، (سعادة: رق؛ راق).
لهذا كله ـ
ولكثير غيره ـ وجبت الإشارة إلى أن (الومضة القصصية) ببلاغتها تحقق التوازن الخاص
بين التجسيد والتجريد؛ فلا تجعل القارئ مجرد متلقٍ للإبداع، بل تدفعه للمشاركة فيه،
بإعمال فكره للوصول إلى مختلف معانيه؛ فاعتماد الومضة القصصية على الإيحاء؛ يفتح
الباب واسعا للتأويل؛ مثال: (تنطع: ذبحوا الثور؛ تقاتلوا على مربطه.)، و من
الإيحاء إلى الإدهاش (رؤية الشيء المعتاد بطريقة غير معتادة)؛ مثال: (مكانة: التهم
الكتب؛ زاد وزنه.).
وقد أتى
عنوان الكتاب (قطرات حبر) على نحو بليغ؛ مشبها (ومضاته القصصية) بالدواء الذي يقطر
في العيون فينير الأبصار؛ لتحدث لدى القارئ حالة من التنفيس الانفعالي، المرتبطة
بدرجة كبيرة بفكرة (التطهير) عند أرسطو، وهكذا يشير العنوان إلى علاقة الومضات
القصصية بالتبصير والتطهير؛ وما يؤكد تلك الحقيقة تناوله لموضوعات (الجحود والنكران)،
(الكبر والغرور)، (الحقد والحسد)... إلخ؛ مثال: (زاد غروره؛ قل سروره.)، (جزاء: اشتعل
حسده؛ احترق جسده.)؛ فاستبصار المتلقي وتنقية نفسه وتحريك مشاعر الشفقة والتواضع
والرحمة؛ تأتي من خلال معالجة الداء الحقيقي، عن طريق إثارة شبيهه المتخيل إثارة
فنية، قائمة على حشد المشاعر وتوجيهها؛ بغية تطهير النفس من أدرانها.
ذلك هو
التفاعل الإيجابي المقصود والمنشود من هذا الجنس الأدبي المبتكر (الومضة القصصية) التي
أنتجتها من خلال المزاوجة بين (فن القص)، و(أدب الحكمة)؛ وهو ما أراه متحققا في
هذا الكتاب، بومضاته القصصية، التي نال عنها كاتبها شهادات التميز والتقدير
والاحترام باعتباره رائدا من رواد هذا الجنس الأدبي المبتكر.
فهنيئا
للمكتبة العربية بهذا الكتاب الجديد، وهنيئا للرابطة العربية للومضة القصصية بهذا
الكاتب المجيد، الذي أنعم الله عليه بتلك الموهبة (الحكمة)، يقول الحق في محكم
التنزيل: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا
أولو الألباب) الآية 269 من سورة البقرة.
ولا يفوتني
أن أؤكد ـ مرة أخرى ـ على حقيقة أن هذا الكتاب الذي يتيح للقارئ الكريم علاقة
جديدة، غير تلك العلاقة التقليدية القائمة على فكرة (نص ومتلقى)، ويتعداها لتفاعل
حميم مع الومضات القصصية التي يضمها؛ محققا (القناعة والقبول)، (الإبداع والإمتاع)،
(التبصير والتطهير).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو اتحاد كتاب مصر ـ مبتكر (الومضة
القصصية).