السبت، 20 ديسمبر 2014

قراءة في رباعية د.سمية عودة ــ بقلم الأديب مجدي شلبي

 قراءة في رباعية د.سمية عودة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم/ مجدي شلبي (*)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ماهـــوش أول ولا آخـر طــلـوع للـروح *** ماهو ياما الضلوع ضاقت كتير ع البوح

ما خفنــاش إلا مـن فرقتنـــا للأحبــاب *** ولا خفنــا بـعــد الرحلــة فيـن هنـروح.

هذه الرباعية ذات بعد فلسفي ووجداني عميق يتمثل في رؤية الشاعرة للعالم والحياة والمصير من خلال كلمات موجزة استهلتها بعبارة ملهمة ومعبرة: (ماهوش أول ولا آخر طلوع للروح)، وهي كناية عن تكرار التجارب المؤلمة، التي يتعرض لها الإنسان في حياته، ويضيق بها صدره مرارا وتكرارا بالكتمان وعدم البوح: (ماهو ياما الضلوع ضاقت كتير ع البوح)، ثم تعبر الشاعرة عن استطاعتها تحمل تلك المعاناة، التي لم تعد تخيفها، بسبب اعتيادها عليها وقدرتها على التصرف حيالها، ولكن أعظم مخاوفها وأقساها وأشدها وقعا هو فراق الأحبة: (ما خفناش إلا من فرقتنا للأحباب)؛ فهو الجرح الذي لا يندمل، والألم الذي لا يُحتمل، ثم أتبعته بقولها: (ولا خفنا إحنا بعد الرحلة فين هنروح)؛ فلا شيئ يصبح له قيمة في حياتنا بعد فراق الأحبة، وهو تسليم بمصير الرحلة، التي تتجاوز خلالها القلق والحزن، متشبثة بروابط الحب السامي الذي يفيض تعلقا بمن رحلوا...

وهكذا يتداخل الشعور الإنساني العميق بالضعف أمام الفقد والخوف من المجهول، مع التسليم بحتمية الرحلة، والتسليم الإيماني بالقضاء والقدر، وهو شعور ينبض بالوجدانية الصادقة، التي تجمع بين الحزن والسكينة، وبين الألم والأمل.

فإذا ما انتقلنا إلى البناء الفني للرباعية؛ وجدناها تتسم بسمات بلاغية عديدة منها:

ــ التكرار والتوكيد: في "ماهوش أول ولا آخر طلوع للروح"، هذا يعكس شعورا بالاعتياد على المحن، وكأن الشاعرة تُطمئن نفسها بأن الألم جزء من الحياة.

ــ التضاد: التضاد بين "أول" و"آخر"، وبين "ضاقت" و"البوح".

ــ الإيقاع الموسيقي: الذي جعل الرباعية متماسكة، ومرتبطة إيقاعيا ببعضها؛ حيث تقوم على وزن واحد في شطريها الأول والثاني والرابع مع اختلاف قافية الشطر الثالث، وهو مايُطلق عليه (الرباعي الأعرج)، مما جعلها قريبة من النفس، وذات تأثير عاطفي عميق.

وهو مايذكرنا بالرباعيات الأشهر (رباعيات الخيام) ــ التي صيغت في معظمها على هذا النسق ــ فإذا ما عقدنا مقارنة من حيث الموضوع؛ وجدنا أن كليهما ــ الخيام وعودة ــ يتناول موضوع الكينونة والوجود والإنسان والقدر والمصير؛ وانشغال الإنسان بأسئلة الوجود والفراق، الحياة والموت، والحنين والتسليم.

إن رباعية د. سمية عودة رغم تكثيف عباراتها واختزال معانيها في بضع كلمات؛ إلا أنها حفلت برموز عديدة ذات دلالات عميقة؛ منها على سبيل المثال:

ــ "الروح" و"الضلوع": حيث ترمز "الروح" ــ في هذه الرباعية ــ لجوهر الإنسان الذي يعاني ويتألم، بينما ترمز "الضلوع" للحماية التي تضيق بالمشاعر المكبوتة.

ــ "الرحلة": ترمز للبحث عن الحقيقة أو الانتقال إلى مجهول، حيث جاء السؤال الوجودي "فين هنروح؟" دون إجابة مباشرة، لكنه يحمل دلالة ضمنية تعبر عن الإيمان العميق بالقضاء والقدر، والتسليم بما يقدره الله عز وجل.

ومن هنا يأتي التأثير العاطفي لهذه الرباعية في نفس القارئ، رغم بساطتها ــ أو بالأحرى بسبب بساطتها وصدقها ــ لكونها تحمل مشاعر إنسانية عامة تتجاوز حدود الفردية، ومن ثم يمكن لكل قارئ أن يسقطها على تجاربه الحياتية، ويجد فيها تعبيرا صادقا عما يعانيه، وتلك لعمري هي ميزة الإبداع الحقيقي الذي يفتح الباب واسعا أمام التأويل والتحليل والتفاعل المتواصل بين المبدع والقارئ.

فتحية تقدير واحترام للأديبة المبدعة والشاعرة الرائعة د. سمية عودة على ما تتحفنا به من رباعيات شيقة، تضيف بها إلى رصيدها الإبداعي ألقا جديدا وتميزا فريدا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر